"سنعود ونفرض حكم الشريعة في المدينة"، بهذه الكلمات توعد تنظيم داعش الإرهابي القوات الأميركية بعد هجوم منبج الانتحاري الأخير، الذي احتفى به التنظيم واعتبره نقطة تحول في خططه لاستعادة السيطرة على المدينة.
وتسبب هجوم منبج الانتحاري الذي نفذه التنظيم في 16 يناير/كانون الثاني في إثارة الشكوك في صحة التصريحات الأمريكية عن الهزيمة الكاملة لداعش وتطهير الأراضي السورية منه.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اعتبر أن المهمة الأمريكية قد تمت في سوريا، وقرر سحب القوات الأمريكية المتواجدة هناك بشكل تدريجي.
هجوم منبج الانتحاري أداة إعلامية جديدة في يد التنظيم
سعت الآلة الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابي للترويج لفاعلية ونجاح هجوم منبج الانتحاري بأكبر قدر ممكن.
إذ احتوت الصفحة الرئيسية من العدد الأخير لصحيفة النبأ التابعة للتنظيم، والصادر في 17 يناير/كانون الثاني، على عدة مواد متعلقة بالهجوم الذي أسفر عن مقتل 4 أمريكيين، من بينهم جنديّان.
وقُتل في الهجوم أيضاَ تسعة مدنيين وخمسة مقاتلين محليين تابعين لقوات سوريا الديمقراطية، كانوا يرافقون دورية التحالف الدولي".
"يتحركون تحت حماية الأكراد".. هكذا رصدت داعش الأمريكيين لأشهر
إحدى المواد التي نشرتها صحيفة النبأ تضمنت مقابلة حصرية مع شخص يزعم أنه أحد أعضاء التنظيم المستقرين بمدينة منبج.
وطرح الرجل معلومات عن القوات الأمريكية المتواجدة هناك، بالإضافة إلى معلومات تتعلق بتحركات تنظيم داعش في المدينة.
ونقلت النبأ عن العضو المزعوم أن القوات الأمريكية كانت تتواجد في مجموعة من القواعد الصغيرة على أطراف المدينة.
والهدف من هذه القوات هو الاستعراض أمام القوات التركية والسورية التي تسعى وتأمل في السيطرة على المدينة كل على حدة التي تخضع لحكم القوات الكردية.
ويضيف العضو بأن الجنود الأمريكيين -أو الصليبيين على حد وصفه- يتنقلون بين القواعد بشكل مستمر برفقة وحراسة القوات الكردية.
كما قال إن خلايا التنظيم بدأت عملياتها في منبج منذ عدة أشهر، لكن على الرغم من أنها حاولت استهداف القوات الأمريكية عدة مرات، إلا أنها فشلت في ذلك، إلى أن تمكنوا من إصابة هدفهم في هجوم يوم 16 يناير/كانون الثاني 2019.
وأشارت النبأ إلى أن العضو المزعوم ذكر بأنهم لاحظوا مؤخراً ازدياداً في تحركات القوات الأمريكية التي يقومون من خلالها بنقل معدات عسكرية إلى إقليم شرق الفرات شمال سوريا. لكن لم يتضح إن كان لتلك التحركات أي علاقة بخطة الانسحاب الأمريكي من سوريا.
محل الشاورما هو المُتهم .. الأميركيون يعترفون بخطأهم
وأثيرت تساؤلاتٌ بسبب ذلك الهجوم الذي وقع في مدينة سورية يُحتفى بها باعتبارها جزيرة للاستقرار تحظى بدعم أمريكي.
وهي تساؤلات تسلط الضوء على ما إذا كان الجيش الأمريكي نما لديه شعور زائف بالأمان في منطقة صراع.
إذ أشارت مصادر أمريكية إلى أن الجنود المستهدفين تعودوا على تناول الطعام خاصة الشاورما في المطعم الذي تعرض للهجوم دون إتخاذ الاحتياطات الأمنية الكافية ودون تجنب التنقلات الروتينية المتوقعة التي تجعل من رصدهم واستهدافهم سهلاً.
