كشفت مجلة Foreign Policy الأميركية، أنه مع انتهاء عام 2018، يبدو أن الصراع السوري سيتواصل على نفس المسار، وأضافت المجلة الأميركية في تقرير لها بخصوص أهم الصراعات المرتقبة العام المقبل في منطقة الشرق الأوسط ، أن نظام بشار الأسد -بمعاونة إيران وروسيا- يتجه إلى الفوز بصراعه مع المعارضة.
كما رأت المجلة أنه مثلما كان الحال في بداية 2018، يحمل العام المقبل 2019 خطر اندلاع مواجهة -مقصودة أو غير مقصودة- بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل من جهةٍ، وإيران من جهةٍ أخرى.
وبخصوص الوضع في اليمن فإن تقرير المجلة الأميركية يشير إلى أنه إذا كان ثمة مكانٌ واحد تحمَّل عواقب الفوضى الدولية في العام الماضي، فهو اليمن. وأكدت أنه قد يتزايد تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن -التي تعد الأسوأ على مستوى العالم- في العام المقبل 2019.
احتمالية نشوب صراع دموي في سوريا
يبدو أن نظام بشار الأسد -بمعاونة إيران وروسيا- يتجه إلى الفوز بصراعه مع المعارضة، وأن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تقترب من نهاية الطريق.
فضلاً عن أنَّ الأطراف الفاعلة الدولية في منطقة الشرق الأوسط ستحافظ على توازنٍ هشٍّ في أنحاء مختلفة من البلاد على النحو التالي: بين إسرائيل وإيران وروسيا في الجنوب الغربي، وبين روسيا وتركيا في الشمال الغربي، وبين الولايات المتحدة وتركيا في الشمال الشرقي.
لكنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قَلَب هذا التوازن رأساً على عقب حين أعلن في مكالمةٍ هاتفية أجراها مع نظيره التركي في منتصف ديسمبر/كانون الأول سحب القوات الأميركية من سوريا، مما عزَّز احتمالية نشوب صراع دموي يتضمَّن تركيا وحلفاءها السوريين وأكراد سوريا ونظام الأسد، وبذلك، فمن المحتمل أن تتوافر لداعش فرصة جديدة للحياة عبر تأجيج الفوضى، التي تُمثِّل بيئةً مناسبة لازدهارها.
لقد كانت قيمة سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط بالإبقاء على الوجود العسكري في سوريا إلى أجل غير مُسمَّى محل شكٍّ على الدوام؛ إذ لم يكن واضحاً كيف ستتمكن القوة البالغة 2000 فرد فقط من تقويض النفوذ الإيراني أو تشكيل ضغط مؤثر على نظام الأسد.
وعلى الرغم من عدم انتهاء الحرب على داعش، ومع أنَّها لا تتطلب الاحتفاظ بقوات أميركية على الأرض، فإنَّ الانسحاب السريع يشكل خطراً كبيراً؛ إذ يُعرِّض وحدات حماية الشعب الكردية -التي تسيطر على حوالي ثلث الأراضي السورية، والشريك الرئيسي في الحرب على تنظيم داعش- لخطر كبير.
إذ ربما تواجه وحدات حماية الشعب الآن هجوماً من تركيا (التي تعتبرها منظمةً إرهابية بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني)، أو من نظام الأسد (الذي يستهدف إعادة السيطرة على كامل البلاد، لا سيما الشمال الشرقي الغني بالنفط). وإذا حلَّت الفوضى، فقد ينتهز تنظيم داعش الفرصة لاستعادة قوته بإعادة تنظيم نفسه، واستعادة الأراضي التي خسرها على مرِّ العامين الماضيين.
إلا إذا تدخلت واشنطن وموسكو لثني أنقرة
باختصار، ينبغي أن يكون السؤال الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة هو ما هو الجدول الزمني المناسب والظروف المناسبة للانسحاب، وليس مسألة الانسحاب أو البقاء.
وينبغي أن تهتم الولايات المتحدة وروسيا بالحيلولة دون حدوث فوضى شاملة في منطقة الشرق الأوسط التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة؛ لأنَّ ذلك قد يؤدي (من وجهة نظر روسيا) إلى سيطرة تركيا على أراضٍ تفوق تلك التي يسيطر عليها حليف الروس.
وسيتطلَّب تفادي مثل هذا السيناريو قيام الولايات المتحدة وروسيا (على انفراد أو بالتعاون مع بعضهما البعض) بإقناع تركيا بأن تُحجِم عن شن هجوم على الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، وإقناع وحدات حماية الشعب بخفض تسليحها، وتسهيل التوصُّل إلى اتفاق بين دمشق ووحدات حماية الشعب يقتضي عودة النظام السوري إلى الشمال الشرقي مقترنةً بوجود حكم ذاتي كردي بدرجةٍ ما في المنطقة.
