قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن دول الخليج العربية تتجه نحو إعادة إدراج سوريا عضوةً في جامعة الدول العربية بعد 8 سنوات من طرد سوريا من جامعة الدول العربية بسبب قمعها الوحشي للتظاهرات السلمية التي اندلعت ضد نظام بشار الأسد.
وأشارت مصادر للصحيفة البريطانية إلى أنه من المُرجَّح في مرحلة ما خلال العام المقبل أن يُرحَّب بالأسد في ساحة جامعة الدول العربية مرةً أخرى كي يحظى بمكانه بين قادة العالم العربي.
وبوقوف الأسد بجوار وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وآخر حكام مصر المستبدين عبدالفتاح السيسي – وفق الغارديان – ستُسجِّل هذه اللحظة الموت النهائي للربيع العربي، الذي جسَّدَ آمال الثورات الشعبية في المنطقة، تلك الآمال التي سحقها جيلٌ جديد من رجال الشرق الأوسط الأقوياء، حسب تعبير الصحيفة البريطانية.
عودة الدفء للعلاقات بعد طرد سوريا من جامعة الدول العربية
طرد سوريا من جامعة الدول العربية في 2011 بسبب رد فعلها العنيف تجاه الاحتجاجات المُعارِضة لها، وهي خطوةٌ فشلت في وقف حمامات الدم التي تحوَّلَت إلى حربٍ أهلية هناك.
لكن الآن، بدأ الدفء يشمل العلاقات الإقليمية بالفعل. فخلال هذا الأسبوع، أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول زعيم في جامعة الدول العربية يزور سوريا خلال 8 سنوات، وهي زيارةٌ فسَّرَها كثيرون بأنها بادرة صداقة نيابةً عن السعودية، التي عزَّزَت علاقتها بالخرطوم خلال السنوات الأخيرة.
ونشرت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة السورية صوراً للبشير وبشار الأسد وهما يتصافحان بالأيدي ويربتان على أذرع بعضهما الآخر بينما يقفان على البساط الأحمر المؤدي إلى الطائرة الروسية التي أقلَّت الرئيس السوداني إلى دمشق وكتبت هاشتاغ للصور بعنوان: "المزيد سوف يأتي".
وقالت مصادر دبلوماسية لصحيفة The Guardian البريطانية إن هناك إجماعاً يتنامى بين الدول الـ22 الأعضاء في جامعة الدول العربية على ضرورة إعادة إدراج سوريا عضوةً في هذا التحالف العربي، رغم أن الولايات المتحدة تضغط على الرياض والقاهرة لوقف طلب تصويت الأعضاء على إعادة إدراج دمشق.
خاصة عندما يتعلق الأمر بأموال السعودية لإعادة الإعمار
تأتي هذه الخطوة رغم علاقة الأسد الوثيقة بإيران، التي يدين لها نظامه بالبقاء على قيد الحياة حتى الآن. أما بالنسبة للسعودية والإمارات فإن إعادة قبول سوريا يُعد استراتيجيةً جديدة تهدف إلى إبعاد الأسد عن نطاق نفوذ طهران عن طريق تقديم وعودٍ له بإعادة العلاقات التجارية إلى طبيعتها وضخ أموال إعادة الإعمار في سوريا.
تفيد التقديرات السورية والخارجية بأن هناك حاجةً إلى 400 مليار دولار لإعادة بناء البلاد، لكن الأمم المتحدة سترفض دفع أي من هذه الأموال ما لم ينضم الأسد إلى عملية السلام التابعة للأمم المتحدة.
لن يُجمَّع المبلغ كله مطلقاً على الأغلب وستظل معظم المناطق السورية مُدمَّرة، لكن خزائن الرياض أكثر امتلاءً بالنقود من خزائن طهران وموسكو. وستُوجَّه أيُّ أموالٍ خليجية لإعادة إعمار سوريا إلى المناطق التي ظلَّت مواليةً للنظام السوري طوال فترة الحرب كمكافأةٍ لها.
كما أن الأسد واحد منهم
وقال توبياس شنايدر، الزميل الباحث لدى معهد Berlin's Global Public Policy Institute: "رضخ القادة العرب لفكرة بقاء بشار الأسد في السلطة. في نهاية المطاف، وفي إطار الصورة الكبيرة لثورات المنطقة والثورات المضادة لها، يُعد الأسد واحدٌ منهم، فهو مستبد عربي يحارب ضد ما يعتبره القادة المصريون والإماراتيون، على وجه الخصوص، القوى الإسلامية والثورية المُخرِّبة مثل جماعة الإخوان المسلمين".