فلقد أحب الأمريكيون الطعام للغاية لدرجة أنهم كانوا يمرون بصورة متكررة، وأحياناً لمرات عديدة أسبوعياً، حسبما قال السكان.
ولقي المسؤولون الذين زاروا المنطقة ترحاباً بالطعام والشراب من الأكشاك المنتشرة في المكان، وتناول عضوان بمجلس الشيوخ الأمريكي الغداء هناك في يوليو/تموز الماضي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
عدد من أفراد العمليات الخاصة الحاليين والسابقين، إضافة إلى مسؤولين آخرين عملوا في المنطقة، قالوا الخميس 17 يناير/كانون الثاني إن تنظيم داعش قد استغل إحدى نقاط الضعف لدى الأمريكيين لتنفيذ هجوم منبج الانتحاري الأخير.
وأوضح ضابط عمليات خاصة تحدث بشرط عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مُصرَّح له بالحديث إلى وسائل الإعلام: "ارتأى داعش هدفاً سانحاً، ولكن كان ينبغي أن يجدوا حماية أفضل للقوات".
واعترف المسؤولون الأميركيون أن القتلى والجرحى في هجوم منبج الانتحاري الأخير، ومن بينهم واحد على الأقل من أفراد العمليات الخاصة، كانوا غير مبالين وكان يجب عليهم تنويع مسارات دورياتهم أو زيادة التدابير التي يتخذونها لضمان أمن العمليات.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين العاملين في المنطقة: "أوهام وجود الأمان شكَّلَت دائماً مشكلةً في شماليّ سوريا".
يريدون تلقين درس لأمريكا
صحيفة النبأ التابعة لداعش وصف هجوم منبج الانتحاري العملية بالعظيمة، لا سيما وأنها نالت تغطية إعلامية واسعة، وتمكنت من لفت انتباه الناس حول العالم.
واعتبرت النبأ أيضاً أن توقيت هجوم منبج الانتحاري وموقعه أعطياه قيمة إضافية.
فالعملية تمت في وقت يتساءل فيه المتابعون عن الانسحاب الأمريكي من سوريا وكيفيته، كما أنها كانت في مدينة منبج التي تتوفر فيها حماية كبيرة نسبياً للقوات الأمريكية.
كل هذا ينسف الادعاءات الأمريكية بخصوص هزيمة التنظيم على حد قول الصحيفة، التي وصفت العملية بالدرس القاسي ردّاً على التصريحات الأمريكية المتسرعة.
ولكن داعش يخطط لأكثر من ذلك.. إنهم يريدون العودة إلى منبج
عندما خسرت داعش سيطرتها على منبج في شهر أغسطس/آب 2016، لصالح القوات الكردية، احتفى سكان المدينة حينها بهزيمة التنظيم المتطرف.
ولكن التنظيم توعد بعد الهجوم الأخير بأنه عملياته في منبج ستستمر إلى أن تتم استعادة "حكم الشريعة" في المدينة وفي جميع المناطق التي فقدت سيطرتها عليها، حسبما ورد في الصحيفة التابعة للتنظيم.
وفي حين أثبت داعش بالفعل أنه مازال قادرة على تنفيذ الضربات، فإن الحكومة السورية وحلفاؤها الروس والإيرانيون يريدون أيضاً استعادة المنطقة، كما أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأمريكي باستعداد أنقره لتولي الأمن في "منبج".
وقد زاد هجوم منبج الانتحاري من اشتعال الجدل الدائر حول المهمة الأمريكية في شرق سوريا، وخطط الرئيس ترامب لسحب القوات الأمريكية من هناك.
وبينما كان يصر ترامب ونائبه مايك بنس، أنَّ داعش قد هزمت، فإنَّ عدداً من المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك الكثير من حلفاء ترامب، قالوا إنَّ هذا الهجوم أثبت عكس ذلك وإنَّ مغادرة سوريا من شأنها السماح للجهاديين بالعودة بقوة وخاصة داعش.