قال موقع Lobe Log في تقرير له، إن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القاضي بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، يأتي مفاجئاً وسريعاً جداً.
وأضاف الموقع الأميركي، أنه قبل عام، كان الخبراء يعدّون الأيام بانتظار أن يعلن البنتاغون انسحابه من التحالف غير الطبيعي مع الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعةٌ من المتمردين الشيوعيين (أو مستلهمي الشيوعية) الذين لم يُخفوا عداءهم للإمبريالية.
وبطريقةٍ ما، استعاد المتنافسون من اليمين واليسار ترتيب عالَمهم الأيديولوجي مجدداً، وما عادت القوات الخاصة الأميركية تحارب تحت عَلمٍ يحمل نجمةً حمراء وصور عبد الله أوجلان. لكن القرار الأميركي في هذا الوقت، يأتي مفاجئاً، لسببين: الأول أن التصريحات التي صدرت مؤخراً من مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، تشير إلى أن الولايات المتحدة تخطط للبقاء في سوريا ما دامت إيران فاعلة فيها.
الثاني مرتبطٌ أيضاً بالتوقيت: أتى القرار سريعاً جداً بحيث إن المرء يعتقد أنه اتُّخذ على عَجَل، ربما بسبب تطوراتٍ على الأرض في المنطقة.
غير مرتبطة بالخطط التركية
يضيف الموقع: "إن كانت التطورات هي السبب، فلا بد من أنها غير مرتبطة بالخطط التركية لمهاجمة الأكراد في مناطق شرق الفرات، والتي لا يمكن أن تكون قد سببت ارتجاف الأميركان خوفاً وتخلّيهم عن حلفائهم الأكراد. لا بد من أن عوامل وتطوراتٍ أخرى قد دفعت لاتخاذ هذا القرار".
بدايةً، كان المشروع "الكردي" في "روج آفا" كردياً بالمعنى الضيق جداً للكلمة، فقد كان أساساً مشروعَ الفرع الكردي من حزب العمال الكردستاني، لكنه لم يكن جهداً كردياً مشتركاً، لأنه لو كان كذلك لكان تضمَّن الفرع الكردي من الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الإسلاميين الأكراد. كما أنه لم يتضمن المشارَكة الديمقراطية للسلطة (بالمعنى الغربي للمصطلح) مع الأطراف السياسية الأخرى.
لكن النموذج السياسي في "روج آفا" كان أقرب إلى نظام جمهورية ألمانيا الشرقية القائم على ضم الأطراف شبه المعارِضة، وليس المعارضة بحق. نتائج انتخابات تسعينيات القرن الماضي (مثلما حلّلها حميد بوزار أصلان) وضَّحت أن معقل حزب العمال الكردستاني كان في عفرين، وليس بالقامشلي، أي إن وضع الحزب بين الأكراد لم يكن دون منافسة.
بالتأكيد، وكما تُظهر البروتوكولات المنشورة من المفاوضات، لم يكن همُّ أوجلان الأساسي المذابح التي ترتكبها داعش، وإنما خوفه من أن البارتي (أي الحزب الديمقراطي الكردستاني، فرع سوريا) يمكن أن يؤسس سلطةً في روج آفا. لم تكن فكرة جبهة كردية مشتركة في سوريا مطروحة. حقيقة أنه لأسباب سياسية وعسكرية، لم تجرؤ ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية على طرد قوات النظام السوري من الحسكة وأجزاء من القامشلي، هذه الحقيقة تجعل من السلطة الكردية على روج آفا نسبيةً أكثر.
