العودة للشرق الأوسط.. صفقات هندية مهمة في المنطقة، لكنها قلقة من التعامل مع هذا البلد

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/28 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
ولي العهد السعودي في ضيافة مودي الهند - أرشيفية

اعتبرت مجلة Foreign Policy الأمريكية أن التقارب الذي يقوم به رئيس الوزراء الهندي مع بعض دول الشرق الأوسط جاء في وقته الصحيح، كما أنه يعد الخطوة الأهم.

وقالت المجلة الأمريكية: أخيراً، فعل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، شيئاً حيال تقارب بلاده البطيء مع الشرق الأوسط. فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، تبنَّى استراتيجية مكثقة للشراكة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛ في محاولة لجذب الاستثمارات وإقامة شراكات أمنية أعمق. بهذه الطريقة، تجاهَل إيران إلى حد كبير، وانفصل عن إرث الهند في فترة الحرب الباردة بالمنطقة.

ومنذ انتخابه عام 2014، جعل مودي السياسة الخارجية أولوية له؛ وهو ما دفع بعض المراقبين إلى ادعاء أن "عقيدة مودى" أصبحت نافذة المفعول الآن. الشرق الأوسط ليس استثناءً. فعلى الرغم من تعقيد حُكم بلد بحجم الهند وصعوبة قيادة سياساته الداخلية المربكة، فقد زار مودي 8 دول ومناطق في الشرق الأوسط منذ عام 2014، أكثر مما فعل أسلافه الأربعة مجتمعين.

النفط يحركهم

وكما هو الحال في الأغلب بالشرق الأوسط، فإن المحرك الكبير هو النفط. ومن المرجح أن تتفوق الهند على الصين كقوة دافعة رئيسية للنمو في الطلب على النفط بحلول عام 2024. وخلال زيارته الأولى لنيودلهي في فبراير/شباط 2019، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إنه شاهد فرصاً استثمارية تزيد قيمتها على 100 مليار دولار في الهند خلال العامين المقبلين، رغم أن تفاصيل هذه الاستثمارات لم يُكشَف عنها بعد. وعزَّزَت الهند استثماراتها في مجال الطاقة بالمنطقة. فقد استحوذت شركة النفط الهندية المملوكة للدولة ONGC Videsh على 10% من امتياز النفط البحري في أبوظبي مقابل 600 مليون دولار.

ويأتي الاهتمام الجديد في ظل خلفية تاريخية من عدم الاكتراث بأمر الخليج. فعلى الرغم من حجم التجارة الكبير والوجود الهائل للمغتربين الهنود في الدول العربية بالخليج، ظلت الاستثمارات عبر الحدود بين هذه الدول والهند منخفضة منذ عقود. ورغم أن 8 ملايين هندي يعيشون في دول الخليج، ويحولون نحو 53 مليار دولار (اعتباراً من عام 2015) إلى موطنهم كل عام، ظلت الاستثمارات لا تُذكر. ولا تزال الهند ودول الخليج لا تبرزان بين أفضل 10 مصادر للاستثمار الأجنبي بالنسبة لكل منهما، بحسب المجلة الأمريكية.

مع وجود مودي في منصبه، يبدو أن الأمور تتغير. فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، بنى روابط وثيقة مع قادة الخليج الشباب، وضمن ذلك مع وليّي عهد أبوظبي والمملكة العربية السعودية. وبحسب ما أوردته بعض التقارير، فقد أشار محمد بن سلمان إلى مودي خلال زيارته لنيودلهي بأنه "شقيقه الأكبر".

استثمارات خليجية بالهند

ونتيجة لذلك، بدأت الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة بالهند تتحقق في السنوات الأخيرة، على الرغم من انخفاض أسعار النفط. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، فازت "موانئ دبي" العالمية بامتياز بقيمة 78 مليون دولار، لتطوير منطقة تخزين في أكبر ميناء للحاويات بالهند، في مومباي. علاوة على ذلك، وافقت شركة أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية على استثمار أكثر من 44 مليار دولار بمصفاة راتناجيري النفطية الهائلة في ماهاراشترا، رغم أن المشروع واجه تأخيرات. وفي مايو/أيار 2018، أفادت التقارير بأن شركة سعودية عملاقة، وهي الشركة السعودية للصناعات الأساسية، تدرس الاستحواذ على حصة تبلغ 50% في مصنع للبتروكيماويات بقيمة 4.6 مليار دولار، في ولاية كجرات الهندية، وهي موطن مودي، بحسب المجلة الأمريكية.

بالنسبة لمودي، لا يتعلق الشرق الأوسط فقط بصفقات الأعمال والاستثمارات، حيث يحتل الأمن مكانة عالية في جدول الأعمال. فالهند تتطلع إلى إسرائيل باعتبارها مصدراً للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، وهي تتصدر قائمة زبائن إسرائيل في المجال الدفاعي بأكثر من 40% من الصادرات العسكرية بين عامي 2012 و2016. وتشمل عمليات الشراء الهندية الأخيرة 54 طائرة هجومية من دون طيار، ونظاماً صاروخياً بحرياً من طراز "باراك-8" أرض/جو بعيد المدى، تجاوزت قيمته 6 مليارات دولار في المجموع، ونظام صاروخ أرض/جو متوسط ​​المدى مقابل 2 مليار دولار.

