رصاصة أصابتني بالشلل، والطبخ هو الذي أعادني للحياة مرة أخرى

عدد القراءات
2,474
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/19 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/19 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
Smiling Young Handicapped Man Sitting On Wheelchair In Kitchen

عندما أتناول طعاماً شهياً من المطبخ اللبناني مع طلابي في دروس الطهي، أستطيع نسيان كل الألم. أشعر بالحب. بصفتي طاهياً لبنانياً يعيش حالياً في المملكة المتحدة، أعلم أن مشاركة الطعام معاً هو ما يجعل منّا بشراً.

لقد كان طريقاً طويلاً ذلك الذي يفصل بين حياتي القديمة في لبنان وتعليم طلاب الطهي في المملكة المتحدة. أطلق أحد أعضاء المعارضة الشيعية الرصاص عليّ مرتين خلال الصراع الداخلي الذي اندلع في لبنان بين المسلمين السنة والشيعة، وجعلني ذلك مشلولاً إلى الأبد. وخلال كل ما مررت به من ألم وحيرة، أصبح الطبخ شريان حياتي هنا في المملكة المتحدة.

كنت في الـ24 في اليوم الذي أصبت فيه بالشلل. كنت في طريقي إلى العمل في دوامٍ ليلي. كنت أفتح باب سيارتي عندما صوّب رجل مسدساً نحوي. رفعت يديّ عالياً وقلت "أنا أحمد سنّو وأعمل مع الصليب الأحمر، أرجوك لا تطلق النار عليّ". وبعدها فقدتُ وعيي، عندما أفقت كنت في المستشفى. لم أشعر بفخذيّ عندما نتفت بعض الشعر عليهما. عندها أدركت أن إصابتي بالرصاص أصابتني بالشلل.

كان عليّ ألا أغادر منزلي في تلك الليلة. لقد سمعنا تحذيرات من الهجوم، لكنني كنت مصراً على الذهاب إلى العمل لأنني علمت أن الصليب الأحمر كان بحاجة إليّ. وكذلك ما كان ينبغي أن أخبر المسلح اسمي الكامل؛ إذ إن "سنّو" هو اسم واحدة من أكبر سبع عائلات تدعم رئيس الوزراء وتدعم النظام السني. إذا كنت لا تعلم، يريد الشيعة الاستيلاء على السلطة من المسلمين السنة.

بعد مرور 8 أعوام، وتحديداً في عام 2016، واجهت حاجزاً على الطريق يديره المسلح نفسه الذي أطلق عليّ الرصاص. لاحقاً في ذلك اليوم، تبعني مسلح على دراجة نارية وأطلق عليّ الرصاص.

وعملاً بنصيحة أجهزة الاستخبارات في الدولة التي رأت أنني مستهدف، هربت من البلاد، تاركاً خلفي خطيبتي ووظيفتي. وأقيمُ في المملكة المتحدة منذ عام 2016.

كان ذلك صعباً حقاً. كنت أحب حياتي في لبنان. والآن تزوجت خطيبتي شخصاً غيري. كانت المرة الثانية التي تعرضت فيها لإطلاق الرصاص في شهر مايو/أيّار 2016. كنت على وشك الزواج منها في يوليو/تمّوز من نفس العام، لكنني اضطررت لمغادرة البلاد قبل ذلك الوقت. لقد فقدت كل شيء. عندما كنت في لبنان، كان لدي وظيفة كبيرة وراتب جيد.

 أتمنى حقاً أن توافق وزارة الداخلية على منحي صفة لاجئ قريباً. بصفتي طالب لجوء، لا أستطيع العمل. ليس لدي سبب يدعو للاستيقاظ مبكراً. الأمر الوحيد الذي يشجعني على الاستمرار هو دروس الطهي، فهي تمثل لي شيئاً أقرر عمله. لقد أُصبت بالرصاصة في عصب ظهري تماماً لذا أعاني دائماً من ألم شديد. لكن عندما أطهو الطعام لا أشعر بآلامي مطلقاً. إنه بمثابة علاجٍ بالنسبة لي.

أحب أيضاً أنهم يشيرون إلي في دروسي بصفتي الشيف اللبناني وليس اللاجئ. لقد حقق لي هذا اللقب الكرامة وساعدني على الاستمرار في الإيمان بذاتي. إضافة إلى أن الطعام لديه قدرة مذهلة على إعادتي إلى موطني. في لبنان، اعتادت والدتي أن تصنع لي لفائف الجبن اللذيذة تلك للفطور في المناسبات الخاصة. وعلّمت أحد طلابي صنع واحدة من هذه اللفائف، يعيدني ذلك إلى تلك الأوقات السعيدة التي كنت أقضيها مع أمي في الصباح.

عندما وصلت إلى المملكة المتحدة، لم أكن أعرف أحداً. شعرت أنني وحيد جداً. غير أن كل ذلك تغير بعد انضمامي إلى فصول Migrateful لتعليم الطهي. إنهم عائلتي الآن. قبل بضعة أشهر كانت وزارة الداخلية تهدد بالطرد من مسكني الحالي، كانوا يريدون تركي دون مأوى. اتصلت بجيس طومسون، مؤسِّسة Migrateful، وأخبرتُها بما يحدث. قالت لي "لن يكون أي فرد من أسرة Migrateful دون مأوى أبداً، سوف أجد لك مكاناً لتعيش فيه". جعلني ذلك أبكي لأنني علمت أنني سأكون بخير.

سيكون عيد ميلادي السابع والثلاثون الشهر المقبل. لدي أمنية واحدة فقط، الأمنية ذاتها التي تمنيتها طوال السنوات الأربع الماضية، منذ أن بدأت أعيش في منفاي هنا في المملكة المتحدة.

أتمنى أن أعيش حياتي، مثل أي إنسان عادي، دون الخوف من الترحيل إلى لبنان، أو الخوف من القتل. فذلك هو ما يجول بخاطري كل ليلة قبل أن أخلد للنوم.

-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد سنّو
طاه لبناني في مشروع Migrateful الاجتماعي، حيث يعلّم طالبي اللجوء واللاجئون إعداد طعامهم التقليدي للعملاء الذين يدفعون مقابل ذلك
طاه لبناني في مشروع Migrateful الاجتماعي، حيث يعلّم طالبي اللجوء واللاجئون إعداد طعامهم التقليدي للعملاء الذين يدفعون مقابل ذلك
تحميل المزيد