لماذا لم تكن مظاهرات الجزائر مفاجأة؟ وقلق من كارثة اقتصادية وإفلاس وشيك للبلاد

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/02 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
People march to protest against President Abdelaziz Bouteflika's plan to extend his 20-year rule by seeking a fifth term in April elections in Algiers, Algeria, March 1, 2019. REUTERS/Zohra Bensemra

بينما خرجت علينا الصحافة الجزائرية، الصادرة السبت 2 مارس/آذار، لتقول إن الشعب قال كلمته في تظاهرات حاشدة، أمس الجمعة، لرفض الولاية الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، يواجه الجزائريون تحدياً جديداً غير إزاحة الرئيس الثمانيني وهو ازدياد الحالة الاقتصادية سوءاً.

إذ أفاد تقرير صدر مؤخراً عن شركة Capital Economics لأبحاث سوق المال، ومقرها لندن، بأنَّ هناك "أزمةً طاحنة تقترب سريعاً".

أسباب المشكلات الاقتصادية في الجزائر 

مجلة Forbes الأمريكية تشير في تقرير لها إلى أن المشكلات الاقتصادية تنشأ في الجزائر من عوامل عدة، من بينها انخفاض سعر النفط، وسياسات اقتصادية فاسدة، وهما العاملان اللذان فاقما الاحتجاجات الحاشدة الأخيرة.  

ويقول محللون إنه لو لم يتغير الوضع قريباً فمن المتوقع ارتفاع معدل التضخم، وحدوث زيادة هائلة في معدل البطالة، واحتمال إفلاس الحكومة خلال سنوات قليلة. بمعنى آخر، ستنزلق الجزائر نحو ما يشبه التدهور الاقتصادي.            

بالطبع كان من بين الأمور التي لفتت الانتباه إلى الأزمة الاقتصادية الآخذة في الاستفحال سعى الرئيس الحالي للدولة عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يحكم بالفعل منذ عقدين مضيا، للفوز بفترة رئاسية خامسة من خلال الانتخابات التي ستجري في أبريل/نيسان المقبل؛ وهو ما دفع آلاف الجزائريين، للنزول إلى الشوارع احتجاجاً على ذلك.

خلفية اقتصادية سيئة

تقول المجلة الأمريكية لا ينبغي أن تمثل هذه الاحتجاجات مفاجأة لأي أحد، بالأخص في ضوء الصعوبات الاقتصادية القائمة التي تواجهها الدولة. إذ وصل معدل البطالة بالفعل إلى 11.7%، مع تسجيلها نسبة أعلى بكثير بين الشباب؛ فوفقاً للبيانات المجمعة على موقع Trading Economics الأمريكي، وصلت البطالة بين الشباب في الجزائر إلى نسبة صادمة، هي 29%، إلى جانب أنها مرتفعة بالفعل منذ سنوات. وهذا الأمر بالغ الأهمية في الجزائر؛ نظراً لأنَّ غالبية السكان من الشباب، بمتوسط عمر 28 عاماً، مع انخفاض أعمار نصف الشعب الجزائري عن عمر 25 عاماً، وذلك وفقاً لبيانات من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.              

تظاهرات حاشدة رافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة/ رويترز
تظاهرات حاشدة رافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة/ رويترز

وعلى مدار السنوات الخمس الماضية تباطأ الاقتصاد الجزائري ليصل إلى مرحلة تقارب الجمود؛ إذ سجَّل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي نسبة هزيلة تُقدَّر بـ0.8% في آخر قراءة للمؤشرات الاقتصادية، منخفضاً من المعدل السنوي القوي عند 3.5 إلى 4% الذي ظلت الجزائر تحققه حتى 2017، وفقاً للبيانات التي جمعها موقع Trading Economics الأمريكي.           

وبالنظر إلى هذه الخلفية الاقتصادية للجزائر، فليس من الصادم رؤية عشرات الآلاف من الغاضبين يحتشدون في الشوارع للمطالبة بقائد جديد.    

الأسوأ قادم  

ما قد يمثل صدمة للبعض، هو أنَّ هناك احتمالاً قوياً بأن يزداد الوضع تدهوراً وبسرعة.     

وتكمن المشكلة بالأساس في السياسات غير المستدامة التي تتبناها الحكومة، وقد تزداد الأمور سوءاً نتيجة الاحتجاجات الشعبية نفسها.      

