قال موقع Lobe Log الأمريكي إن عدداً من مستشاري الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يمارسون ضغوطاً عليه من أجل إطالة فترة بقاء القوات الأمريكية في سوريا؛ خوفاً على مصالح واشنطن بالمنطقة.
وقال بول بيلار، المحلل السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية بالشرق الأوسط، للموقع الأمريكي: "في خضم الفوضى التي سببتها السياسة الخارجية للبيت الأبيض بقيادة ترامب، يمكن أن تتخيل طبيعة أي محادثات جرت بين الرئيس ومستشار الأمن القومي جون بولتون منذ إعلان الرئيس على تويتر قبل العطلة سحب القوات الأمريكية من سوريا".
وتابع الموقع الأمريكي: "ربما ناقش الرجلان كيفية تنفيذ التأكيدات التي قدمها ترامب، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، إلى أحد حلفائه الرئيسيين بالكونغرس، وهو السيناتور ليندسي غراهام (نائب جمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية)، الذي أربكه إعلان الانسحاب، لكنه قال إنه يشعر بـ(ارتياح أكبر) إزاء السياسة الأمريكية في سوريا بعد لقائه مع الرئيس. وبغض النظر عما دار بين الرئيس ومستشاره الأمني، فإن بولتون قد تجاهل في الواقع قرار انسحاب القوات".
الشروط الأساسية للانسحاب من سوريا كما يراها بولتون
وفي أثناء حديثه بإسرائيل، صرّح بولتون بأنه يجب استيفاء شرطين قبل انسحاب القوات الأمريكية، وهما شرطان بمثابة وصفة لإطالة أمد انتشار القوات الأمريكية في سوريا إلى أجل غير مسمى: أحدهما هو أنه يجب على الولايات المتحدة "التأكد من هزيمة تنظيم داعش وعجزه عن استعادة قوته وتحوّله إلى تهديد مجدداً"، وهو هدف يستحيل على القوات الأمريكية، البالغ عددها 2000 جندي، في سوريا تحقيقه. ومع تقلُّص مساحة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى حد كبير، فإن التهديد الذي تشكله المجموعة لا يتعلق بالسيطرة العسكرية على رقعة من الأرض السورية -والتي هي رقعة من "الرمل والموت" كما وصفها ترامب- ولكنه يتعلق بالأيديولوجية والسياسة والخوف والكراهية، وهي أمور لا يمكن التعبير عنها على خريطة معركة.
ويتمثل الشرط الثاني لبولتون في تقديم تركيا نوعاً من الضمان بعدم مهاجمة الأكراد في شمال شرقي سوريا والذين كانوا بمثابة عملاء للولايات المتحدة، لكن أنقرة ترى أنهم عناصر مساعِدة لجماعة إرهابية مناهضة لتركيا، بحسب الموقع الأمريكي.
وهذا الشرط ربما قد يكون غير قابل للتحقق مهما طالت مدة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، إذ إن انسحاب الولايات المتحدة من شأنه أن يمنح الأكراد حافزاً للتحرك في اتجاه تقليل خسائرهم: وهو عقد صفقة مع نظام بشار الأسد، يتخلى فيها الأكراد عن أي أمل في الاستقلال مقابل شكل من أشكال الحكم الذاتي المحدود. ولكن، ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في الوعد بحماية الأكراد، وعرض بقاء قواتها كوسيلة لكسب ثقتهم بضمان هذه الحماية، فإن هذا الحافز سيختفي. ويقول بيتر فورد، السفير البريطاني السابق لدى سوريا، إنه باستمرار الترتيبات الحالية، فإن الميليشيا الكردية "ستستمر في إثارة غضب الأتراك، ولن يتوقف التهديد التركي".
ويضيف فورد أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، مكلّف -بالنيابة عن صقور الإدارة الأمريكية- مهمة إثناء الأكراد عن عقد أي اتفاق مع النظام السوري أو حلفائه الروس، والاحتراز من"إمكانية تلقّي جواب بالموافقة" من الأتراك فيما يتعلق بالوعد بعدم ضرب الأكراد.
أردوغان لن يتنازل
وبحسب الموقع الأمريكي، في رد فعله الأوليّ على التحول في سياسة الولايات المتحدة، لم يعطِ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتأكيد، أي إشارة تعبر عن استعداده لتقديم أي ضمانات. وقال بدلاً من ذلك، في خطاب أمام البرلمان التركي، إن بولتون ارتكب "خطأً فادحاً" بفرض هذا الشرط.
وقد أضاف بولتون بالواقع شرطاً ثالثاً، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما صرح بأن أي انسحاب يجب أن "يضمن أمن إسرائيل والأصدقاء الآخرين في المنطقة". لذا، فإن أي اعتراض من حكومة نتنياهو سيكون سبباً لعدم المضي قدماً لإتمام الانسحاب.
