نشرت النسخة الإفريقية من موقع The Conversation تقريراً عن مستقبل الاحتجاجات المستمرة التي يشهدها السودان، منذ نحو شهر، ضد نظام الرئيس عمر البشير.
وبحسب الموقع، فعلى الرغم من استمرارية الغضب الشعبي العارم جراء الارتفاع الحاد في أسعار النفط والوقود ومزاعم الفساد، فقد تمكن البشير من مقاومة هذا الغضب الشعبي إلى الآن.
ويضيف الموقع، أن الرئيس البشير -الذي استولى على الحكم في عام 1989 عقب تنظيمه انقلاباً على حكومة الصادق المهدي- يواجه التحدي الأخطر على مدار 3 عقود تولّى فيها الرئاسة.
وأشار إلى أن السودانيين لديهم تاريخ طويل من إطاحة الأنظمة الحاكمة غير المرغوبة، إذ أسفر اندلاع ثورتين سابقتين: الأولى في عام 1964، والثانية في 1985، عن تغيير الحكومة.
وفي كلتا المرتين، كانت القوات المسلحة السودانية تتخلى عن النظام الحاكم وتنحاز إلى صف الشعب. لكنَّ ذلك لم يحدث في أثناء الاحتجاجات الجارية، لأسباب مقنعة. فبحسب ويلو بيريدج، الأكاديمية البريطانية ومؤلفة كتاب Civil Uprisings in Modern Sudan، فإنه "من الواضح أنَّ نظام البشير تعلَّم من أخطائه السابقة.
إذ أسس أجهزة أمن ومخابرات قوية جداً، إلى جانب مجموعة من المنظمات الأمنية والميليشيات العسكرية الموازية، التي يستخدمها لتأمين الخرطوم بدلاً من الجيش النظامي.
ويشير ذلك، إلى مخاوف مشتركة كبيرة ربما تراود عدة قادة عسكريين من أن يحاسَبوا على ارتكاب جرائم حرب في حال سقط النظام، إلا أنَّ تدخُّل الجيش لن يحدث بسهولة هذه المرة مثلما حدث سابقاً في عامي 1964 و1985. وهذا أحد الأسباب التي أطالت عمر الاحتجاجات الحالية عن سابقتيها".
وتستدرك بيريدج قائلة: "لكن، لا يمكن أن يُنظَر إلى صمود نظام البشير على أنه مسألة داخلية فحسب، إذ يتمتع البشير بتحالفات دولية قوية. فبعد أن كانت دولٌ غربية تدينه سابقاً وتتهمه بأنَّه مجرم حرب، بدأت مؤخراً تعتبره مصدراً لتحقيق الاستقرار وتزويدها بمعلومات استخباراتية في منطقة تسودها الاضطرابات. ويحظى البشير كذلك بدعم سياسي ومالي من حلفاء عرب أساسيين".
الدعم العربي مستمر
عُرفَ عن السودان دأبه على اللجوء شمالاً إلى مصر للحصول على الدعم، ولم تكن هذه الأزمة الأخيرة التي يواجهها البشير مختلفة. ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، زار وزير الخارجية ورئيس المخابرات المصريان الخرطوم، حيث تعهدا بدعم البشير.
وبكل ثقة، صرَّح وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي توجه إلى السودان برفقة رئيس المخابرات اللواء عباس كامل، بأن "مصر تثق بأنَّ السودان سيتجاوز الظروف الحالية".
وفي وقت سابق من الشهر الجاري (يناير/كانون الثاني 2019)، بادل الجانب السوداني مصر هذه الزيارة، إذ سافر الرئيس السوداني إلى القاهرة، ليؤكد نظيرُه المصري عبد الفتاح السيسي "دعم مصر الكامل لأمن واستقرار السودان، الذي يُعَد جزءاً لا يتجزأ من أمن مصر القومي".
لكنَّ الدعم السياسي وحده لن يكون كافياً للحفاظ على بقاء النظام السوداني في السلطة، فهناك أيضاً دعمٌ مالي يتدفق من خلال البحر الأحمر، إذ ذُكِرَ أنَّ السودان حصل على استثمارات بقيمة 2.2 مليار دولار أمريكي من السعودية والإمارات مقابل مشاركته في حرب اليمن. ويقاتل أكثر من 10 آلاف جندي سوداني على الجبهة الأمامية باليمن. يقال إنَّ بعضهم أطفال جنَّدتهم السعودية مقابل الحصول على 10 آلاف دولار أمريكي لكل طفل مُجنَّد.
أمريكا وأوروبا أيضاً!
تعود بداية تصحيح وضع البشير في الولايات المتحدة إلى عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إذ كان أحد القرارات التي اتخذها في أيامه الأخيرة بالرئاسة، رفع مجموعة من العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام الحاكم السوداني. وورد أنَّ مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الضخم في الخرطوم هو أحد الأسباب الرئيسة خلف هذا التحول في السياسة الأمريكية.
وليست واشنطن وحدها هي من تتبنى هذه الرؤية، إذ وجدت أوروبا أيضاً بالحكومة السودانية حليفاً قوياً في قتالها لكبح عدد الإفريقيين الذين يعبرون البحر المتوسط إليها. وتمثل اتفاقية "عملية الخرطوم"، التي وُقِّعَت في العاصمة السودانية، عنصراً جوهرياً في علاقة التحالف هذه.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، التقى قادة أوروبيون نظراءهم الأفارقة في مدينة فاليتا، عاصمة مالطا، لمحاولة إخراج هذه الاتفاقية إلى الحياة.
حيث انتهت القمة إلى صياغة خطة عمل، تعهدت فيها أوروبا بتقديم برامج تدريبية لـ "سلطات إنفاذ القانون والقضاء" حول طرق الاستقصاء الجديدة، وكذلك "المساعدة في إنشاء وحدات شُرطية متخصصة بمكافحة التهريب والاتجار في البشر".
وتُمثِّل هذه التصريحات تعهداً صريحاً بدعم عناصر الدولة السودانية وتقويتها. وأُنشِئ في الخرطوم المركز الإقليمي للعمليات المشتركة لمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يستهدف في الأساس منع تهريب البشر وتدفقات اللاجئين، من خلال السماح للمسؤولين الأوروبيين بالعمل مباشرة مع نظرائهم السودانيين.
ويعتمد مركز التنسيق لمكافحة الاتجار بالبشر في الخرطوم -ويعمل فيه ضباط من السودان جنباً إلى جنب مع ضباط من العديد من الدول الأوروبية، منها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا- اعتماداً جزئياً على معلومات يزوده بها جهاز المخابرات الوطني السوداني.
وبحسب الموقع الأمريكي، يبدو أن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى تدخُّل روسي في الأزمة السودانية، إذ أفادت تقارير بأنَّ قواتٍ روسية "مرتزقة" شوهدت في شوارع السودان وهي تُسهم في قمع الاحتجاجات.
وبالنظر إلى مدى الدعم الذي يحظى به البشير، فليس من المدهش أنه استطاع الصمود أمام الضغط الشعبي ليتخلى عن السلطة. لكنَّ أموراً كثيرة تتوقف على إلى متى سيتمكن النظام السوداني من احتواء التظاهرات، وحجم القوة التي يتأهب لنشرها لقمع معارضيه.