المصالحة وتسريح العمالة الأجنبية.. حلول الخليج السهلة للخروج من الأزمة المالية

عدد القراءات
3,391
تم النشر: 2020/06/12 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/12 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش

حتى ولو ارتفعت أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل بنهاية العام الجاري، كما توقع بنك مورغان ستانلي الاستثماري الأمريكي قبل أيام، فإن معظم الموازنات الخليجية ستعاني من عجز مالي حاد، وستقع في فخ الاقتراض الخارجي والمحلي في العام الجاري 2020، وربما في السنوات المقبلة. وحتى ولو وصل سعر برميل النفط إلى 60 أو حتى 70 دولاراً، وهذا أمر مستبعد جداً، قبل نهاية العام، فإن دول الخليج ستظل تعاني من أزمة مالية حادة خاصة الدول عالية الإنفاق مثل السعودية.

ومع تفاقم هذا العجز المالي ستندفع بعض الحكومات الخليجية نحو التقشف، واختيار الحلول السهلة والسريعة العائد لهذا التقشف ومنها طرد العمالة الوافدة بحجة ضغطها على العملات الخليجية واستنزافها نحو 120 مليار دولار سنوياً من احتياطيات دول مجلس التعاون الأجنبية، وكذا تسريح الموظفين وتخفيض رواتبهم، والتوسع في الاقتراض الخارجي والمحلي، والسحب من الاحتياطي الأجنبي الذي تديره الصناديق السيادية الخليجية.

آخر مثالين على هذا التوجه، الأول جاء من السعودية حيث تم سحب نحو 51 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري لتغطية التراجع الحاد في الإيرادات النفطية والبالغ 22% خلال الربع الأول من العام الجاري و50% من إيرادات شهر مارس/آذار الماضي لوحده.

والتوجه الآخر جاء من الكويت حيث يتم الآن تجهيز مشروعي قانون، الأول يتيح للحكومة الاستغناء عن 85% من العمالة الوافدة وبما يعادل 2.8 مليون وافد، والقانون الثاني يسمح لصاحب العمل بخفض رواتب موظفي القطاع الخاص بنسبة 50% بدلاً من إنهاء الخدمات، كما قامت البلاد بتسريح نحو نصف مليون وافد، وخفض رواتب مئات الآلاف من العاملين في القطاع.

ضرائب جديدة

وقد تمتد الإجراءات التقشفية الخليجية لتشمل فرض أنواع جديدة من الرسوم والضرائب لم تعرفها دول الخليج من قبل مثل الضريبة على الدخل وضريبة الأرباح الرأسمالية وجمارك على السيارات والسلع المستوردة وغيرها، وزيادة ضرائب قائمة كما حدث في السعودية قبل أيام، حيث تم رفع ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بداية من الشهر القادم، وكذا زيادة الضريبة الانتقائية، وربما تصبح الضرائب جزءاً لا يتجزأ من الحياة الحيوية اليومية للمواطن في غالبية معظم دول الخليج في الفترة المقبلة.

وقد رفعت الحكومة السعودية بالفعل يوم 10 يونيو/حزيران الرسوم الجمركية على نحو 3 آلاف سلعة مستوردة من الخارج بنسب تصل إلى 15%، ومن بين هذه السلع مواد غذائية وملابس ومنسوجات وسيارات ومواد بناء.

كما قد تشمل الإجراءات التقشفية أيضاً لمواجهة الأزمة المالية الخليجية زيادة أسعار سلع رئيسية مثل الوقود رغم تهاوي أسعار النفط عالمياً، وكذا رفع أسعار السلع الغذائية من سكر وزيوت ودقيق وغيرها، وزيادة سعر الدخان والتبغ والمياه الغازية.

وأحدث مثال على ذلك ما تم يوم الخميس 11 يونيو/حزيران حيث رفعت السعودية أسعار الوقود لشهر يونيو/حزيران الجاري بنسبة 34.3% لبنزين 91 أوكتان و31.7% لبنزين 95 عن مايو/أيار الماضي.