وبذلك تتمكن سوريا من استعادة سيادتها، وطمأنة تركيا بالحد من سلطات وحدات حماية الشعب وقدراتها العسكرية، وحماية الأكراد من الهجمات العسكرية. ومع أنَّ أوان تحقيق هذا الهدف ربما يكون قد فات، فإنَّ أوان المحاولة لم يفُت.
صراع أميركا والسعودية وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى
مثلما كان الحال في بداية 2018، يحمل العام المقبل 2019 خطر اندلاع مواجهة -مقصودة أو غير مقصودة- في منطقة الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل من جهةٍ، وإيران من جهةٍ أخرى.
إذ يتشارك الثلاثة الأوائل وجهة نظر واحدة تجاه حكومة طهران معتبرينها تهديداً تجرَّأ فترةً أطول من اللازم، ويحتاج إلى التدخل لكبح طموحاته.
بالنسبة لواشنطن، ظهر ذلك في الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، واستئناف العقوبات والخطاب العدواني، والتهديد بالانتقام الشديد في حالة إقدام إيران على استفزازها.
ورحَّبت الرياض بهذه اللهجة الجديدة -وهو ما عبَّر عنه في الأساس ولي العهد محمد بن سلمان- وأشارت إلى أنَّها ستكافح إيران وتسعى إلى مواجهتها في لبنان والعراق واليمن، وحتى في الداخل الإيراني.
وحتى الآن، اختارت إيران -التي تثق في الاتجاهات طويلة الأمد وتردعها احتمالية الانتقام- عدم اتخاذ خطوات هجومية.
وبينما استأنفت اختباراتها الصاروخية، واتهمتها الولايات المتحدة باستخدام وكلائها الشيعة في العراق لتهديد الوجود الأميركي هناك، بدا ردُّها محسوباً كي لا تُثير ردَّاً قاسياً من جانب خصومها. ولكن مع تزايد الضغوط الاقتصادية على إيران، فإن هذا الموقف قد لا يدوم.
وعلاوة على ذلك، فإن خطر اندلاع مواجهةٍ غير مقصودة في منطقة الشرق الأوسط خاصة اليمن، والخليج، وسوريا، والعراق لا يمكن التغافل عنه.
ولا شكَّ أنَّ المصدر الرئيسي للتوتر حتى الآن هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الثانوية على الدول التي تتعامل مع طهران تجارياً.
ويرجع أحد الأسباب الرئيسية في عدم ردٍّ إيران بالمثل على ما وصفته بالحرب الاقتصادية إلى مجهودات الشركاء الموقعين على الاتفاق النووي، لا سيما الدول الأوروبية، وروسيا، والصين.
إذ قدَّمت محاولاتهم الحفاظ على قدرٍ معين من التجارة المتاحة بالإضافة إلى انخراطهم الدبلوماسي المستمر مع طهران سبباً كافياً لقادة إيران كي يلتزموا بشروط الاتفاق. ويبدو أن هؤلاء القادة يأملون في ألَّا تستمر رئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر من مدة واحدة.
لكن هذه الحسابات قد تتغير في منطقة الشرق الأوسط
فبينما تأمل الولايات المتحدة والسعودية في أن تجبر العقوبات إيران على تعديل سلوكها المزعج، أو التشجيع على تغيير النظام الإيراني، فإنه من المؤكد أنَّ ذلك لن يثمر إلا عن خيبة أمل كبيرة؛ فالضغط الاقتصادي لا يضر إلَّا بأفراد الشعب الإيراني العادي.
ومع تزايد الأذى الذي يتعرض له المواطنون، فإن الأصوات المتشددة التي تشجع على الانسحاب من هذا الاتفاق سوف تزداد ارتفاعاً، لا سيما وأنَّ مناورات الرئيس الإيراني حسن روحاني -وربما المرشد الأعلى علي خامنئي- لاستغلال الوضع لمصلحتهما قد ازدادت.
وحتى إذا واصلت إيران الامتثال للقيود النووية، فإنَّ رغبتها في أن تدفع واشنطن ثمن أفعالها عن طريق استهداف وجودها في المنطقة -عبر استهداف الميليشيات الشيعية أهدافاً أميركية في العراق مثلاً- ستستمر في النمو.
يظهر العداء بين السعودية وإيران في شكل الحروب الدائرة بالوكالة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط من اليمن إلى لبنان.
وقد تتصاعد أيٌّ من هذه الصراعات، لكن يمكن القول إنَّ الصراع الجاري في اليمن هو الخطر الأكبر؛ إذ يمكن للصراع أن يتطور إلى مراحل أشد خطورة في حال أسفرت الصواريخ الحوثية عن سقوط ضحايا سعوديين، أو إذا استهدفت الشحن التجاري الدولي في البحر الأحمر، وهو ما تُهدِّد قوات الحوثي به دائماً.
