أنقذ السعودية من «إعصار شعبي» وقت الثورات العربية، وأحد رجال الدولة العميقة.. تعرف على العساف الذي عاد للواجهة

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/28 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/28 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
Saudi Arabia's Finance Minister Ibrahim al-Assaf speaks to reporters in Riyadh March 26, 2011. Saudi Arabia may see inflation from massive social spending packages announced over the past month, the kingdom's finance minister said on Saturday. Al-Assaf said, however, that he hoped any impact would be muted from any spending. Saudi Arabia's elderly King Abdullah announced last week $93 billion in social handouts, on top of another $37 billion announced less than a month earlier, as popular protests sweep across the region. REUTERS/Fahad Shadeed (SAUDI ARABIA - Tags: POLITICS BUSINESS)

اعتقد كثير من المتابعين، لحظة اعتقال وزير المالية السعودي السابق إبراهيم العساف، بتهم فساد، ووضعه في فندق ريتز كارلتون، نهاية "سياسية" لأستاذ الاقتصاد، خريج جامعة كولورادو الأميركية، الذي تقلب في الكثير من المناصب العليا بالمملكة، إلا أن تعيينه بأمر من الملك سلمان، الخميس 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، على رأس وزارة الخارجية، قد يكون آخر ما كان يطمح إليه الرجل نفسه، في مثل هذه الظروف.

تأتي هذه الخطوة ضمن محاولة الملك تحسين صورة المملكة بعد أزمة قتل صحافي وضغوط بشأن دور المملكة في حرب اليمن، بحسب وكالة رويترز.

فالتعديل الوزاري يأتي في وقت تحاول فيه الحكومة السعودية التعامل مع ضغوط دولية مكثفة، بسبب قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.

كما تعرضت الحكومة السعودية لانتقادات متزايدة فيما يتعلق بتدخلها في اليمن، حيث تقول الأمم المتحدة إن ملايين الأشخاص قد يموتون جوعاً، لتعطُّل خطوط الإمداد بسبب الحرب التي تقودها السعودية ضد حركة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء.

ما الذي يعنيه تخلي المملكة عن الجبير؟

تعيين العساف (69 عاماً)، وزيراً للخارجية خلفاً لعادل الجبير، جاء بعد مخاضات مفاجئة وسريعة، فالرجل الذي تولى وزارة المالية على مدى 20 عاماً (1996-2016)، حتى اعتقد البعض أنه إحدى ركائز الدولة التي لا تتغير بتغير الملوك. فجأة ومن دون سابق إنذار، وجد نفسه معتقلاًً في أفخم فنادق العاصمة السعودية الرياض، بتهم فساد، إلى جانب مئات الأمراء ورجال الأعمال والوزراء والمسؤولين النافذين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017

كان الجبير، السفير السابق لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية منذ أبريل/نيسان 2015، أحد أشدّ المدافعين عن ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي حمّلته وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" ومجلس الشيوخ الأميركي مسؤولية مقتل الصحافي.

وتسببت تلك الأحداث في إلحاق ضرر بالغ بسمعة محمد بن سلمان (33 عاماً)، الذي يُتوقع أن يخلف والده بالمُلك، في أول انتقال للسلطة من جيل إلى آخر في أكثر من 65 عاماً.

وتعكس هذه الخطوة وجود اعتقاد بأن الجبير، وهو دبلوماسي مخضرم، قد تضرر من وقوفه مدافعاً عن الرياض أمام العالم خلال أزمة مقتل خاشقجي، بحسب ما قاله خبراء في الشأن السياسي السعودي.

وقال محمد يحيى، الباحث بـ "مركز الخليج للأبحاث"، إنه "لا يمكننا عدم ربط خاشقجي بأي تطورات، رغم أن التغييرات الحكومية أمر اعتيادي تشهده (المملكة) كل 4 سنوات".

ويرى نيل كويليام، الباحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية البريطانية، أن العساف "سيتبع الأوامر بالأساس، لكنه يعتبر شخصية أساسية في إعادة بناء صورة المملكة المتضررة؛ بما له من صورة دولية إيجابية… لذلك، هذا يستهل العام الجديد ببداية جديدة، لكن دون تغيير حقيقي".

