في الوقت الذي يترقب فيه العالم تطبيق مخطط ضم مدن الضفة الغربية، المزمع تنفيذه في الأول من يوليو/تموز القادم، يثار تساؤل كبير كما هو الحال في كل عدوان وإجراء احتلالي جديد، حول كيف سيكون رد الفعل الفلسطيني، في حال مضى الاحتلال، في فرض خطته، بمعزل عن الرفض الفلسطيني لها.
عدم الرد الفلسطيني القوي والمؤثر على إعلان القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والسعي لتصفية قضية اللاجئين وغيرها من القضايا والجرائم؛ فتح شهية الاحتلال والإدارة الأمريكية، حتى أن مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، نيكى هيلي، وصل بها القول لتقول "السماء لا تزال هناك ولم تسقط على الأرض"، والاحتلال أيضاً لا يخشى أن تهدم السلطة الفلسطينية المعبد على رأس (إسرائيل) مع وقف التنسيق الأمني.
لأن ردود الفعل الفلسطيني الرسمية والشعبية تأتي باهتة، وليست على مستوى خطورة الأحداث، وتتكرر بشكل نمطي اعتاد عليه الاحتلال، فعل ميداني وشعبي باهت متأثر بإفرازات الانقسام ومخاوف كل طرف. الرئيس عباس ومن معه أصابهم العجز والوهن، فكل الدعوات الفلسطينية لتغيير مسار أوسلو، وتطبيق القرارات الصادرة عن المجلسَيْن المركزي والوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي أقرت بوقف العمل بالاتفاقيات ووقف التنسيق الأمني، لم يترتب عليها أي شيء سوى تشكيل لجان تصطف إلى جانب مثيلاتها من اللجان التي لم تكن سوى مناورة لكسب الوقت وسرعان ما طواها النسيان.
بات واضحاً أن التفكير لدى دائرة الفعل الفلسطيني أصبح مجرد رُدودَ أفعالٍ على كافة المستويات في التعامل مع الاحتلال أو حتى في التعامل بالقضايا الداخلية. الكل يجد نفسه -شاء أم أبى- ضمن منطق ردود الفعل المكررة يعرفها العدو ويستعد لسيناريوهاتها.
القضية الفلسطينية تبدو الآن في أسوأ مراحلها، وهذا لم يكن قدراً ولا نتيجة المؤامرات والأخطار الخارجية فحسب، بل نتاج قيادة فاشلة عاجزة، وصلت إلى نقطة اللاعودة في الضعف والوهن، ولا زالت تراهن على تحرك أوروبي وعربي للضغط على (إسرائيل) للعودة لمسار التسوية وتهدئة الأوضاع.. وكأنها أصبحت مُدمِنة على ذلك.
اليوم وقبل فوات الأوان على القيادة الفلسطينية والقوى المؤثرة بالشارع أن تعي أن أي منظومة عمل مبناها ردود الأفعال، وردود الأقوال، وردود الردود على الردود، هي منظومة وقيادة يجب أن تكون آخر من يتحكم في مسار القضية الفلسطينية أو يحدد خياراتها، لأنها بطبيعة ردودها المعهودة أصبح يتحكم فيها الآخرون ويوجهونها حيث شاؤوا!
لا بد أن يعترف بهذا كل من أراد أن يصحح ويغير المسار، لا شك أن رد الفعل على جرائم الاحتلال يكون أمراً لا مناص منه، بل وربما يعد من تخاذل عنه مخطئاً أو مقصراً، لكن الخلل في كون ذلك يتحول تدريجياً إلى الأصل بحيث تصبح مواجهة الاحتلال دوماً رد فعل يحركها كيفما شاء ويحدد مستوياتها وحدودها.
القضية الفلسطينية تحتاج اليوم لخطوات للأمام، أن نكون نحن أصحاب الفعل وأن يكون لنا الخيار، فذلك هو محل التغيير الأساسي، ومناط التأثير الرئيسي، أما الاستسلام الدائم لما تُمليه الأحداث وتفرضه مجريات الأمور والارتهان لسلطة عاجزة ومرتجفة لن يسمح بخطوات تجديدية مغيرة للأفضل، فصاحب المبادرة وصاحب الفعل وليس رد فعل، هو من يمتلك تغيير وصناعة المشهد.
ونحن على أعتاب تطبيق مخطط الضم بالضفة المحتلة وتحديات قطاع غزة القابل للانفجار في ظل الحصار المتواصل، كفلسطينيين بحاجة للمبادرة بفعل وطني وشعبي هائل يضع الإقليم والعالم والاحتلال أمام الإرادة والفعل الفلسطيني الصلب يدفع الاحتلال للتراجع تحت ضغوط الميدان، إلى القوى والفصائل الفلسطينية التي صنعت مجداً وتاريخاً مشرقاً للشعب الفلسطيني، ودرساً قاسياً لقادة الاحتلال، مَن يقوم بالفعل؟ مَن لديه القدرة على المبادرة؟ مَن يمتلك إمكانية إحداث المفاجأة؟ من يستطيع أن يجيب بفعله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.