فرصة السيطرة على مناطق "عربية" ضئيلة
ويضيف الموقع الأميركي أن المشكلة الأخرى هي سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على مناطق عربية بالكامل مثل الرقة وأماكن استراتيجية أخرى. الرقة لها أهمية استراتيجية وأيديولوجية خاصة. هل اعتقدت وحدات حماية الشعب الكردية أن سكان المدينة من العرب السُّنة المتدينين سيتقبلون إعادة تنظيمٍ اشتراكية لمجتمعهم؟
علاوةً على أن "داعش" أثبت مراراً وتكراراً أنه قادر على إعادة التجمع وشن هجماتٍ مضادة، حتى بعد أن بدا أن التنظيم قد هُزم. بالإضافة إلى ذلك، ربما تتعاون العشائر العربية في شمال سوريا مع الأكراد حالياً، لكن أطرافاً أخرى -مثل إيران- تحاول جاهدةً جذبها إلى معسكرها. حتى لو أخذنا نجاح وحدات حماية الشعب الكردية في استعادة "هجين" بعين الاعتبار، من دون دعمٍ من الولايات المتحدة، فإن فرصة هذه الوحدات في الاحتفاظ بسيطرتها على مناطق ذات أغلبية عربية تبدو ضئيلةً.
انكمشت قوات حزب العمال الكردستاني عسكرياً بالفعل. وتُشكِّل "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" القوة الرئيسة مما يعرف بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، إلى جانب بعض الثوار الأمميين من تركيا وأوروبا وغيرها من الدول الأخرى.
ومع ذلك، فإنه دون دعم الولايات المتحدة سيعتمدون على المقاتلين المُخضرمين من قوات الدفاع الشعبي، وهي القوة القتالية الرئيسية لحزب العمال الكردستاني، التي تشن عملياتها عادةً من قواعد بتركيا والعراق. ويقاتل الجيش التركي معاقل حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق منذ عدة أشهر بلا هوادة.
وبحسب الموقع الأميركي، "يبالغ" الجيش التركي ووحدات حماية الشعب الكردستاني في انتصاراتهما، لكن يبدو أن الأتراك يحظون بتفوُّقٍ "طفيف". بيد أن الوضع قد يتغيَّر، لكن ربما ليس بصورةٍ استراتيجية مهمة (مثل انسحاب تركيا من شمالي العراق).
المشاكل تفوق قدرات حزب العمال الكردستاني
إذا صحَّت كلُّ تلك النقاط -أي إذا كانت المشاكل تفوق قدرات حزب العمال الكردستاني، وأن عليه القلق من انتفاضةٍ عربية مُحتَمَلة، وأنه يواجه منافسةً في منطقته الكردية الأساسية- فهل يعني ذلك أن الجيش الأميركي قد يتخلَّى عنهم لأنه ينظر إليهم باعتبارهم قضية خاسرة؟
في هذه الحالة، قد يكون كل ما في الأمر أن أنقرة استخدمت الدبلوماسية بصورةٍ فعَّالة. تحسَّنت سمعة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ببساطة لأن الأنظار توجَّهَت إلى الحكومة السعودية.
وعليه، تمكَّن أردوغان من المشاركة في نوعٍ من العطاء الدبلوماسي المتبادل: قد لا تتسلَّم تركيا فتح الله غولن -الذي يُثار الكثير من الحديث حول علاقاته بالولايات المتحدة- لكنها يمكن أن تفرض نفوذها على "روج آفا"؛ ومن ثم تنصلح علاقاتها بالولايات المتحدة في حين تُحقِّق انتصاراً آخر على الأكراد.
من المُرجَّح أن يجد حزب العمال الكردستاني نفسه طريد المعادلة الاستراتيجية في سوريا. وهذا بالطبع سيُسهِّل الطريق أمام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للعودة من جديد.
بالنسبة لأوروبا، يعني ذلك وفود لاجئين من "روج آفا". وهذه المرة سيتدفَّق مقاتلو حزب العمال الكردستاني الذين صقلتهم المعارك والذين سوف يُوطِّدون المنظمات الأوروبية التابعة للحزب ويُعزِّزون من كفاءتها.
سيعني ذلك أيضاً زيادة التوتُّرات بين المجتمعات الكردية والعربية والتركية، وتفاقُم الانقسام بين اليمين واليسار في المجتمعات الأوروبية. وربما سيتضح للأوروبيين هذه المرة، أن القضية الكردية ليست مشكلةً "ثانوية" في سياستهم الخارجية، بل هي عامل "مهيمن" على أمنهم الداخلي.