مَن باتَ لا يؤمن بأن كل شيء سيتغير بعد جائحة كورونا؟ لا أحد، التغيير صار من المسلمات حقيقة وسيكون سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، حتى على مستوى الدول في علاقاتها بعضها بعضاً. أمريكا تتغير الآن كما تعلمون من خلال نشرات الأخبار وأوروبا والشركات الضخمة وتجارة السلاح والسياحة، يجب علينا أن نؤمن بأن هذا التغيير حاصل لا محالة. المشكلة الكبرى أن بعض الأنظمة العربية إن لم يكن جلّها يبدو وكأنها لا تريد أن ترى هذا التغيير الحاصل وكأنها تعيش على كوكب آخر، فهي ما زالت تتبع نفس السياسات التي اتبعتها منذ عشرات السنين، وهي تؤكد استمرارها حتى اللحظة، وهذا هو الخسران الدنيوي المبين الذي سَيَحِل علينا كشعوب عربية جراء استمرار سياسات بعض أنظمتنا.
كيف ذلك؟ لاحظوا أعزائي أنه عندما يُطل علينا مثلاً مسؤول خليجي كبير وسابق، ويقول إنه لو تمت المصالحة بين دول الخليج وقطر وتمت المصالحة أيضاً مع دولة الاحتلال الصهيوني، فإنه سيذهب إلى الأخيرة ولن يذهب إلى الدوحة حتى لو كان فيها الكعبة. كذلك المدوّن السعودي الذي انتشر له فيديو منذ أشهر مضت وهو يتبادل تلك الضحكات العريضة والغبية مع رئيس وزراء دولة الكيان، بنيامين نتنياهو، وهو يخبره بأنه يعشق إسرائيل ويعشق الديمقراطية في إسرائيل ويتغنى بحاخاماتها. أيضاً حين نرى اليوم كل الدعم الخليجي للجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي باع جيش بلاده إبان حربها مع تشاد في معركة وادي الدوم عام 1987 التي راح ضحيتها 1269 جندياً ليبياً مخدوعاً بحفتر، هذا الأخير هو عدو للشعب الليبي الطامح للديمقراطية.
ماذا يعني كل ذلك؟ هل يعني أن ذاك المسؤول الخليجي يعشق بالفعل دولة الاحتلال، أم أن المدوّن ومَن دفعه ليَخرُج علينا بهذا الكمّ الهائل من الغباء يعشق هو الآخر اليهود، أم أن داعمي حفتر يعشقونه لشخصه؟
الحقيقة أننا نبرّئهم من هذا العشق، هم في الحقيقة يمقتون ويبغضون ما يسمونه الإسلام السياسي، مع أن هذا المصطلح يسيء للإسلام من وجهة نظري على الأقل، هم يخافون ويرتعبون من أن تنشأ دول جارة لهم ويصبح لديها انتخابات ديمقراطية حقيقية، وتداول سلمي وحضاري للسلطة. هم أصلاً يرتعبون لمجرد ورود الفكرة على مخيلتهم، هذا هو منبع دعمهم لليهود وكيانهم المجرم القاتل الذي نَشَأَ وترعرع من خلال دعمه للديكتاتوريات العربية وعساكرها، ومن مصلحته قتل الأحرار والحرية والديمقراطية ليس فقط في البلدان الجارة لكيانه بل أيضاً في كل وطننا العربي الممتد، لذلك تلاقت مصالحه ككيان غاصب ومصالح الكثير من الأنظمة العربية عدوة الديمقراطية وعدوة تمكين الشعوب وهذا هو محركها الحقيقي لدعم دولة الاحتلال.
وفي المحصلة يأتي دعمهم أيضاً لأمثال حفتر العسكري، ودعمهم السخيّ للانقلابات العسكرية التي دائماً ما تكون على النقيض من مصلحة شعوبها الطامحة للحرية والديمقراطية والكرامة. هم يدعمون حفتر ومَن هُم على شاكلته ليس حُباً له أو لليبيا بل لأنهم يعلمون أن العسكر حين يسيطرون على الحكم لن يسمحوا أبداً بالانتخابات الحقيقية وتداول السلطة، ولن يسمحوا بالحريات أبداً. تلك الأنظمة العربية السخية على العساكر العرب وانقلابييهم ومتمرديهم تعلم جيداً أن أمثال هؤلاء سيقولون للشعوب المقهورة إن الديمقراطية والانتخابات ستجلب لهم الإسلام السياسي الذي ألصقوا به كل فشلهم على مدار 70 سنة. وإنه سيجلب لهم الأعداء والحروب والويلات والتشرد والهجرة والنزوح، فتُصدق الشعوب مجدداً، وتسكت مرة أخرى على القهر والفقر والتخلف والظلم والفساد كما سكتت مِن قبل في سبيل حصولها على الأمن والأمان فقط، وإن لم تسكت فإنه سيصار لإسكاتها بالحديد والنار.
تلك الأنظمة ما زالت تعتقد ذلك، تصوروا أعزائي أنهم ما زالوا يعتقدون ذلك حتى بعد جائحة كورونا التي قلبت العالم الآن رأساً على عقب، وفي أمريكا وأوروبا قُطبا الديمقراطية والحريات التي لم تعد لا ديمقراطيتهم ولا حرياتهم مقنعة لشعوبهم بعد كورونا.
شيء مؤسف بحق ونحن نتابع اليوم تلك الأنظمة وهي ما زالت تُصِر على دعم العسكر ودعم ديكتاتوريي المستقبل الذين لن يكون لهم مكان في المستقبل القريب، ولن يجدوا أصلاً مَن يقف إلى جانبهم لا من جانب أمريكا ولا من جانب أوروبا ولا من جانب شعوبهم، وهذه حقيقة أصبحت الآن أيتها الأنظمة جلية لشعوبكم المقهورة والمغيبة ولشعوب المنطقة ككل، ليس هذا فحسب، بل إن شعوبكم الآن تدرك أكثر من أي وقت مضى أنكم ستقدمون فلسطين كهدية ما مِن وراها جزية فوق ملياراتكم التي تدفعونها كثمن لفواتير حماية أنظمتكم وكراسيكم وعروشكم، لأن المليارات لم تعد تُشبِع خِزَانات مَن وضعوكم لهذه الوظيفة، شعوبكم اليوم أصبحت شعوباً لا تملك شيئاً لتخسره فيما لو نهضت أخيراً لتنفض الغبار عن أجسادها النحيلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.