نشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً حول أسباب توجه الكثير من الإيرانيين لتركيا والاستقرار فيها، خصيصاً في مدينة فان التركية الحدودية مع إيران.
ووفقاً لوزارة الهجرة التركية، ارتفعت أعداد المهاجرين الذين يسلكون طرق التهريب إلى تركيا بنسبة 70% العام الماضي 2018.
ولم يكن الإيرانيون يشكلون سوى 9%من المهاجرين الـ45 ألفاً الذين دخلوا تركيا بشكلٍ غير قانوني عام 2018، لكنَّ أعدادهم ارتفعت بصورة حادة أكثر من أي جنسية أخرى.
ولكن بعد مرور 40 عاماً على الثورة التي غيَّرت إيران من نظامٍ ملكي علماني إلى جمهوري إسلامي، هناك جيلٌ من الذين لم يسبق لهم أن عرفوا شيئاً مختلفاً، يتمردون على رجال الدين، ويغادرون البلاد بأعدادٍ متزايدة، إلى أماكن يمكنهم فيها رسم وشوم على أجسادهم، واختيار أنماط حياة جديدة لهم.
يقول فنان رسم الوشم الإيراني منصور ولايتي (23 عاماً)، وهو أحد الإيرانيين الذين وفدوا إلى مدينة فان التركية: "يأتي حوالي 40 إيرانياً إلى هنا كل شهر، يتّبع معظم الإيرانيين أحدث تصاميم الوشوم على الإنترنت، وتحظى التصاميم برواج في الوقت الراهن، حيث أصبح رسم الوشوم على مدى العامين الماضيين يتمتع شعبية كبيرة في إيران".
وعلى الرغم من عدم وجود ما يحظر فن الرسم على الجسد بالتحديد، لكنَّه يخضع للرقابة في إيران باعتباره علامة على الثقافة الغربية وإهانة للأعراف الإسلامية. ولدى ولايتي وشماً يمثل بوصلة سفينة على ساعده الأيسر، لكنَّه لم يكن ليجرؤ على إظهاره علانية في إيران خوفاً من أن تُلقي شرطة الأخلاق القبض عليه. ويخضع الشباب الذين يلتحقون بالخدمة العسكرية لفحص الوشم، ويُطرَد العاملون بالحكومة إذا ما تبيَّن أنَّ لديهم واحداً.
أغلب المهاجرين من الشباب
وعلى النقيض من المهاجرين الأفغان الفقراء الذين يسلكون نفس طرق التهريب في طريقهم نحو أوروبا، فإنَّ معظم الإيرانيين الذين يقتادهم المهرِّبون عبر الجبال الحدودية هم من سكان المدن العصريين، في أواخر سنوات مراهقتهم وأوائل العشرينات من عمرهم.
بالنسبة لهم، تُمثِّل مدينة فان، المنعزلة البالغ عدد سكانها 400 ألف نسمة وتقبع في ركنٍ مضطرب من تركيا منارةً للحرية والفرصة الذهبية.
ويُعَد مرور سيارات الشرطة المصفحة وشاحنات الجيش من المشاهد الشائعة في شوارع مدينة فان، لأنَّ المدينة تقع في قلب منطقة تشهد توتراً سببه المقاتلون الأكراد. وتقع أخطر أجزاء المنطقة على طول الحدود، حيث تشق طرق التهريب مناطق يفرض عليها الجيش التركي حظر تجوالٍ من حين لآخر.
لكن في إيران، يُحرَم كل مَن يواجه تهماً جنائية من امتلاك جواز سفر، فضلاً عن الشباب الذين لم يكملوا خدمتهم العسكرية، لذا فإنَّ هذا هو سبيلهم الوحيد للخروج.
"عصر الشاه الذهبي"
ويتحدث الشباب الإيراني في المقاهي والملاهي الليلية في فان، التي شهدت طفرة في قطاع البناء بعد زلزالٍ مدمر ضربها عام 2011، عن عصر الشاه باعتباره عصراً ذهبياً، على الرغم من أنَّ معظمهم وُلِد بعد انقضاء أكثر من عقدين من انتهاء عصر الشاه.
