كشفت مجلة Der Spiegel الألمانية أنَّ برلين قد تواجه دعوى قضائية من أحد أكبر مقاولي الصناعات الدفاعية في ألمانيا، وهي شركة Rheinmetall، بسبب قرار الحكومة تعليق جميع صفقات الأسلحة مع الرياض في أعقاب جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته مجلة Der Spiegel الأسبوعية، نقلت شبكة RT الإخبارية الروسية عن الشركة الألمانية، أنها أرسلت خطاباً إلى الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية والطاقة الألمانية، قالت فيه إنَّ "الشركة قد تتقدّم بطلب تعويضٍ قيمته ملايين اليوروات ضد الحكومة الاتحادية". ترى شركة Rheinmetall، أحد عمالقة صناعة الدفاع في ألمانيا، أنَّه من حقها الحصول على تعويض، بسبب قرار برلين تعليق صادرات الأسلحة "لأسباب سياسية"، وهو القرار الذي صدّق عليه بالفعل مجلس الأمن الاتحادي الألماني.
الشركة تخشى من مقاضاة المساهمين بسبب وقف الأسلحة
وتخشى الشركة الألمانية أيضاً من أن يرفع مساهموها دعاوى قضائية ضدها إذا فشلت إدارة الشركة في المطالبة بتعويض عن الخسائر الناجمة عن قرار تعليق صادرات الأسلحة إلى السعودية. ومع ذلك، لم يُكشف عن القيمة المُحددة لمبلغ التعويض.
كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنَّ بلادها ستتوقف عن تزويد الرياض بالأسلحة "في ظل الظروف الحالية"، في إشارة إلى التحقيق في جريمة مقتل واحد من أشد المنتقدين لسياسات الرياض، جمال خاشقجي، الذي كان يعيش بالمنفي وقُتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أكّدت وزارة شؤون الاقتصاد والطاقة الألمانية أنَّ جميع صادرات الأسلحة إلى الرياض قد توقّفت.
وتوقف تسليم حتى تلك الشحنات، التي جرت الموافقة عليها قبل إعلان ميركل في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وقالت الحكومة أيضاً في ذلك الوقت، إنَّها "أثَّرت على حاملي التراخيص الفردية"، لإيقاف تسليم أي شحنات أسلحة إلى السعودية تماماً.
وكان هذا القرار الجذري -على ما يبدو- مدفوعاً بقرار الحكومة تمديد حظر الأسلحة المفروض على الرياض، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، شهرين. في البداية، كان من المتوقع أن يسري قرار الحظر حتى نهاية عام 2018. ومع ذلك، وافق مجلس الوزراء على إطالة أمده، عقب مناقشة محمومة في أوائل يناير/كانون الثاني 2019.
كانت ألمانيا عقدت صفقة بقيمة 475 مليون دولار مع الرياض
ولم تعرب أي من شركات تصنيع الأسلحة في ألمانيا، باستثناء Rheinmetall، عن استيائها بشأن ذلك الوضع حتى الآن. وكانت ألمانيا قد وافقت، قبل قرار التعليق، على صادرات أسلحة بقيمة 416.4 مليون يورو (475.7 مليون دولار) إلى السعودية في عام 2018 وحده. ومع ذلك، فإنَّ إجمالي الخسائر التي تتكبدها الشركات الألمانية بسبب قرار الحظر قد تكون أكبر بكثير، إذ تفيد مجلة Der Spiegel بأنَّ القيمة الإجمالية لصفقات صادرات الأسلحة المتضررة قد تصل إلى ملياري يورو (2.27 مليار دولار).
ودعت ميركل أيضاً حلفاء ألمانيا الأوروبيين ليحذوا حذوها ويُوقفوا مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وبينما ألغت النرويج وإسبانيا أيضاً مبيعات الأسلحة إلى الرياض، بدا آخرون مترددين في ترك مجال صناعاتهم الدفاعية يتكبد خسائر بسبب قرار مثل هذا.
وهناك دول أخرى رفضت تعليق بيع الأسلحة
حيث رفض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تعليق مبيعات الأسلحة لثاني أكبر مشترٍ في البلاد، إذ بلغت قيمة صفقات فرنسا مع المملكة ما يقرب من 4 مليارات يورو (4.67 مليار دولار) فقط في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2017 وأغسطس/آب 2018. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضاً، إنَّه من الحماقة اتخاذ قرار إلغاء صفقة الأسلحة الجارية، التي تبرمها بلاده مع الحكومة السعودية وتبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، على الرغم من الضغوط من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وأعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أيضاً أنه سيكون ثمة "صعوبة شديدة" في حالة إلغاء صفقة مبيعات أسلحة بقيمة 12 مليار دولار مع الرياض، على الرغم من القلق بشأن حقيقة مصير خاشقجي. لا تزال جريمة القتل البشعة التي راح ضحيتها الصحفي السعودي تتسبب في تداعيات دبلوماسية واسعة النطاق بالنسبة للرياض، وتوتّر علاقاتها مع بعض أقرب حلفائها منذ فترة طويلة في الغرب.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على 17 مسؤولاً سعودياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لتورطهم بجريمة مقتل خاشقجي. وبعد ذلك بشهر، مرَّر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع قراراً يُحمّل ولي العهد السعودي ذ، الأمير محمد بن سلمان، المسؤولية عن جريمة القتل.
واتهمت السعودية، في نهاية المطاف، 11 شخصاً بتورطهم في جريمة القتل، إذ يواجه 5 من أولئك المشتبه فيهم عقوبة الإعدام. وفي الوقت نفسه، واصل المسؤولون السعوديون إصرارهم على أنَّ ولي العهد لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك الاغتيال الوحشي.