"حين أخبرتُ زوجتي أنني سأعتني بمصابي كورونا انهارت، لم تتوقف عن البكاء والنحيب، هذا أثر في نفسيتي جداً".
بهذه الكلمات ينقل الممرض زهير عبي مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب العاملين في المجال الصحي في المغرب حالياً، والذين يكافحون انتشار وباء كورونا.
الخوف التي انتاب زوجة الممرض المغربي، حرصاً على سلامته وحياته، كانت مضاعفة لدى زهير الذي بات مرعوباً من أن ينقل العدوى لأسرته الصغيرة عقب عودته للبيت بعد انتهاء ساعات مداومته بمصلحة الإنعاش المخصصة لمرضى "كوفيد 19" بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس (تبعد عن الرباط بـ200 كيلومتر).
توتر وحرص كبيران تعيشهما الطواقم الصحية بالمغرب، خاصة من يتعامل بشكل مباشر مع المصابين بـ "كوفيد 19″، سواء داخل غرف العزل أو أولئك الذين تطلبت حالتهم الصحية إدخالهم غرف الإنعاش، الأمر الذي جعل أطباء وممرضين يطالبون بتوفير شقق سكنية وغرف فندقية بشكل مؤقت إلى حين مرور المحنة الصحية.
وأوضح عدد من الأطباء والممرضين لـ "عربي بوست"، كيف أنهم يعيشون ضغطاً رهيباً، ما بين مطرقة المرض وسندان نقل العدوى لآبائنا وأجدادنا المسنين ممن يعانون أمراضاً مزمنة.
"لكم أن تتخيلوا حجم الريبة والوسواس الذي نعانيه كل مرة نعود فيها إلى بيوتنا وقد عاينا قبل سويعات قليلة حالات مشكوكاً فيها، بل حتى تأكدت إصابتها بفيروس كورونا الجديد".
يعتنون بمصابي كورونا.. يحتاجون العزلة
زهير الذي يتعامل يومياً مع حالات مؤكدة الإصابة، منها من يرقد في غرف العناية المركزة موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي، أكد لـ "عربي بوست" أنه رفقة زملائه طالبوا وزارة الصحة وإدارة المستشفى الجامعي بضرورة عزلهم عن أقاربهم وتوفير غرف انفرادية لهم.
وأضاف الممرض بحسرة: "مستعدون لتوديع آبائنا وأطفالنا والخروج للعمل بضمير مرتاح وبكل تفانٍ، وتعريض أنفسنا للخطر، لكننا غير مستعدين لنقل العدوى لهم، لن نسامح أنفسنا نهائياً".
وعقب إطلاق المشتغلين في المجال الصحي بالمغرب نداء من أجل إيوائهم بمعزل عن آبائهم كبار السن وأطفالهم الصغار، انبرى عدد من المواطنين المغاربة إلى توفير شقق مجهزة فارغة.
الحل الذي يجده ممرض الإنعاش غير مُجدٍ تفادياً للتجمعات، إذ إنَّ أقصى عدد يمكن أن يقطن بالشقة هو شخصان لا أكثر في حين يبقى خيار الغرفة بالفندق حلاً أفضل، وفق تعبيره.
محمد، هو أحد هؤلاء المتبرعين بشققهم مؤقتاً، والذي قال لـ "عربي بوست"، إنه شاهد نداء لأحد الأطباء عبر صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "باعتباري مواطناً غيوراً على بلدي، قررت أن أتفاعل إيجابياً مع النداء".
صاحب المبادرة قرر وضع شقته تحت إشارة الأطباء ورجال الأمن بالمجان، طيلة مدة الحجر الصحي المقرر مبدئياً بالمغرب إلى غاية 20 أبريل/نيسان، كـ "عربون شكر وامتنان لمجهوداتهم المبذولة من أجل الوطن"، وفق تعبيره.
أطباء ودّعوا عائلاتهم
"نحن جنود المعركة وعلى خط الجبهة الأمامي"، هكذا وصف الدكتور عماد سوسو، طبيب في الطب الاستعجالي بمصلحة العناية المركزة بمستشفى ابن طفيل التابع للمركز الاستشفائي الجامعي بمدينة مراكش (جنوب)، حاله وحال زملائه ممن يحتكون مباشرة بمصابي كورونا.
يتضاعف تخوف الطبيب المغربي المشتغل بالمدينة الحمراء، حين يتعلق الأمر بالإمكانية الكبيرة لنقله العدوى للمحيطين به.
"أقل خطأ قد يرتكب في بروتوكول التعامل مع المرضى أو في ارتداء اللباس الواقي أو خلعه سيتسبب حتماً ضفي إصابتنا ونقل المرض لزوجتي وطفلتي ذات العام ونصف".
يشرح الدكتور عماد كيف أن مهامه رفقة زملائه تصبح أصعب بسبب اللباس الواقي، وإن كان أمراً حتمياً لتوفير الحماية.
ويتكون هذا الزي الواقي من قطع عديدة تصل إلى 10، ويتطلب ارتداؤه نصف ساعة ارتكازاً على تقنيات خاصة، فيما لا تقل مدة نزعه عن نصف ساعة كذلك، انطلاقاً من الرأس إلى القدمين مع تفادي الحركة الكثيرة قبل تسليمه لأخصائيين يتخلصون منه بطريقة مهنية.
أما عن ضرورة انعزال الأطر الطبية عن عائلاتهم وذويهم، فيقول الطبيب: "منذ ظهور أولى الحالات طالبنا وزارة الصحة المغربية بتوفير أماكن إيواء للأطباء والممرضين ولكل من يتعامل مع مرضى كورونا، لا نريد غرفاً 5 نجوم، لكن من اللازم أن ننعزل عن أسرنا حماية لهم".
قبل أيام، تمكن مستشفى الحسن الثاني بفاس من توفير مقر لفريق الطبي، حيث يتوزع الممرض زهير عبي حالياً رفقة عدد من زملائه بغرف قد تجنبهم نقل العدوى لأقاربهم.
أما طبيب الطب الاستعجالي عماد سوسو فقد فضّل مغادرة بيته والاستقرار في بيت زميل أرسل زوجته الحامل لبيت أهلها حماية لها ولجنينهما.