خفض الإنفاق العسكري

لكن في مقابل هذه الإجراءات التقشفية التي تطال جيب المواطن لا أحد يتحدث في منطقة الخليج عن حلول أقل كلفة وتأثيراً على النسيج الاجتماعي داخل دول المنطقة مثل خفض الإنفاق العسكري والأمني الضخم والذي يقدر في دولة كالسعودية بنحو 182 مليار ريال في موازنة العام الجاري 2020، مقابل 198 مليار ريال سعودي (52.8 مليار دولار) في عام 2019. كما يتكرر هذا الإنفاق العسكري الضخم في معظم دول مجلس التعاون.  علماً بأن إنفاق هذه الدول على التسلح ارتفع إلى 103.01 مليار دولار عام 2019، ومن المتوقع أن يصل الإنفاق العسكري، في كافة دول الخليج، إلى 110.86 مليار دولار عام 2023، حسب موقع الدفاع العربي، وهو مبلغ بات يمثل عبئاً شديداً على الموازنات الخليجية في ظل تهاوي إيرادات النفط. 

تمويل الثورات المضادة

ولا أحد في منطقة الخليج يتحدث عن إمكانية تحقيق وفر مالي ضخم عبر وقف تمويل بعض الأنظمة الخليجية، خاصة من الإمارات، تمويل الثورات المضادة سواء في ليبيا أو تونس أو السودان أو غيرها من البلدان العربية التي حلم مواطنوها ذات يوم بدول مدنية يحكمها القانون لا العسكر، وتحترم الحريات العامة وتتسم بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات. فهذه الأنظمة تخصص مليارات الدولارات من مواردها المالية لإجهاض حلم الشعوب.

وقف حرب اليمن

ولا أحد في منطقة الخليج يتحدث عن ضرورة وقف تخصيص السعودية والإمارات مليارات الدولارات سنوياً لقتل أطفال ونساء اليمن وتدمير مقدرات هذه البلد العربي العريق في حرب مفتوحة منذ بداية عام 2015، وكذا مساعدة نظام الأسد المجرم في قتل وتهجير ملايين السوريين في صراع مفتوح منذ عام 2011.

مخصصات الأسر الحاكمة

والأهم لا أحد في منطقة الخليج يتحدث عن ضرورة ترشيد النفقات والامتيازات والمستحقات والمخصصات التي تتقاضاها الأسر الحاكمة، خاصة أن تلك المخصصات غير معلنة ولا تخضع لرقابة أجهزة الدولة، كما أن جزءاً كبيراً من إيرادات شركات نفطية كبرى تستحوذ عليه هذه الأسر، وحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية في أبريل/نيسان 2019 بلغ صافي شركة "أرامكو" السعودية المنتجة للنفط 111.1 مليار دولار عام 2018، وأن جزءاً كبيراً من هذه الأموال ذهب إلى العائلة المالكة وصفقات التسلّح والأعمال الحربية.

وحسب الوكالة الأمريكية أيضاً، فإن اعتماد السعودية على "أرامكو" لتمويل الإنفاق الاجتماعي والعسكري، فضلاً عن أنماط الحياة الفخمة لآلاف الأمراء، يضع عبئاً ثقيلاً على تدفقات أرامكو النقدية التي تدفع 50% من أرباحها على ضريبة الدخل، إضافة إلى مُخصّص تنازلي للعائلة المالكة يبدأ من 20% من إيرادات الشركة، ويرتفع إلى 50% تماشياً مع أسعار النفط.

كما أن بنداً مهماً يمكن أن يكون مصدر إيراد مهم للموازنات الخليجية هو مكافحة الفساد المالي والتهرب الضريبي وعمليات غسل الأموال القذرة التي تتم داخل بعض دول المنطقة وتقدر بمليارات الدولارات سنوياً.

