تساءل عن مكان المعتقلين فلحق بهم.. أكاديمي سعودي يختفي بعد مداخلة بمعرض الكتاب

«الشعب ولي الأمر وليس الحاكم، وأين النشطاء والناشطات الذين نشروا ثقافة حقوق الإنسان في بلادنا؟»، كانت هذه الكلمات القليلة كافية لأن يفقد الأكاديمي والمحاضر السعودي أنس المزروع حريته،

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/03 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/03 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
الناشطات لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وسمر بدوي/الجزيرة نت

"الشعب ولي الأمر وليس الحاكم، وأين النشطاء والناشطات الذين نشروا ثقافة حقوق الإنسان في بلادنا؟"، كانت هذه الكلمات القليلة كافية لأن يفقد الأكاديمي والمحاضر السعودي أنس المزروع حريته، رغم أنه قالها في ندوة مغلقة ومخصصة لحقوق الإنسان.

لم يبِت حتى في منزله

مداخلته السريعة والبسيطة لخّصت الواقع السعودي، وأُلقيت في ندوة خُصصت للحديث عن حقوق الإنسان ضمن إطار فعاليات معرض الكتاب في العاصمة السعودية الرياض، إلا أنها يبدو أنها أغضبت صُناع القرار في المملكة.

إذ  لم تمهله السلطات السعودية ولو يوماً ليتنفس الصعداء؛ لتعتقله مباشرةً بعد ساعات قليلة من مداخلته التي ألقاها يوم 18 مارس/آذار 2019.

فبعد أن وصل إلى منزله، سارعت السلطات السعودية باعتقال الأكاديمي والمحاضر.

أسباب عديدة لاعتقاله

السلطات السعودية يبدو أنه كان لديها أسباب عديدة لاعتقاله.

فقد أشاد المزروع في مداخلته بإنجازات معتقلي الرأي، وفي مقدمتهم معتقلو جمعية "حسم" والناشطات الحقوقيات.

كما تحدّث المزروع، الذي يعمل مُحاضراً في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود بجامعة الملك سعود، إضافة إلى عمله سكرتيراً لمركز البحوث في نفس الكلية، أمام الحضور، عن القمع الذي تُمارسه السلطات السعودية على الناشطين الحقوقيين قائلاً: "كلنا نعرف أين عزيزة اليوسف، وأين إيمان النفجان، ولجين الهذلول، وعبدالله الحامد، وبقية الإخوة الذين ساهموا في تجديد ثقافة حقوق الإنسان".

وأشاد بإنجازات جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) التي وصفها علناً بـ "المُبادرة المدنية الرائعة" رغم اعتقال اثنين من الأعضاء المؤسسين، وهما الأكاديميان محمد فهد القحطاني وعبدالله الحامد.

وشدد المزروع، في كلمته، على تناقُض السعودية بين الحديث عن تمكين المرأة ووضع النساء في القوانين الحالية في المملكة، مؤكداً أنّه ما زالت هناك أنظمة وطنية تميّز ضدها.

كما لفت إلى أنّ موافقة ولي الأمر بالنسبة للمرأة تدلّ على أنّ هُناك انتهاكات نظامية موجودة في النظام، على حد تعبيره.

ولكن المزروع انتقل من انتقاد مفهوم ولي أمر المرأة إلى ما هو أكبر

إذ طلب من الحضور إعادة النظر في مفهوم "ولي الأمر" (الحاكم) الشائع والمتداول في المجتمع السعودي.

وانتقد سياسة حكم الفرد الواحد في السعودية، مشيراً إلى أنّ الشعب هو ولي الأمر وليس فرداً واحداً.

 عشرات من الناشطين والمغرِّدين السعوديين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشادوا بما  أقدم عليه المزروع، مطلقين عليه وصف "بطل معرض الكتاب"، وتداولوا فيديو يظهر فيه المزروع وهو يتحدث خلال ندوة مقامة في معرض الكتاب بالرياض.

 واعتبر البعض أن ما قام به الأكاديمي السعودي يمثل أعلى درجات الوطنية.

وتساءل أحد المغرِّدين: "أين هم الآن مَن يطالبون المعارضين بالرجوع والتحدث من داخل الوطن؟! ها هو البروفيسور أنس المزروع تحدث لمدة دقيقة واحدة فقط وتم خطفه من قِبل أمن الدولة!".

والنتيجة نقله إلى مبنى سيئ السمعة تابع لأمن الدولة

المزروع نُقل فور اعتقاله إلى مبنى خاص في العاصمة السعودية الرياض يقع على طريق الدمام، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست".

وهو مبنى تابع لجهاز أمن الدولة السعودي، والذي هو عبارة عن مجمع سكني صغير، تمّ تأمينه بحراسة مشددة.

وذكرت هذه المصادر أنّ المزروع محتجَز حالياً في زنزانة العزل الانفرادي داخل المبنى، وأنّه مُورسَ بحقه سياسة الضرب والإهانة المقصودة حتى تتم تحطيم معنوياته، وذلك تمهيداً لنقله فيما بعد إلى سجن الحائر الذي يعدّ من أكبر سجون السعودية، والذي يقع على بُعد أربعين كيلومتراً جنوبي العاصمة الرياض، وهو أكثر سجون البلاد تحصيناً، حيث يخضع لرقابة أمنية مشددة.

إنه مبنى جديد مخصَّص للاستجواب

ويقول المستشار والعضو السابق في النيابة العامة محمد القحطاني، لـ "عربي بوست"، إنّ أنس المزروع سيواجه مصيراً مثل أي سجين أو معتقل سياسي، والذي يتمثل بطبيعة الحالة في ممارسة المحقِّقين بحقه شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.

