كشفت صحيفة WashingtonPost الأميركية أن جمال خاشقجي في أثناء زيارته أحد أصدقائه بأحد أحياء ولاية فرجينيا الأميركية، تلقى اتصالاً، بالتحديد في أكتوبر/تشرين الأول 2017، من سعود القحطاني أحد المستشارين السابقين لولي العهد السعودي و المتهم بقتل الصحافي السعودي.
وحسب التقرير المنشور في The WashingtonPost والذي أعده كل من سعاد مخنيت وجريغ ميللر، فإن القحطاني كان مؤدباً في المكالمة، وأخبر خاشقجي بأن تعليقاته على إصلاحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في المملكة، وضمنها السماح للمرأة بالقيادة، كانت مثار إعجاب ولي العهد. وفي حين كانت المحادثة وديةً، فإنَّ فحواها كان واضحاً: لم يعد خاشقجي يعيش تحت الحكم السعودي، لكنَّ أقوى فرد في الأسرة الملكية كان يرصُدُ كل كلمةٍ يكتبها.
ردَّ خاشقجي بمزيجٍ من التوتُّر والارتياع اللذين اتصَّفت بهما الأشهر الأخيرة من حياته. فأعلن للقحطاني استياءه من أزمة النشطاء الذين يعرف بأمر اعتقالهم في المملكة، وفقاً لصديقٍ كان شاهداً على المحادثة. لكن حتى في أثناء حديثه عن هذا الأمر، قال الصديق: "رأيتُ كيف أنَّ يد جمال كانت ترتعش وهو ممسكٌ بالهاتف".
وبعد مضيِّ عامٍ، لقي خاشقجي حتفه عن عمرٍ يناهز الـ59، واتَّهمت الوكالات الاستخباراتية الأميركية الأمير محمد والقحطاني بعملية قتله، التي نفَّذها فريقٌ من المُغتالِين المُرسَلين من الرياض.
وتابع الصديق الذي شَهِدَ المحادثة، مشترطاً عدم ذكر اسمه حرصاً على سلامته: "كانت أشدُّ مخاوفه تتمثَّل في أن يتعرَّض للسجن لا القتل. لم يخطر ذلك بباله قط".
تمويل لتأسيس مركز دراسات سعودي
كان ولي العهد وأتباعه آنذاك في المراحل الأولى من حملة الاعتقالات الوحشية بالمملكة، فألقوا القبض على الخصوم، وعذَّبوا الأعداء، وكمَّموا أفواه المنتقدين. وكان خاشقجي قد مُنِع سابقاً من الكتابة أو حتى التغريد على موقع تويتر، لكنَّ خوفه من أن يحمل المستقبل له مصائب أكبر هو ما حَمَله على اللجوء إلى الولايات المتحدة.
تقول الصحيفة إنه رغم ما كان يكتبه خاشقجي، فإنه كان ذا ولاء للمملكة العربية السعودية ويتردد في قطع علاقاته بالسلطة السعودية، حتى وهو في المنفى، فحين كان يشرع في البدء ككاتب بـ "واشنطن بوست"، كان يسعى للحصول على تمويل من الحكومة السعودية لإنشاء مؤسسة فكرية اقترح تنفيذها في واشنطن، بحسب الوثائق التي وقعت تحت يد الصحيفة الأميركية، والتي -كما يبدو- كانت جزءاً من مقترح قدمه لوزارة الإعلام السعودية.
وتكشف الصحيفة أنه عرض على الحكومة السعودية، في سبتمبر/أيلول 2017، الحصول على تمويل قدره مليوني دولار، لإنشاء المركز البحثي، الذي سيكون له دور في تحسين صورة السعودية في العالم.
رسائل لسفير السعودية في أميركا
وبعث خاشقجي برسائل إلى السفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان، عبَّر فيها عن ولائه للمملكة، وأخبره بما يقوم به من نشاطات في الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، فإنه في واحدة من الرسائل، أخبر خاشقجي السفيرَ بأن عميلاً في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي يعمل نيابة عن عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول اتصل به، وقال إنه سيلتقيه، ليؤكد له براءة السعودية وقاداتها من الاتهامات.
ويبين الكاتبان أن مكالمته مع القحطاني، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، كانت جزءاً من تفاعلات متعددة مع الرجل، الذي برز بصفته واحداً من أهم مساعدي ولي العهد، ومُنح مهمة واسعة لحماية صورة محمد بن سلمان.