أمَّا في سوريا، فماا زالت إسرائيل بارعةً حتى الآن في ضرب الأهداف الإيرانية دون إثارة حرب أوسع. وتُقدِّر إيران -التي تدرك بلا شك تكلفة مثل هذا التصعيد- أنها تستطيع استيعاب مثل هذه الهجمات دون الإضرار بمصالحها العميقة، ووجودها طويل الأمد في سوريا.
لكنَّ المسرح السوري مزدحم، وقدرة إيران على التحمُّل محدودة، واحتمال وقوع خطأ في إحدى التقديرات أو انحراف إحدى الهجمات يظلُّ خطراً كبيراً.
وسيتمثَّل أحد الأصداء المستمرة لجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي التي وقعت في شهر أكتوبر/تشرين الأول في السخط إزاء هذه الديناميات.
ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يؤدي ذلك إلى ممارسة ضغطٍ أميركي أقوى على الرياض لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن، وزيادة تدقيق الكونغرس في سياسات أميركا والسعودية التصعيدية تجاه إيران.
مستقبل قاتم ينتظر اليمن
قد يتزايد تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن -التي تعد الأسوأ على مستوى العالم- في العام المقبل 2019 إذا لم تقتنص الأطراف الفاعلة الرئيسية الفرصة التي قدمها المبعوث الأممي الخاص مارتن غريفيث في الأسابيع الماضية في تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار، وتشجيع سلسلة من خطوات بناء الثقة.
فبعد أكثر من أربع سنوات من الحرب والحصار، يواجه ما يقارب 16 مليون يمني "انعدام الأمن الغذائي الحاد" بحسب الأمم المتحدة. وهو ما يعني أن واحداً من بين كل اثنين من اليمنيين لا يمتلك ما يكفي من الطعام.
لقد بدأ القتال في أواخر عام 2014 بعد طرد المتمردين الحوثيين الحكومة المعترف بها دولياً من العاصمة صنعاء. وقد تصاعد في مارس/آذار التالي بعدما بدأت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة في قصف اليمن وحصاره، سعياً لتثبيت الحكومة مرة أخرى. وقد أيَّدت القوى الغربية هذه الحملة تأييداً واسعاً.
وفي أواخر 2018، استطاعت الميليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة حصار ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الحوثي، الذي يُمثِّل الشريان الرئيسي لمرور المساعدات إلى ملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعاً.
وفيما بدا التحالف مصمماً على التقدم، مع قناعة بأن الاستيلاء على هذا الميناء سيسحق التمرد ويجعل الحوثيين أكثر رضوخاً، تظلُّ عواقب هذا الهجوم غير متصورة. وقد حذر منسق الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة مارك لوكوك من أنَّ هذا الهجوم المرتقب قد يُسفر عن "مجاعة كبيرة جداً".
وقد دفع ذلك -بالإضافة إلى مقتل خاشقجي- القوى الغربية إلى البدء في كبح جماح التحالف الخليجي، إذ أعلنت الولايات المتحدة في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني أنها لن تزود طائرات التحالف بالوقود في غاراتها الجوية في اليمن.
وبعد ذلك بشهر واحد، توصَّل غريفيث بمساعدة واشنطن إلى "اتفاق ستوكهولم" بين الحوثيين والحكومة اليمنية، الذي يتضمن وقف إطلاق نار هشَّاً في جميع أنحاء الحديدة.
لكن ثمة بصيصٌ من الأمل
إذ ربما يتصاعد الضغط الأميركي لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط العام المقبل، وقد صوَّت مجلس الشيوخ بالفعل للنظر في تفعيل تشريع حظر أي تدخُّل أميركي في الحرب.
وفور تولي الديموقراطيين السيطرة على مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2019، سيتمكنون من التحرك بقوةٍ أكبر في هذا الاتجاه.
ستكون هناك حاجةٌ إلى المزيد من الجهود من أجل إنهاء الحرب في اليمن، أو -على الأقل- تجنُّب انعطافها نحو الأسوأ. ويبدو أن جميع الأطراف -الحوثيين وخصومهم في اليمن أو السعودية والإمارات- يعتقدون أنَّ الوقت في مصلحتهم.
ويعد ضغط أوروبا وسلطنة عمان وإيران على الحوثيين، وضغط الولايات المتحدة على السعودية والإمارات، وضغط هاتين الدولتين الخليجيتين على الحكومة اليمنية، وضغط الكونغرس على الإدارة الأميركية هو الفرصة الوحيدة لتغيير الوضع الراهن.