تجمَّع عدد كبير من المصريين في إحدى ضواحي القاهرة، تحت مظلة كبيرة يحتمون بها من أشعة الشمس، لتقديم تظلمات بعد إخطارهم بأنهم على وشك حذفهم من البرنامج الحكومي بخصوص بطاقات التموين ، لأنهم أكثر ثراءً ولا يستحقون دعم الغذاء.
قد يكون سبب الحذف شغل وظيفة تدرُّ دخلاً مرتفعاً، أو امتلاك سيارة حديثة، أو دفع فاتورة كبيرة للهاتف أو الكهرباء أو مصروفات مرتفعة للمدارس.
بعض الأشخاص قطعوا مسافات طويلة من أنحاء متفرقة بالبلاد، للوصول إلى هذا الموقع في ضاحية مدينة السلام، للقاء المسؤولين شخصياً، والتعبير لهم عن شكاواهم.
وإذا قوبلت تظلماتهم بالرفض، فلن يعود بمقدورهم استخدام بطاقات التموين الذكية التي يحصلون بها على الأرز والمعكرونة وغيرهما من السلع الأساسية المدعمة.
وقال جمال عبد الشكور، وهو متقاعد كان بين الأشخاص الذين تجمعوا تحت المظلة، في أثناء زيارة لـ "رويترز" للموقع مؤخراً، إنه نُسب إليه بالخطأ أنه ينفق أكثر من 800 جنيه شهرياً على فاتورة هاتفه المحمول.
وأضاف عبد الشكور: "أنا أصلاً معاشي كله نحو 650 جنيهاً، فكيف أصرف 800 جنيه على الهاتف؟! ألن أتناول الطعام؟ حسبي الله ونعم الوكيل".
تقليص بطاقات التموين للمصريين "لن يكون سهلاً"
وإجراء تعديلات على نظام دعم الغذاء مسألة حساسة للغاية في مصر، حيث سبق أن أثار قرار قضى بخفض دعم الخبز حوادث شغب دامية في أنحاء البلاد عام 1977.
وأحدثُ مسعى لإصلاح برنامج دعم الغذاء، البالغة قيمته 86 مليار جنيه (4.95 مليار دولار) سنوياً، لا يمس الخبز، أهم سلعة أساسية في البلاد، ولم يستهدف حتى الآن سوى فئة واحدة في المجتمع، وهي الفئة الأيسر حالاً.
ويضيّق الرئيس عبد الفتاح السيسي الخناق أيضاً على المعارضة، وضمن ذلك التجمعات العامة، وهو ما يجعل تكرار الأحداث التي وقعت قبل أكثر من 40 عاماً، أمراً مستبعداً.
لكن الشكاوى المرتبطة بتطبيق النظام الجديد بخصوص بطاقات التموين علامة أولية على أن مساعي السيسي لتقليص الدعم الحكومي السخي الذي يستفيد منه ما يزيد على 60 مليون مصري، لن تكون سهلة.
وانتقل المسؤولون المعنيُّون بالإصلاحات الجديدة من مكتب في حي جاردن سيتي الراقي في العاصمة؛ بعد أن أثار الوافدون على المكتب انزعاج سكان المنطقة.
والتعديلات الخاصة ببرنامج الدعم، التي تسببت في "مشاغبات الخبز" في 1977، كانت جزءاً من اتفاق قرض أبرمه الرئيس الأسبق أنور السادات. ولجأت حكومة السيسي أيضاً إلى صندوق النقد الدولي، ووقعت على اتفاق قرض بقيمة 12 مليار دولار في 2016.
استجابة لـ "أوامر" صندوق النقد الدولي
وشدد الصندوق على أن دعم الغذاء يجب ألا يصل إلا إلى الفئات الأكثر احتياجاً. وانطوى برنامج القرض أيضاً على زيادات في أسعار الوقود والكهرباء وتحرير سعر الصرف.
وأسهم ذلك في ارتفاع التضخم، الذي تسبب في تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين. وتسهم أسعار السلع الغذائية المدعومة في تخفيف تلك الآلام.
وقال ألين سانديب رئيس الأبحاث لدى النعيم للوساطة المالية: "مع تطبيق جولة أخرى من التخفيضات الكبيرة لدعم الطاقة هذا الصيف، فإن السلطات ستكون حريصة على ألا تبالغ بشدة وتخاطر بإثارة أعمال شغب بسبب الغذاء أو الجوع".
وتقول الحكومة إنه ستكون هناك مرحلتان أخريان في إصلاح بطاقات التموين، لكنها لم تذكر ما هي الفئات المستهدفة.
