في أوائل عام 2018، اقتربت كيب تاون، في جنوب إفريقيا، بشكل خطير، من أن تصبح أول مدينة رئيسية في العالم تنفد منها المياه. تم بيع جميع الأوعية مثل الدّلاء وغيرها من المتاجر العامة، وتقنين المياه المعبأة في أجزاء من المدينة التي يسكنها السياح. وتم تصنيف يوم 12 أبريل/نيسان عام 2018 "يوم الصفر"، اليوم الذي كان من المتوقع أن يجفّ فيه الماء. واستعدّ مسؤولو المدينة ضد أعمال الشّغب، وبقي الجيش والشّرطة جاهزين للانتشار في مصادر جمع المياه.
كان هطول الأمطار في المنطقة منخفضاً لمدة ثلاث سنوات على التوالي، ما أدى إلى حدوث جفاف، لكن وبفضل الجهود الهائلة التي بذلها مسؤولو المدينة لفرض الحفاظ على المياه -بما في ذلك التعريفات والقيود الشديدة ونظام ضغط المياه الجديد بالإضافة إلى إعادة توجيه المياه الزراعية إلى المدينة- لم يأتِ يوم الصفر أبداً، وعادت الأمطار إلى طبيعتها بعد ذلك بوقت قصير، وتنفست المدينة الصعداء معاً، وتفادت الأزمة.
ظهور الخير من الشر
لكن الفزع كان بمثابة دعوة للاستيقاظ، ليس فقط إلى مدينة كيب تاون، ولكن إلى المدن التي تعاني من ضغوط المياه في جميع أنحاء العالم. تواجه مدينة مكسيكو وساو باولو والقاهرة وكراتشي وغيرها الكثير نقصاً في المياه. مع نمو سكان العالم وتغير المناخ الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة فمن المتوقع أن تصبح المياه أكثر ندرة. وفي الوقت الحالي فإن تحلية المياه عملية مكلفة ومكثفة للطاقة، إذ إن نقل التكنولوجيا إلى نقطة تكون فيها مياه البحر المحلاة خياراً ممکناً للمدن المتعطشة للماء عملية تستغرق سنوات، إن لم يكن عقوداً، لكن فرق العلماء في جميع أنحاء العالم تحرز تقدماً تدريجياً، تدفعنا ببطء نحو عالم وفير بالمياه.
التقطير الحراري والتناضح العكسي
طرق التحلية الأكثر شيوعاً حالياً هي التقطير الحراري والتناضح العكسي. في التقطير الحراري يتم تسخين الماء حتى ينفصل البخار النقي عن الملح والمكونات الأخرى. في التناضح العكسي تدفع كميات كبيرة من الضغط الماء عبر مرشح لفصله عن الملح.
وفقاً للرابطة الدولية لتحلية المياه، هناك 20,516 محطة لتحلية المياه في 150 دولة مختلفة، توفر المياه إلى 300 مليون شخص.
وأكبر المرافق القائمة حالياً هي رأس الخير في المملكة العربية السعودية، والتي تستخدم التقطير الحراري والتناضح العكسي، وسوريك في إسرائيل، والتي قيل إنها أكبر وأرخص محطة للتناضح العكسي في العالم، والتي افتُتحت عام 2015. يعتبر الشرق الأوسط حتى الآن المنطقة المهيمنة في العالم عندما يتعلق الأمر بتحلية المياه. ويقع أكبر مصنع غربي لتحلية المياه بالقرب من مدينة سان دييغو الأمريكية، قرب ولاية كاليفورنيا، وينتج 50 مليون غالون من المياه العذبة يومياً.
المشكلة الأكبر
المشكلة الأكبر التي تحول دون أن تصبح تحلية المياه مصدراً أكثر انتشاراً للمياه هي تكاليفها البيئية والمالية. يتطلب التقطير الحراري والتناضح العكسي كميات هائلة من الطاقة (السابقة أكثر من الأخيرة)، ولا تزال باهظة الثمن بالنسبة للمصادر الأخرى للمياه العذبة. وعلى الرغم من التطورات المشجعة والضرورية لن تكون تحلية المياه بمثابة الرصاصة الفضية التي ستقضي على مشكلات المياه في العالم. حتى بعد أن تصبح التكنولوجيا أكثر كفاءة وترشيداً في استهلاك الطاقة، إذ ستظل هناك آثار بيئية يجب مراعاتها، وهذا ما لا يوضع في الاعتبار حتى اللحظة، إذ يتم التخلص في الغالب من النفايات الناتجة عن تحلية المياه، وهي مزيج مركز من الأملاح والمواد الكيميائية، في المحيطات، حيث يمكن أن تلحق الضرر بالحياة البحرية، وتزيد من سمية المياه الساحلية.
وأشار المعارضون لهذه السياسات إلى أن طاقة تحلية المياه تنتج انبعاثات عالية الكربون؛ لذلك نحصل على المزيد من المياه النظيفة بسعر أقل من الهواء النظيف.
وعلى الرغم من هذه العيوب فإنَّ التقدم في تحلية المياه سيستمر إلى الأمام. في الوقت الذي يحتاج فيه العالم بالفعل إلى ذلك، نأمل أن تضيف تلك البوصات إلى الأميال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.