وتقول الصحيفة إن أول صراع بين القحطاني وخاشقجي كان أواخر 2016، حينما كان يعمل الكاتب السعودي، في صحيفة "الحياة" بلندن، وفي حين كان يرحب ولي العهد السعودي ويحتفل بفوز دونالد ترامب، كان خاشقجي يحذر من الرئيس الأميركي الجديد.
اتصال من القحطاني بخاشقجي في قطر
تقول الصحيفة إنه بعد ذلك بوقت قصير وفي أثناء حضور خاشقجي مؤتمراً بقطر، اتصل القحطاني به، وقال له إنه "غير مسموح له بالتغريد على (تويتر)، ولا الكتابة، أو الحديث"، بحسب صديق له، وأضاف القحطاني: "لا تستطيع عمل أي شيء، بعد الآن؛ لقد انتهيت".
ويذكر التقرير أن خاشقجي غادر، في أبريل/نيسان 2017، السعودية متوجهاً إلى لندن، للإقامة 3 أسابيع مع صديقه والمستشار السابق للأمير تركي، نواف عبيد، الذي كانت له خلافاته مع الديوان الملكي، وناقش الاثنان رغبة خاشقجي في الانتقال إلى الولايات المتحدة، إلا أن القحطاني اتصل به وهو في لندن، مخبراً إياه بأنه لن يحدث له شيء لو عاد إلى الرياض.
وفي يونيو/ حزيران 2017، نفَّذ الأمير محمد وأنصاره عمليةً استثنائيةً لانتزاع السلطة، فاحتجزوا وليِّ العهد المُعيَّن محمد بن نايف، حفيد مؤسِّس المملكة السعودية صاحب الـ57 عاماً. وخرج من احتجازه ليُصدِر تعهُّداً عاماً مُهِيناً له بالولاء لقَريبه الأصغر منه سناً بكثيرٍ، الأمير محمد، مُتنازِلاً عن منصب وليِّ العهد.
زادت تلك الاضطرابات من مخاوف خاشقجي. وفي يونيو/حزيران، أثناء تدبير الأمير محمد لخطته، قرَّر خاشقجي الرحيل، فحزم متاعه، وأوصد بيته، واستقلَّ طائرةً إلى العاصمة الأميركية واشنطن.
وتقول الصحيفة إن محاولة أخرى لإرجاعه للرياض تمت، ولكن ليست على يد القحطاني، بل على يد وزير الإعلام، الذي أخبره بأن المنع عن الكتابة قد رُفع، وأن الحكومة تفكر في منحه المال لإنشاء مركز أبحاث لها بواشنطن. وبعث الوزير عواد العواد، الذي عمل سفيراً لدى المانيا، برسالة "غير مريحة" إلى خاشقجي، يقول فيها: "ولي العهد يريد مقابلتك"، بحسب أحد زملاء الصحافي الذي استمع إلى المحاورة.
وتشير الصحيفة إلى أن اختفاء خاشقجي كان مدعاة للبحث عنه، حتى إن ناشر صحيفة "واشنطن بوست"، فريد ريان، طلب من مسؤولي البيت الأبيض المساعدة، وكذلك وزارة الخارجية، وكتب ريان رسالة إلى الأمير محمد بن سلمان، أُرسلت من خلال القنوات الدبلوماسية، بعد يوم من اختفاء خاشقجي.
وبعد أيام من الاتصال مع السفير السعودي في واشنطن، وافق الأمير خالد بن سلمان على مقابلة ناشر "واشنطن بوست"، بمنزله في جورج تاون. ووصل ريان في الساعة التاسعة من مساء الأحد، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أي بعد 5 أيام من اختفاء الصحافي، وقال له الأمير خالد إنه يجمع المعلومات من الرياض، وإن خاشقجي لم يكن تهديداً".
ويشير الكاتبان في تقريرهما، إلى أن المقابلة انتهت بعد ساعة، حيث علّق ريان قائلاً إنه لو ثبت خطف خاشقجي أو قتله فسيكون ذلك "من أكثر الأعمال فساداً وقمعاً ضد صحافي التاريخ الحديث"، لافتَين إلى أنه في مقابلة لاحقة مع الناشر، استعاد ما قيل له، معلقاً: "ظهرت أدلة واضحة تؤكد أن كل ما قالوه لنا كان كذباً".