قالت الهيئة التحريرية لصحيفة The Financial Times البريطانية، إن الرئيس السوداني عمر البشير يتمتع بقدرة استثنائية على البقاء. فقد تحمَّل سنواتٍ من عُزلة الدولة وأخمد العديد من الانتفاضات منذ استيلائه على السلطة في انقلابٍ مدعوم من الإسلاميين في عام 1989.
وعلى الرغم من أنه ليس من الحكمة التنبؤ بالنهاية الوشيكة للتظاهرات، إلا أن الصحيفة البريطانية ترى أن احتجاجات الأسابيع الماضية التي اجتاحت المدن والبلدات في ربوع البلاد تشير بالفعل إلى أنَّ يوم حسابه يقترب.
وحين يأتي هذا اليوم، سيُمثِّل لحظة أملٍ عظيم لمنطقة القرن الإفريقي، لكنَّه سيُمثِّل أيضاً لحظة خطرٍ حقيقي وبنفس الدرجة.
مشاهد تُذكِّرنا بالربيع العربي
وتتابع الصحيفة: "ستكون الإمكانات الاقتصادية للسودان كبيرة في حال تحرَّر من وصمة وجود شخصٍ مُدان بجرائم حرب على رأس الدولة، فضلاً عن وجود عملية انتقالٍ سياسي مُدارة جيداً. لكن من الناحية الأخرى، يمكن لنهايةٍ فوضوية للنظام أن تجلب سنواتٍ أخرى من الصراع والاضطرابات".
وتحوَّل ما بدأ في ديسمبر/كانون الأول الماضي كمظاهرةٍ محلية على ارتفاع الأسعار إلى حملةٍ من جانب نشطاء المعارضة لرحيل البشير. فخاطرت النساء والأطفال وكبار السن في الغاز المسيل للدموع والرصاصات من أجل الانضمام للمشاهد التي تُذكِّرنا بالربيع العربي، حين تسبَّب الشارع في الإطاحة بالحكام المستبدين في شمال إفريقيا في تتابعٍ سريع.
وتقول الصحيفة البريطانية: "كان البشير قد صمد بصورةٍ مريحة في وجه تحركات 2011 في بلاده. فسرعان ما تعاملت الأجهزة الأمنية بوحشيةٍ مع النشطاء الطلابيين الذين كانوا يأملون في أن يكون الرئيس السوداني هو الراحل تالياً".
وفضلاً عن ذلك، أدَّت سنواتٌ من الحرب الأهلية والاضطرابات كذلك إلى توق الكثير من السودانيين للسلام بقدر توقهم للتغيير.
قوة المعارضة للحكومة تبدو أكبر
وترى هيئة التحرير في الصحيفة البريطانية أن هذه المرة، تبدو قوة المعارضة للحكومة أكبر. إذ أصبحت حفلات الزفاف، واحتفالات العام الجديد، وغيرها من الفعاليات، كلها مظاهراتٍ عفوية بسبب المظالم ضد نظام الخرطوم وفشله المزمن في إدارة الاقتصاد لمصلحة السكان.
وللمفارقة، لولا إدانة المحكمة الجنائية الدولية عام 2010 للبشير بارتكاب جرائم حرب، لربما رحل الرئيس السوداني قبل ذلك بكثير. إذ أدَّت اتهامات المحكمة عوضاً عن ذلك إلى تعزيز حافزه على التماسك.
ويتمتع الرجل بدعم حزبه للتنافس في الانتخابات مجدداً في عام 2020. وبات السودان عالقاً في حالة من عدم اليقين السياسية والاقتصادية نتيجةً لذلك.
لكنَّ مساعي البشير للخروج من مأزقه تخفق أيضاً. فبعد خسارة مليارات الدولارات من عائدات النفط لصالح جنوب السودان بعد انفصال تلك الأخيرة في عام 2011، دخل الاقتصاد في حالة من الانهيار. ولم تُحقِّق جهود حلحلة العقوبات الأميركية إلا عوائد قليلة.
تغيير الوضع الدولي للسودان أصبح صعباً
لقد تعاون السودان في مكافحة الإرهاب أكثر من العديد من البلدان الإسلامية. لكنَّه، ولأسبابٍ سياسية، لا يزال مُدرجاً في الولايات المتحدة كبلدٍ راعٍ للإرهاب. وستجعل تقارير منظمة العفو الدولية بمقتل ما لا يقل عن 37 محتجاً واعتقال الكثيرين أثناء الاحتجاجات مهمة إقناع الكونغرس بتغيير الوضع الراهن أصعب.
يتمتع البشير ببعض الدعم من الخليج منذ الوقوف إلى جانب السعودية في معارك الشرق الأوسط. لكن إن كان البلد يريد الخروج من مأزقه، فسيحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.
وترى الصحيفة البريطانية أنَّ جذور الأزمة الاقتصادية هي سياسية في جوهرها. ومن أجل الخروج منها، وجذب الاستثمارات، والتخلص من عبء الدين التاريخي البالغ 56 مليار دولار، هناك ضرورة لوجود انفتاحٍ سياسي حقيقي. لكنَّ هذا يبدو مستبعداً في ظل وجود البشير.
وتعلل الصحيفة تشاؤمها بسبب أن البشير عالقٌ في معضلة، وهي أنه بحاجة لتقديم تنازلات حقيقية من أجل تهدئة غضب الحشود، وليس فقط فيما يتعلَّق بالأجور والدعم الذي لا تستطيع الدولة تحمُّله، ولكن أيضاً فيما يتعلَّق بالحرية السياسية.
وتختم بقولها: "لكن بمجرد نزع هذا الغطاء، لا يمكن أن يكون هو وجماعته متيقنين من البقاء".