إذ يؤكد تقرير شركة Capital Economics البريطانية أنَّ "فترة الاضطراب الاجتماعي ستضيف ببساطة إلى الرياح المعاكسة التي تواجه الاقتصاد المنكوب"، بمعنى آخر أنَّ غياب الاستقرار الاجتماعي سيضيف المزيد من الشكوك في الاقتصاد، وهو ما بدوره سيثبط النمو الاقتصادي. الأمر إذاً يشبه الحلقة المفرغة.       

مبذّرون في العاصمة الجزائر

وساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد أن بلغ الإنفاق الحكومي الزائد معدلاً هائلاً؛ إذ يتوقع تقرير حديث صادر عن Capital Economics أن يرتفع العجز المالي بنسبة هائلة ليصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. وهو ما يعد بالفعل نسبة كبيرة لأي دولة، لكنها تكون أكبر لدولة تعتبر نامية نسبياً.       

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة/ رويترز
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة/ رويترز

وتتوقع شركة Capital Economics أيضاً أن يحقق الميزان التجاري عجزاً بنسبة 12.5%؛ ما يعني أنَّ واردات الدولة ستتجاوز صادراتها بنسبة 12.5%. وفي هذا الصدد، يشير تقرير Capital Economics الأخير إلى أنَّ "الجزائر أصبحت الآن ضمن الدول الناشئة ذات أعلى نسب عجز مزدوج".        

ويمكن لهذين العجزين أن يستنزفا احتياطي النقد الأجنبي للدولة، ما لم تقرر الحكومة الاستفادة من الأسواق الرأسمالية العالمية. لكن للأسف يعارض قادة الجزائر هذا الخيار لأسباب فلسفية.    

والنتيجة هي أن ما تمتلكه الجزائر من أموال في بنكها المركزي (أي احتياطي النقد الأجنبي) يتضاءل سريعاً، فحسبما يشير تقرير Capital Economics وصل إجمالي الاحتياطي الأجنبي للجزائر الآن إلى نصف ما كان عليه منذ 5 سنوات مضت، أي في 2014.      

مشكلات تراجع عائدات النفط

علاوةً على ما سبق، ما يزيد الوضع سوءاً هو أنَّ الحكومة الجزائرية تعتمد بقوة على عائدات النفط لتمول الإنفاق الحكومي، لكن التراجع في أسعار النفط على مدى السنوات القليلة الماضية يعني أنَّ العوائد المتربطة بمصادر الطاقة تنكمش.     

فوفقاً لبيانات وكالة Bloomberg الأمريكية، تجاوز سعر خام برنت 100 دولار للبرميل في منتصف عام 2014 مقارنة بسعر نحو 66 دولاراً مؤخراً. وتنتج الجزائر مليون برميل نفط تقريباً يومياً، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في فبراير/شباط.      

من جهته، يقول غاربيس إراديان، كبير الاقتصاديين المعنيين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد التمويل الدولي، وهو فريق بحثي يوجد في العاصمة الأمريكية واشنطن: "طالما بقيت أسعار النفط منخفضة، قل مثلاً أقل كثيراً من 80 دولاراً للبرميل، فسيتدهور اقتصاد الجزائر".     

مشهد من التظاهرات الحاشدة الرافضة لبقاء بوتفليقة في الرئاسة/ رويترز
مشهد من التظاهرات الحاشدة الرافضة لبقاء بوتفليقة في الرئاسة/ رويترز

وإذا استمر الإنفاق الحكومي وفق الوتيرة الحالية، وهو ما يُحتَمل أن يحدث فعلاً، فهذا يعني أنَّ العجز المالي الهائل سيتواصل، وفي النهاية ستنفد أموال الجزائر.     

والسؤال هنا: هل ستتمالك الحكومة نفسها وترتب أوراقها؟ إنَّ لم تفعل، فستكون هناك مشكلة كبيرة.    

يقول إراديان إنَّ استمرار الإنفاق الحكومي وفق مستواه الحالي (يصاحبه انخفاض أسعار النفط) "سيستنزف الاحتياطي الرسمي للجزائر بحلول 2024، وسيؤدي إلى زيادة سريعة في الدين الداخلي العام. ويتوقع الخبير الاقتصادي أيضاً أن تزداد معدلات البطالة عن معدلاتها الحالية، التي تعد مرتفعة بالفعل.

بمعنى آخر، الجزائر حالياً في طريقها نحو الإفلاس في غضون 5 سنوات. لكن ربما تحل هذه اللحظة الحرجة أسرع مما هو متوقع، إن شهدت أسعار النفط مزيداً من التراجع؛ وربما تتباطأ إذا تصرفت الحكومة وتبنَّت بعض السياسات الاقتصادية الجديدة.   

 

 

 

 

 

تحميل المزيد