وكان العساف من بين عشرات كبار رجال الأعمال والمسؤولين والأمراء الذين احتجزوا في فندق فاخر خلال حملة لمكافحة الفساد شنها ولي العهد العام الماضي، لكن تمت تبرئته بسرعة والإفراج عنه.

العساف جنّب بلاده إعصاراً شعبياً

كان المشهد حينها أن أسطورة الوزير الذي لا يتغير بتغير الملوك، قد انهارت، وأن المسار السياسي لأحد أقدم وزراء المملكة وصل إلى منتهاه، لكن العساف عاد ليفاجئ الجميع بظهوره في مجلس الوزراء، بصفته وزيراً للدولة (2016-2018)، بعد أن تمت تبرئته بصورة غامضة، غموض طريقة اعتقاله.

فالرجل يُحسب له أنه أدى دوراً في تجنيب العائلة المالكة بالسعودية "الإعصار الشعبي" الذي عصف بعدة دول عربية، وأطاح برؤساء أقوياء على غرار حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي بتونس، ومعمر القذافي في ليبيا.

ومنذ 2011، خصص العساف، بأوامر ملكية، عشرات المليارات من الدولارات لمصلحة المواطنين، لشراء السِّلم الاجتماعي، وتفادي موجة "الربيع العربي"، مستفيداً من ارتفاع أسعار النفط، خصوصاً أن المملكة من أكبر منتجي النفط بالعالم، بل وأكبر اقتصاد في الوطن العربي.

وفي عهده، شهدت المملكة أكبر موازنة بتاريخها، حيث بلغت في 2011، قرابة 155 مليار دولار، قال العساف إنها ستنفَق بشكل أساسي على البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد والتعليم.

لكن أسهم الرجل تراجعت قليلاً مع تراجع أسعار النفط منذ 2014، ودخول السعودية حرب اليمن وقيادتها التحالف العربي في 2015، ما استنزف الكثير من الموارد المالية للمملكة، رغم أن احتياطاتها المالية بقيت كبيرة حتى بعد فقدانها مئات المليارات من الدولارات.

وتعرض العساف لإحراج شديد، عندما صرح نائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري، بأن "إفلاس المملكة سيكون بعد 3 أو 5 سنوات"، إذا لم يتم اتخاذ إصلاحات اقتصادية.

وأثارت هذه التصريحات غضباً في المملكة، وألقت ظلالاً من الشكوك على وضعية اقتصاد البلاد، والسياسة المالية التي ينتهجها العساف.

ويعتقد بعض متابعي الوضع في السعودية، أن هذه التصريحات كانت أحد الأسباب التي أطاحت بوزير المالية، بعد أن عمّر فيها طويلاً (1996-2016).

ماذا يعني اللجوء للعساف بديلاً للجبير؟

والعساف، وإن لم يكن من العائلة المالكة، وليس من رجال الأعمال المعروفين، فإنه من الشخصيات البيروقراطية المرموقة، حيث ترأّس صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التقاعد، والصندوق السعودي للتنمية، وصندوق التنمية العقارية.

إذ إنه مَثّل السعودية في كل من: البنك الإسلامي للتنمية، ومجموعة البنك الدولي، وصندق النقد الدولي، وصناديق ومؤسسات مالية عربية.

يمكن القول إن اللجوء إلى العساف، بديلاً عن الجبير، قد يعني عودة الحرس القديم لقيادة دفة الأمور بالبلاد، بعد أن واجهت المملكة في الفترة الأخيرة عدة صدمات، نتجت عن الاندفاع في معالجة بعض ملفات.

بينما يرأى يحيى أن التغييرات نصّت على "تعيين أمراء شبان وكذلك رجال دولة مخضرمين. هناك جهد لإيجاد توازن بين وتيرة الإصلاحات السريعة ومؤسسات الحكومة".

 

علامات:
تحميل المزيد