قال ريبار آزاد خضر (24 عاماً)، وهو يعرض صوراً قديمة بالأبيض والأسود على هاتفه المحمول تظهر فيها نساء إيرانيات بشعرٍ مكشوف وأذرع عارية: "كانت زوجة الشاه تقابل الناس في وسط طهران!".
وأضاف: "بعد الثورة، أصبح من المستحيل على النساء التحدث إلى الرجال في الأماكن العامة. لستُ متفائلاً بشأن المستقبل في إيران".
غادر خضر، وهو طالب هندسة معمارية، مدينة مهاباد شمال غرب إيران قبل عامين، بعد اتهامه بالتحول إلى المسيحية، وهي تهمة يمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام. وقد رهن والده منزل الأسرة لتأمين الكفالة، ما أتاح له الفرصة للفرار من البلاد. ثُمَّ دفع حوالي 128 دولاراً للمهربين الإيرانيين والأتراك ليصحبوه على الطرق المتهالكة عبر الجبال. وبمجرد وصولهم إلى تركيا، نقلوه إلى مدينة فان وتركوه في محطة الحافلات المركزية.
وقد سجَّل خضر نفسه لدى الأمم المتحدة، ويأمل في إعادة توطينه في أوروبا أو أمريكا الشمالية، لكنَّه واحد من بين 35 ألف إيراني مُسجَّلين في تركيا، وفرصه في الحصول على اللجوء في الخارج ضئيلة للغاية.
ففي عام 2016، لم يُمنَح سوى حوالي 1% من المتقدمين حق اللجوء في الخارج، ومنذ ذلك الحين، أدّى صعود السياسات المعادية للمهاجرين في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقليص الفرص أكثر. وفي العام الماضي، أُعِيد توطين 0.5 % من طالبي اللجوء غير السوريين الموجودين في تركيا في الخارج.
وفي سبتمبر/أيلول من عام 2018، غيَّرت الحكومة التركية القواعد الخاصة بمُقدِّمي طلبات اللجوء من غير السوريين، بما يعني أنَّ أنقرة باتت هي الآن مَن يتعامل مع قضاياهم بدلاً من الأمم المتحدة.
وقالت "منظمة اللاجئين الدولية" التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، في تقريرٍ لها صدر الشهر الماضي، إنَّ هذا التغيير أبطأ عملية إصدار الأوراق الثبوتية للوافدين الجدد، ما جعلهم عُرضة للاعتقال والترحيل من جانب السلطات التركية.
آلاف الإيرانيين يعبرون إلى تركيا ولا ينوون العودة
وقد مُنِح خضر الإقامة في تركيا، لكن ليس لديه الحق في العمل. ومع ذلك، لا يعاني الإيرانيون في فان من نقصٍ في التوظيف غير الرسمي. ويعمل خضر في مقهى مقابل 50 ليرة تركية في اليوم (9.15 دولار تقريباً)، إلى جانب صديقه كيانوش عباسي (19 عاماً).
وقال عباسي، الذي جاء إلى تركيا قادماً من طهران قبل 18 شهراً: "يحب مالك (المقهى) توظيف الإيرانيين لجذب المزيد من الزبائن الإيرانيين. تشن الشرطة حملات تفتيشية من وقتٍ لآخر. ويأخذون الأشخاص الذين يعملون بشكلٍ غير قانوني إلى القسم، ثُمَّ يُرحِّلونهم إذا ألقوا القبض عليهم مرةً أخرى".
وفي موسم العطلات، يَعبر الآلاف من الإيرانيين إلى تركيا عبر البوابات الحدودية الرسمية ويتوجهون إلى فان للتسوق والاحتفال ورسم الوشوم على أجسادهم. وهناك بعض العلامات في مراكز تسوق المدينة الرئيسية مُترجمة إلى اللغة الفارسية، وترفرف الأعلام الإيرانية خارج الفنادق. وهناك أعداد متزايدة من الإيرانيين يذهبون في تلك الرحلات وهم لا ينوون العودة إلى بلادهم.
يقول عباسي، الذي تزين ساعديه مجموعة من الوشوم: "جاء النظام في إيران قبل ولادتي. ولم يكن لي رأي في ذلك، وهو لا يتقبَّلني. فلماذا أُجبَر على القبول به؟".