وأضاف: "سيركز الأسد على استخلاص أكبر قد ممكن من طموح القوى الإقليمية بشكلٍ عملي.. خطوات تدريجية صوب إعادة العلاقات إلى طبيعتها دون المخاطرة ببقائه في جولةٍ جديدة من المنافسات الإقليمية".
قال الأسد بنفسه لصحيفة كويتية في أكتوبر/تشرين الأول إن سوريا حقَّقت "تفاهماً كبيراً" مع الدول العربية بعد سنواتٍ من العداء. وشوهِدَ وزير الخارجية السوري وليد المعلم وهو يُصافح نظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقتٍ مبكر من العام الجاري.
وقال خالد آل خليفة للصحافيين: "ما يحدث في سوريا يهمنا أكثر من أيِّ طرفٍ آخر في العالم. سوريا دولةٌ عربية على كل حال. ليس من الصواب ترك شؤونها تُدار من قبل لاعبين دوليين وإقليميين في غيابنا".
ما يفسر التقارب الذي حدث بين دمشق والعواصم الخليجية
وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول، حظت دعوات وسائل الإعلام الخليجية والمصرية لإعادة إدراج سوريا في جامعة الدول العربية بدعم البرلمان العربي، وهو كيانٌ مساعد للجامعة لا يتمتَّع بأيِّ نفوذ.
وتعزَّزت هذه الدعوات بانتشار الشائعات بشأن إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، التي يعتقد مراقبون أنها ستكون بمثابة قناة خلفية لتمرير المقترحات الدبلوماسية السعودية.
وقال مصدرٌ بدمشق إن عمال نظافة ومهندسي ديكور وأشخاصاً آخرين منخرطين في أعمالٍ تجارية شوهِدوا وهم يدخلون مبنى السفارة الإماراتية المُغلَق منذ قطع العلاقات بين البلدين و طرد سوريا من جامعة الدول العربية في 2011. وعلاوة على ذلك، أُزيلَت الأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية من أمام المبنى.
وأعادت الأردن فتح معبر حدودي جنوبي مع سوريا، وتعمل إسرائيل مع روسيا على تقليص حدة التوتُّر في هضبة الجولان المُتنازَع عليها، وحتى تركيا -التي ترعى آخر معاقل المعارضة السورية في شماليّ غرب البلاد- ألمحت إلى أنها ستعمل مع الأسد إذا عاد إلى منصبه بانتخاباتٍ "حرة ونزيهة".
لكن بالنسبة للغرب ستبقى سوريا دولةً منبوذة
إذ قال دبلوماسي أوروبي: "هناك دائماً التساؤل حول المدى الزمني الذي ستستمر فيه العزلة الدولية المفروضة على سوريا وكيف ستنكسر هذه العزلة. من المُرجَّح أن يبدأ ذلك في إطار المنطقة".
وتابع: "لكن سيظل موقفنا ثابتاً. ما مِن عملية تسوية حقيقية يمكن الوثوق بها في سوريا حتى الآن، لذا لا يوجد أيُّ حافزٍ للتصالح مع النظام".
ربما لم يعد الأسد يعبأ بموقف الغرب: إذ أصبح مستقبله السياسي مؤمناً بواسطة إيران وروسيا وعلت أصوات الدول العربية المُطالِبة باستعادة نفوذها الضائع منذ طرد سوريا من جامعة الدول العربية .
ولا تزال المعارضة السياسية السورية مُصمِّمةً على مطلبها بانضمام النظام السوري إلى عملية السلام برعاية الأمم المتحدة. لكن أحد أعضاء المعارضة عبَّر سراً عن إحباطه من الدول العربية التي وقفت بثقلها وراء الثورة السورية في 2011.
إذ قال: "لا ينبغي السماح للنظام باستعادة مقعده على الطاولة قبل تنفيذ قرار الأمم المتحدة لعام 2015 بوقف إطلاق النار. نحن نعلم هذا. ليس الأمر بجديد. أشقاؤنا العرب لا يتصرَّفون معنا كأشقاء".