حين يقدم الألمان إقراراتهم الضريبية السنوية، فإنَّ الدين له أهمية كبرى. فإذا كنت مسيحياً كاثوليكياً، فعلى الأرجح ستُحصِّل سلطات الضرائب منك ضريبة دخل إضافية بمقدار حوالي 10% نيابةً عن الكنيسة المحلية التي ترتادها.
وبحسب ما جاء في تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية، فإن الأمر نفسه ينطبق على معظم المسيحيين البروتستانت. بحيث تُطَّبق الضريبة على جميع المسيحيين المُعمَّدين تقريباً، ويقول ممثلو الكنائس إنَّ المدفوعات التي تفرضها الدولة "حيوية" لتمويل المقابر والعمل المجتمعي.
وحتى الآن، يُستثنى المسلمون الممارسون لشعائر الإسلام من هذه القاعدة، لكن يبدو أنَّ بعض الأعضاء البارزين في أحزاب الائتلاف الحكومي الألماني عازمون على تغيير ذلك.
فعلى الرغم من انتقادات بعض الجمعيات الإسلامية، يرى هؤلاء الأعضاء أنَّ فرض الدولة لضريبة على جميع المسلمين من شأنه أن يساعد في تعزيز التفسيرات المعتدلة للإسلام ومواجهة جاذبية المتبرعين الأجانب الأثرياء الذين يُروِّجون لتفسيرات "أكثر تطرفاً".
"علينا التأكد من أن يُحرّر الإسلام نفسه في ألمانيا من التأثيرات الأجنبية"
قال تورستن فراي، نائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الذي ترأسه المستشارة أنجيلا ميركل وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا لصحيفة The Washington Post: "إلى جانب قطر والإمارات العربية المتحدة، فإنَّ أكثر ما يهمنا في منطقة الخليج هو المملكة العربية السعودية".
وأشار فراي إلى إحصائيات صادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني تُظهر أنَّ الغالبية العظمى من الأعضاء الألمان بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يُعتبَرون جزءاً من الحركة السلفية، التي تروج لها السعودية. وقال فراي: "علينا التأكد من أن يُحرِّر الإسلام في ألمانيا نفسه من التأثيرات الأجنبية"، بحسب تعبيره.
ولن يُسمَع عن مثل هذا التدخل المتعمد الذي تُقرِّره الحكومة في البلدان التي يُفصَل فيها الدين عن الدولة بشكلٍ أوضح. إذ قال أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وهي منظمة تمثل مظلة جامعة لبعض الجاليات: "إذا أخبرت الأميركيين بذلك، سيعتقدون أنَّك مجنون". ولكن في ألمانيا، حيث يحتوي اسم الحزب الحاكم على كلمة "مسيحي"، كانت الدولة والدين متداخلين بصورةٍ أوثق من كثيرٍ من الدول الغربية الأخرى.
ولم يُخفِ مسؤولون كبار خططهم الأخيرة للترويج عملياً للتفسيرات المعتدلة للإسلام. إذ تعهَّد وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني بوقف "التدخل الأجنبي" في الجمعيات الإسلامية الألمانية.
التركيز الأساسي على السعودية
ووفقاً لتقرير صادر عن صحيفة Süddeutsche Zeitung والتلفزيون العام الألماني، تعتزم الحكومة الألمانية الآن إجبار المتبرعين الأجانب على تقديم مساهماتهم المالية للجمعيات المسلمة الألمانية بشفافية.
وأشار التقرير إلى أن هذه التدابير تستهدف الكويت وقطر، وهما من بين الدول المعروفة بتقديم مساهمات كبيرة للجمعيات الأجنبية المسلمة، بحسب الصحيفة.
مع ذلك، يبدو أنَّ التركيز الأساسي على السعودية. وقد تصادمت ألمانيا والسعودية على عدة جبهات في الأشهر الأخيرة، وكانت ميركل أول زعيمة عالمية تُوقِف أخيراً مبيعات الأسلحة إلى الرياض بعد مقتل جمال خاشقجي.
وخلُصت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو مَن أَمَرَ بقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكنَّ الممارسات السعودية كانت قد اجتذبت تدقيق الساسة الألمان والاستخبارات الألمانية قبل ذلك بكثير. إذ أودت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن بحياة الآلاف.
وفي ألمانيا، ذكرت تقارير أنَّ أجهزة الاستخبارات حذَّرت في وقتٍ مبكر من عام 2015 من أنَّ الأموال المُقدَّمة من دول الخليج العربية تُستخدم لنشر التطرف بين جزءٍ من مئات آلاف اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا في ذلك العام.
وقال ممثل عن السفارة السعودية في برلين أمس الجمعة 28 ديسمبر/كانون الأول إنَّه لا يمكنه التعليق على تلك التقارير، لكنَّ السعودية كانت رفضت اتهامات مماثلة في الماضي.
"مسلمون ألمان.. هذا ليس من شأن الحكومة"
وبالمثل، يرى بعض الممثلين عن الجمعيات المسلمة أن الجزء الأكبر من التمويل الذي يتلقونه يأتي من التبرعات المحلية، وليس من التبرعات الأجنبية. "لكنَّ الأمر يعتمد في الواقع على الجمعية التي نتحدث عنها"، وذلك بحسب الباحثة الإسلامية لمياء قدور.
فعلى سبيل المثال، تشكل مدفوعات تركيا للأئمة الذين يعملون مع ما يسمى الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية تأثيراً أجنبياً ملحوظاً. وقالت لمياء إنَّها تعتقد أنَّ إجبار المتبرعين الأجانب على الكشف عن مساهماتهم سيكون خطوة جيدة، لكنَّها تعتقد أنَّ فرض ضريبة من شأنه عرقلة المزيد من الجهود الواعدة.
وقالت لمياء: "الجمعيات المسلمة مشتتة للغاية، وهذا أمرٌ طبيعي بالنظر إلى أنَّ مفهوم الزعيم الديني لا يوجد في الإسلام، على عكس الكنيسة الكاثوليكية (البابا)". وهذا على سبيل المثال من شأنه أن يجعل فرض ضريبة خاصة بالمساجد مهمة أصعب بكثير من مهمة تقدير وتحصيص الأموال التي تُحصَّل نيابةً عن الكنيسة الكاثوليكية.
وحتى الآن، تفتقر معظم الجمعيات الإسلامية إلى الوضع القانوني اللازم لتحصيل أموال دافعي الضرائب، ويقول الساسة الذين يؤيدون الاقتراح إنَّ استيفاء المعايير اللازمة هو أمرٌ منوط بتلك الجمعيات.
وهناك أيضاً خلاف حول ما إذا كان يجب أن يكون مثل هذا النظام إلزامياً أم لا على غِرار ما أشار إليه عضو البرلمان المُحافِظ تورستن فراي وغيره. ويتبرع الكثير من المسلمين بالفعل للمحتاجين بنسبة 2.5% من دخلهم الذي لا يُنفَق على تكاليف المعيشة، ولو أنَّ هذه المساهمات لا تخضع لمراقبة الجمعيات التي ينتمون إليها.
وقال أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، إنَّ المساعدة الحكومية "يجب ألا تكون مالية، بل أن تساعد في توفير الوسائل الإدارية". وبالنسبة للبعض، حتى ذلك المطلب يُعَد مُبالِغاً.
وقالت لمياء قدور: "بصفتي مسلمة، أعارض فكرة أن تحدد الحكومة لي كيف أنفق نقودي. هذا ليس من شأن الحكومة".