رؤساء مجالس إدارة ولواءات يستفيدون من الدعم
أجرت وزارة التموين المرحلة الأولى من التعديلات على برنامج بطاقات التموين في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حين حذفت أشخاصاً متوفين أو يقيمون بالخارج، ثم قالت في فبراير/شباط 2019، إن هدفها التالي سيكون ذوي الدخل المرتفع.
وقال وزير التموين علي المصيلحي لـ "رويترز": "نتكلم عن رؤساء مجالس إدارة وأعضاء مجالس إدارة ومستشارين ورؤساء محاكم ولواءات، وما شابه ذلك".
وقال متحدث باسم الوزارة إن حاملي نحو 400 ألف بطاقة تموين تلقوا إخطاراً في ذيل فواتير التموين لشهر مارس/آذار 2019، بأنهم سيُحذفون من البرنامج في أبريل/نيسان 2019.
وفضلاً عن سقف فاتورة الهاتف البالغ 800 جنيه، فإن كل من ينفق 30 ألف جنيه (1727.12 دولار) على مصاريف تعليم طفل واحد سنوياً، أو يستهلك 650 كيلووات من الكهرباء في المتوسط شهرياً، أو يمتلك سيارةً إنتاج عام 2014 أو ما بعده، أو يشغل وظيفة مرتفعة الراتب، سيُحذف تلقائياً.
وتقول الوزارة إنها ستتلقى التظلمات قبل سحب بطاقات التموين حتى منتصف أبريل/نيسان 2019، ويجب تقديمها على الإنترنت. وينتاب القلق كثيرين، لرغبتهم في تقديم الشكاوى بأنفسهم بدلاً من الإنترنت.
"مزيد من المحتاجين"
وقال محمود حسن، أحد المسنين القاطنين بالقاهرة، في موقع تقديم التظلمات: "أنا أصلاً لا أملك عداد كهرباء، فمن أين جاءوا باسمي؟!". ووقفت امرأة في الطابور الذي يلتفُّ حول موقع تقديم الشكاوى، تشكو من سياسات السيسي.
وقالت: "بدلاً من أن ينفق أمواله على الغلابة (المحتاجين)، يفضل إنفاقها على رجاله!". وأضافت: "سيظلون ينفقونها هكذا إلى أن تضربهم الناس بالجزم (الأحذية)".
وكان السيسي يأمل إصلاح مناخ الأعمال وجذب الأموال إلى مصر من جديد، بعدما أدت انتفاضة 2011 وما أعقبها من اضطرابات سياسية إلى عزوف المستثمرين والسياح.
وأتاح قرض صندوق النقد، الذي مدته ثلاث سنوات وسيكتمل في النصف الثاني من 2019، أموالاً تشتد الحاجة إليها، جرى ربطها بإصلاحات اقتصادية صعبة.
وفي حين لم توضح الحكومة حتى الآن المرحلة التالية من إصلاحات دعم الغذاء، شدد صندوق النقد على أن تلك الإصلاحات يجب أن تهدف إلى مساعدة الفئات الأكثر احتياجاً.
في انتظار توجيه الدعم إلى من يستحقه
وقال فريق صندوق النقد الدولي، في مراجعة دورية للاقتصاد المصري، في يناير/كانون الثاني 2018: "برنامج دعم الغذاء لا يزال غير موجَّه بدقة إلى المستحقين وغير فعال".
وأضاف قائلاً: "تحسين عملية توجيه الدعم إلى مستحقيه قد يفرج عن موارد ويحدُّ من الفقر بين الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل".
والحكومة حريصة أيضاً على القول إن إصلاحات بطاقات التموين لا تهدف إلى تقليص فاتورة دعم الغذاء، بل وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجاً.
وقال المصيلحي على شاشات التلفزيون: "نحن موجودون لتحقيق عدالة اجتماعية وسُلم اجتماعي… لا بد من أن نحافظ على موازنة الدعم ونديرها إدارة منضبطة. الإدارة المنضبطة أن نقول للناس: (من فضلكم هناك احتياجات حقيقية لفئات أكثر احتياجاً)".
ورغم الشكاوى في ضاحية مدينة السلام، يؤيد بعض المصريين الفقراء إصلاح دعم الغذاء. ففي حي يقطنه أبناء الطبقة العاملة بالقاهرة، قالت امرأة في منتصف العمر كانت تشتري زيتاً للطهي: "أنا أصلاً أول مرة أسمع أن هناك أحداً يدفع 30 ألف جنيه مصاريف مدارس! هل هؤلاء الناس يحتاجون الدعم المخصص لنا؟".