تُظهِر الهند أيضاً علامات على تغلبها أخيراً على النفور من إقامة شراكات أمنية مع دول الخليج التي كانت أجهزتها الأمنية مرتبطة منذ فترة طويلة بباكستان. ويبدو أن هذه الجهود تؤتي ثمارها. ففي عام 2018، سلمت الإمارات 3 أفراد مطلوبين إلى الهند بتهم تتعلق بالفساد، وهي خطوة وصفها السفير الهندي في أبوظبي بأنها "تدخل شخصي"، في إشارة واضحة -وإن كانت ضمنية- إلى علاقات مودي الحميمية مع القادة بالإمارات. وفي عام 2018، وقعت الهند على اتفاقية مع عُمان تسمح للبحرية الهندية باستخدام ميناء الدقم الاستراتيجي المطل على بحر العرب والمحيط الهندي، بحسب المجلة الأمريكية.

وكان التعاون الأمني ​​محوراً رئيسياً لزيارة محمد بن سلمان نيودلهي الشهر الماضي (فبراير/شباط 2019)، عندما اتفق الجانبان على التعاون في إنتاج "قطع الغيار للأنظمة البحرية والبرية". وفي بيان، وعدت المملكة السعودية بتبادل مزيد من المعلومات الاستخباراتية، لتعزيز تعاون مكافحة الإرهاب مع الهند، وهي رسالة قوية تأخذ في عين الاعتبار المواجهة بين الهند وباكستان والتي تسبب فيها هجوم من جانب بعض المتشددين الشهر الماضي، كان قد أسفر عن مقتل 40 من القوات شبه العسكرية الهندية في كشمير. وأشارت التقارير إلى أن الإمارات أدت دوراً مهماً في نزع فتيل هذه التوترات.

ايران هي الاستثناء

وتستدرك المجلة الأمريكية، قائلةً إن هناك استثناءً واحداً كبيراً بالنسبة للود الذي يُظهره مودي تجاه منطقة الخليج، وهي إيران. فعلى الرغم من أن علاقات الهند مع الجمهورية الإسلامية ربما لم تتدهور، فهي آخذةٌ في الشحوب بالمقارنة مع توجهات علاقات الهند بإسرائيل أو دول الخليج العربية في السنوات الأخيرة. ونتيجة لذلك، يبدو أن الهند تتخلى عن نهجها "المتوازن" تجاه المنطقة، والذي غالباً ما يعتبر إرثاً لسياسة عدم الانحياز التي اتبعتها في حقبة الحرب الباردة.

هناك عاملان يفسران ضعف حماسة مودي تجاه إقامة علاقات وثيقة مع إيران: الأول هو إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران من قِبل الرئيس دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018. ورغم أن وزيرة الشؤون الخارجية الهندية، سوشما سواراج، ردَّت على القرار بالقول إن الهند لم تعترف "بأي عقوبات خاصة ببلد بعينه"، إلا أن التهديد بفرض عقوبات ثانوية من المحتمل أن يُثني معظم الشركات الهندية عن الانخراط مع إيران.

السبب الثاني هو أن إيران، مثل الهند، لديها أسلوب تفاوضي صارم، ومشروع تطوير حقل غاز "فرزاد ب" الإيراني هو مثال على ذلك، حيث ما زالت المفاوضات الصعبة بين إيران وتحالف شركات هندية مستمرة منذ عام 2009 على الأقل.

لكن تجاهُل إيران ينطوي على مخاطر خاصة. لقد كانت احتياطيات الوقود الأحفوري الضخمة في البلاد تضع إيران باستمرار كأحد أكبر موردي النفط والغاز إلى الهند. واعترافاً بموقع إيران الاستراتيجي، استثمرت الهند أيضاً في مجمع ميناء جابهار، الذي تأمل استخدامه للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وأفغانستان دون المرور بباكستان. لكن من خلال عزل إيران، تخاطر الهند بفقد موطئ قدم لها في جابهار أو امتياز الغاز في "فرزاد ب" لمصلحة الصين أو روسيا المنافستين لها، بحسب المجلة الأمريكية.

في الوقت الحالي، يبدو مودي مستعداً لقبول هذه المخاطر. لقد استبدل نهج "التوازن" الهندي الحذر في المنطقة باستراتيجية مكثفة موجهة نحو جذب الاستثمارات من الخليج وتعميق شراكة الهند الأمنية مع إسرائيل، مع تجاهل إيران من هذه العملية. وحتى حكومة جديدة في نيودلهي، إذا ما سقط مودي بالانتخابات المقبلة، ستجد صعوبة في تغيير هذا المسار، لأن بصمات رئيس الوزراء من المرجح أن تستمر فترة أطول، وهو ما توقعه الكثيرون عندما تولى منصبه.

علامات:
تحميل المزيد