وذكر القحطاني أنّ المبنى الذي يقع على طريق الدمام الذي يعتقد أن المزروع نُقل إليه هو أحد المباني الجديدة التي استحدثها جهاز أمن الدولة بالسعودية لممارسة التحقيق والاستجواب بحق المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في السعودية".

وأشار إلى أنّ هذا المبنى هو البديل عن سجن عليشة الذي كان يقع في وسط العاصمة الرياض في منطقة عليشة بالقرب من جامعة الملك سعود للبنات.

التعذيب يطال النساء، فماذا يحدث للرجال؟

وكشفت مصادر مطلعة أن ناشطات سعوديات بارزات أبلغن المحكمة الجزائية في الرياض، الأربعاء 27 مارس/آذار، أنهن تعرضن للتعذيب خلال احتجازهن المستمر منذ أكثر من تسعة أشهر، في قضية زادت من حدة الانتقادات الغربية للمملكة، وفقاً لوكالة رويترز.

من بين المتهمات، الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، والأستاذة الجامعية هتون الفاسي، والمدونة إيمان النجفان، والأكاديمية عزيزة اليوسف، وهي في الستينيات من عمرها.

وتقول جماعات حقوقية إن ثلاث نساء على الأقل، بينهن الهذلول، وُضعن في الحبس الانفرادي لشهور، وتعرضن للتعذيب الذي شمل الصعق الكهربائي والجَلد والتحرش الجنسي، ووجهنَ الاتهامات لمستشار ولي العهد السعودي، سعود القحطاني بالمسؤولية المباشرة عن تعذيبهن.

في حين ردَّ النائب العام على هذه المزاعم، وقال إن مكتبه حقق في هذه المزاعم وخلص إلى أنها كاذبة. ولم يتسنّ لرويترز الوصول إلى القحطاني منذ فصله من عمله، في أكتوبر/تشرين الأول، بعد مقتل خاشقجي.

رجال سكارى وإجبار على الإفطار في رمضان

وحسبما نشرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، على لسان مصادر لم تسمها، فإن ما يقرب من عشر ناشطات سعوديات في مجال حقوق المرأة جلسن أمام لجنة مؤلفة من ثلاثة قضاة في قاعة محكمة بالرياض، الأربعاء 27 مارس/ آذار، وتحدثن عن الإيذاء البدني والجنسي الذي تعرضن له على يد ملثمين.

ووسط حالة من البكاء، وعناق بعض النساء لعائلاتهن في المحكمة، قالت إحداهن أمام لجنة من ثلاثة قضاة إن العديد من الرجال الذين بدوا في حالة سكر، ظهروا في وقت متأخر من ليلة واحدة، ونقلوها من مكان احتجازها في جدة إلى مكان سري قريب.

وأضافت السيدة التي لم تذكر "أسوشيتد برس" اسمها، أنها وباقي النساء تعرضن في هذا المكان السري للضرب بالعصيّ على ظهورهن وأفخاذهن، وصُعقن بالكهرباء، وغُطين بالمياه من قبل رجال ملثمين لم يكشفن عن هويتهم.

وتقول بعض النساء إنهن تعرضن للإمساك بالقوة، وملامسة أجسادهن، وأُجبرن على الإفطار في شهر رمضان، وهُددن بالاغتصاب والموت، فيما حاولت إحدى النساء الانتحار في السجن.

وهو أحد الموقِّعين على وثيقة الإعلان الوطني للإصلاح

وعلى الرغم من أنّ المزروع لا يُعرف في الأوساط السعودية الحقوقية والسياسية المحلية على أنّه ناشط مشهور من الطراز الأول.

إلا أنّه بحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست"، فإنّ المزروع كان له نشاطات ومطالبات حقوقية سابقة على المستوى المحلي، فهو أحد الموقِّعين والمطالبين في وقت سابق بوثيقة الإعلان الوطني للإصلاح، وهي عبارة عن عريضة سياسية شعبية سعودية تمت صياغتها في فبراير/شباط 2011م.

وطالبت هذه الوثيقة بتطبيق إصلاحات سياسية، منها انتخاب كامل لأعضاء مجلس الشورى السعودي وسنّ دستور للبلاد.

وقد رُفعت للملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية آنذاك، ووقَّع عليها العشرات من السعوديين الأكاديميين والكُتاب والناشطين والحقوقيين والإعلاميين والفنانين والمعارضين، وكان من ضمنهم المزروع.

وهناك سبب يجعل القلق على  مصيره أكبر من غيره

وأبدت الناشطة الحقوقية الدكتورة حصة الماضي تخوُّفها من أن يتعرض المزروع للتعذيب النفسي والجسدي، بعد أن يتم وضعه في زنزانة انفرادية حتى ينتهي من التحقيق معه.

 وقالت لـ "عربي بوست"، إنّه ليس هناك فترة زمنية محددة يتم تحديدها من قِبل جهاز أمن الدولة السعودي في احتجازه للمعتقلين، ومن ضمنهم المزروع الذي من الممكن أن يبقى لأشهر طويلة حتى يتم البتُّ في قضيته بعد ذلك.

ومما يزيد خوف حصة الماضي أن المزروع شخصية غير معروفة للمجتمع السعودي، فهو شخصية عادية ويعمل موظفاً ومحاضراً في كلية الحقوق بجامعة الملك سعود، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تمارَس بحقه انتهاكات شديدة جداً.

خاصة أن العالم لم يأبه لمصير الناشطات والحقوقيات السعوديات أو الدعاة والمشايخ المشهورين في السعودية كالشيخ سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، الذين تمّ اعتقالهم على خلفيات سياسية، وأحدث اعتقالهم ضجة كبيرة وجدلاً واسعاً بالسعودية.

الأمر الذي يجعل مصير المزروع أسوأ.

علامات:
تحميل المزيد