ومن المتوقع أن يستأنف بولتون وجيفري الإشارة، كما كانا يفعلان مراراً في الماضي، إلى إخراج إيران من سوريا بطريقة ما، باعتباره هدفاً آخر لإبقاء القوات الأمريكية هناك. وذكر السيناتور غراهام، هذا الأسبوع، بشكل واضح، هدف إخراج إيران، إلى جانب محاربة داعش وحماية الأكراد، باعتبارها أسباباً لإبقاء القوات الأمريكية في سوريا. وهذا هدف آخر لن يحققه استمرار وجود القوات، ولا سيما بالنظر إلى مدى أهمية سوريا، وهي أقدم حليف عربي لإيران، بالنسبة لطهران أكثر من أهميتها للولايات المتحدة، بحسب الموقع الأمريكي.
إن الإلغاء الفعلي لقرار ترامب الانسحاب هو انتصار لأولئك الذين هم على شاكلة بولتون، الذي ما زال يظن أن حرب العراق كانت فكرة جيدة، والذين يرحبون بأي تدخل عسكري أمريكي في الشرق الأوسط ولا يتوقفون أبداً عن رؤية الأنظمة التي يودون تغييرها بالقوة.
والنتيجة المرتقبة هي بقاء القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى، وهو الأمر الذي لا يخمد تهديد داعش، وسيؤدي إلى العواقب السلبية التي يرتكبها عادةً أي احتلال أجنبي غير مرغوب فيه. ويجب على أي شخص يشعر بالقلق من الإرهاب أن يدرك أن مثل هذا الاحتلال يوفر الحافز الرئيس لتنفيذ الهجمات الانتحارية. وفي الحالة السورية، يمنح الوجود العسكري الأمريكي نقاطاً دعائية إضافية لنظام الأسد، الذي لم يرحب بالأمريكيين، ولإيران وروسيا، اللتين رحب بهما، كما يقول الموقع الأمريكي.
استراتيجية أمريكا الخاطئة في تركيا
في الوقت نفسه، لا يؤدي نهج الإدارة الأمريكية إلى شيء يجعل من الولايات المتحدة لاعباً دبلوماسياً أكثر جدوى في تشكيل مستقبل سوريا. لقد بدأت الإدارة الأمريكية السابقة الأمور في الاتجاه الخاطئ عندما استبعدت إيران من المشاركة في مؤتمر سلام برعاية الأمم المتحدة حول سوريا قبل 5 سنوات، على أساس أن إيران لن تقبل بشرط مسبق لإنشاء حكومة سورية انتقالية. وذهبت إدارة ترامب إلى أبعد من سابقتها بالطبع، بتقسيمها العالم إلى حلفاء أو منبوذين، ورفضها أي تعامل مع إيران. وأكثر الإجراءات الدبلوماسية فاعلية فيما يتعلق بسوريا في وقتنا الحاضر، هي محادثات أستانا للسلام بسوريا، تشمل إيران وروسيا وتركيا.
يجب أن تكون واقعة انسحاب وعدم انسحاب القوات الأمريكية من سوريا درساً لمن أساؤوا تقدير الأمور، وعلّقوا آمالاً على دونالد ترامب، في انتهاج سياسة خارجية أمريكية أكثر تحفُّظاً وأقل ميلاً إلى الحلول العسكرية. لقد تصور البعض أن العبارات المنمَّقة التي تهدف إلى اجتذاب الناخبين تعبّر عن التفكير العميق. فلم يكن قَط وراء خطبة المرشح العصماء، ما يكفي من الحس الاستراتيجي، أو المعرفة الضرورية، أو حتى الاهتمام بالشؤون الخارجية لدرء مناورات داعم عنيد لسياسة الحرب مثل بولتون، عندما يحتل منصباً يمكّنه من التسبب في وقوع أضرار، كما يذكر الموقع الأمريكي.
خلل في إدارة ترامب
ووفقاً لصحيفة The Financial Times، قالت أماندا سلوت، وهي باحثة بمؤسسة بروكينغز في واشنطن، إن الزيارة الفاشلة التي قام بها بولتون لتركيا تعكس وجود خلل أكبر في إدارة ترامب. وقالت: "لقد كان واضحاً للغاية أنه لم يكن هناك سياسة متبعة في أي شيء. ما يحدث هو أن الرئيس يتخذ قراراً، ويهرع مستشاروه لتنفيذه. وهذا ما يسهم في كل هذه الفوضى وكل هذا الارتباك".
وقد ردد أردوغان هذا الرأي، إذ شكا من أن موظفي الرئيس الأمريكي يخالفون رئيسهم. وقال: "على الرغم من اتفاقنا الواضح مع ترامب، هناك آراء مختلفة تأتي من الإدارة الأمريكية".
ويعتقد بعض المحللين أنه إذا فشلت واشنطن وأنقرة في التوصل إلى اتفاق، فإن أردوغان قد يسعى إلى التوصل لاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يدعم هدف الأسد في إعادة سوريا كاملة إلى سيطرة دمشق. ومن المقرر أن يسافر الرئيس التركي إلى موسكو الأسبوع المقبل.