المصالحة الخليجية

كما أن الإسراع في إنجاز المصالحة الخليجية يمكن أن يكون أحد الحلول المطروحة لاحتواء الأزمة المالية التي تمر بها دول المنطقة والناتجة عن تفشي فيروس كورونا وتهاوي أسعار النفط، ففي حال حدوث مثل هذه المصالحة فإن الشاحنات والسلع والبضائع ستنساب بين دول الخليج، وبالتالي ستتراجع فاتورة الاستيراد من الخارج، وسيقل اعتماد دول الخليج على السلع الضخمة المتدفقة من الصين والهند وإيران ودول أوروبا وجنوب شرق آسيا وغيرها من دول العالم، وبالتالي ستوفر دول الخليج مليارات الدولارات المخصصة للواردات الأجنبية وتكلفة الشحن والنقل وغيرها، كما ستوفر دول الخليج مئات الملايين من الدولارات التي تنفقها على الذباب الإلكتروني وشركات العلاقات العامة الدولية في محاولة لتشويه الآخر أو تحسين صورتها الذهنية.

وقف الإهدار

هناك حلول أخرى يمكن أن تقلل من خلالها دول الخليج من تأثيرات الأزمة المالية العنيفة الحالية التي تمر بها وتوفر مليارات الدولارات، منها وقف الإهدار والإسراف في الاستهلاك، والذي يمتد لكل شيء بداية من الطعام والشراب وحتى أمور حياتية أخرى.

فحسب الأرقام غير الرسمية، فإن نسبة الهدر في الإنفاق على المواد الغذائية وصلت إلى 30% في منطقة الخليج، أي أن ما يقرب من ثلث استهلاك الفرد الواحد من الغذاء يُلقى في حاويات القمامة ليتم إعدامه في نهاية الأمر، وهذا يعني إلقاء أغذية بمليارات الدولارات في صناديق القمامة دون الاستفادة منها.

في السعودية مثلاً، أكبر دولة خليجية من حيث الاستهلاك، فإن هدر الغذاء يكلف المملكة 40 مليار ريال سنوياً، فيما تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 33%. حسب تصريحات وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي في شهر أبريل/نيسان 2020.

بل إنه عند مطالعة بيانات المؤسسة العامة للحبوب في السعودية تصعق من حجم الإهدار، فالهدر في الدقيق والخبز يقترب من مليون طن سنوياً، فيما يهدر 557 ألف طن من الأرز، و22 ألف طن من اللحوم، إلى جانب إهدار 13 ألف طن من لحوم الإبل، و41 ألف طن من لحوم الأبقار، و444 ألف طن من لحوم الدواجن، فيما تبلغ نسبة الهدر في الأسماك 69 ألف طن سنوياً. ويتجاوز الهدر في الخضار 335 ألف طن سنوياً.

ظاهرة هدر الطعام تمتد لكل دول الخليج، فأرقام برنامج أصدقاء الطبيعة القطري تشير إلى أن كمية الطعام المهدر سنوياً في قطر بلغت 1.4 مليون طن، بمعدل 636 كجم للفرد الواحد، مقارنة بـ 115 كجم للفرد بالدول المتقدمة و11 كجم بالدول الفقيرة، إضافة إلى أن 14% من الغذاء في قطر يتم إتلافه بسبب مشاكل التخزين أو انتهاء الصلاحية ويعادل 20 مليون كغم.

كما أن على دول الخليج العمل على قطاعات من شأنها الحفاظ على النقد الأجنبي، ومنها الاستثمار في الزراعة والصناعة وقطاع الخدمات والفندقة، وصناعة الملابس، خاصة أنها تمتلك الإمكانيات المالية التي تؤهلها لذلك، فهذه الدول تمتلك سيولة نقدية تبلغ نحو ألفَي مليار دولار مستثمرة في الخارج.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى عبد السلام
كاتب متخصص في الشأن الاقتصادي
تحميل المزيد