«ذلك الحصار! لقد تجاوزناه».. كيف أصبحت قطر أقوى بعد العقوبات التي فرضها جيرانها؟

لمعرفة كيف تلاءمت قطر مع الحصار الذي فرضه عليها جيرانها، لا تحتاج إلى المضيّ أبعد من متجر تمتلىء رفوفه الآنَ بالحليب القطري، المناديل القطرية والخيار القطري

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/21 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/21 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
احتفالات اليوم الوطني في قطر

لمعرفة كيف تلاءمت قطر مع الحصار الذي فرضه عليها جيرانها، لا تحتاج إلى المضيّ أبعد من متجر "الميرة" في المول المقابل لجامعٍ في المنطقة السكنية من العاصمة. الرفوف التي كان نادراً أن تجد عليها منتجاتٍ محلية تمتلئ الآنَ بالحليب القطري، المناديل القطرية والخيار القطري.

قال مشرفٌ على المحل لصحيفة The New York Times الأميركية مشيراً إلى مسحوق غسيلٍ، سائل جلي ومعقّمٍ: "هذا قطري وهذا قطري. كلها صنع في قطر".

قد يكون إنتاج منتجاتٍ كهذه معتاداً في بلدانٍ عديدة، لكن بالنسبة لقطر، كان إنتاجها جزءاً من تحولاتٍ دفاعية عديدة تم تبنيها للنجاة من الهجوم السياسي والاقتصادي الذي شنه عليها جيرانها.

التكيف مع الحصار

بعد ثمانية عشر شهراً من الحصار البري والبحري الذي فرضته عليها السعودية، الإمارات، البحرين ومصر بغرض إخضاعها، لا تزال هذه البلاد الصغيرة الغنية بالنفط والمكونة من شريطٍ رملي يمتد عبر الخليج العربي ترفض الخنوع. وفي هذه الأثناء تلاءمت مع الوضع، معيدةً استغلال اقتصادها وعلاقاتها الخارجية بطرقٍ يمكن أن تعيد تكوين النسق الاستراتيجي للخليج العربي.

دعمت قطر جيشها، عمّقت روابطها مع جيرانٍ مثل إيران، وزادت سلوكها المختلف الذي سبب غضب جيرانها العرب في بداية الأزمة، كالقيام بكشف فضائحهم على شبكة الجزيرة الفضائية القطرية.

القطريون تجاوزوا الحصار

"لقد تجاوزنا ما حدث، تجاوزناه باقتصادنا، تجاوزناه بحياتنا"، صرّح محمد بن عبدالرحمن آل ثاني خلال عطلة نهاية الأسبوع في "منتدى قطر"، وهو مؤتمرٌ دولي يُعقد في العاصمة الدوحة. وأضاف أن قطر لا تزال تأمل في تسوية، لكن الحصار سبّب "جرحاً عميقاً جداً بين الناس" وهذا ما سيكون صعباً أن يلتئم.

شعار
شعار "صنع في قطر" أصبح واقعاً في مجال الغذاء / ميدل إيست آي

الكثير من البلدان كانت ستتهاوى تحت هذا النوع من العقوبات التي فرضت على قطر من قبل جيرانها الأكبر مساحة والأقوى، والذين اتهموها بتمويل الإرهاب، التدخل في شؤونهم الداخلية والتقارب مع إيران. أكثر ما أثار سخطهم كان دعم قطر لعددٍ من الناشطين في العالم العربي، بمن فيهم الإسلاميون السياسيون الذين تعتبرهم مَلكيات الخليج الأخرى تهديداً لحكمها.

ينكر زعماء قطر هذه الاتهامات بالتدخل وتمويل الإرهاب، ويقولون إن ما أغضب جيرانهم حقاً كان استقلالية قطر ورفضها مسايرة زعماء السعودية والإمارات الذين لطالما هيمنوا على المنطقة.

خففت ثروة البلاد الهائلة من وطأة الحصار، فقد غرفت قطر الكثير من احتياطيها النقدي البالغ 340 مليار دولار لتمويل تأسيس شراكاتٍ تجارية جديدة، بناء صناعاتٍ محلية، وفي بعض الأحيان، خلق صناعات جديدة من العدم.

إغلاق باب مجلس التعاون الخليجي

أعلنت قطر هذا الشهر أنها ستخرج من أوبك، وهي المنظمة التي تسيطر عليها السعودية. ورغم أنها بقيت عضوةً في مجلس التعاون الخليجي، وهو منظمةٌ أنشئت لتكريس وحدة دول الخليج، إلا أن قطر لا تتوقع الكثير من المجلس. فقد أحجم أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، عن حضور القمة الخليجية التي عُقدت في السعودية هذا الشهر، وأرسل عوضاً عنه ممثلاً أقل شأناً. ولم تكن مناقشة إنهاء الحصار على جدول أعمال المجلس.

قال أندرياس كريغ، البروفيسور المساعد في جامعة King's College في لندن، أنه "يبدو أن القطريين، سواء شعباً أو حكومةً، قد أغلقوا الأبواب تقريباً أمام محاولة العودة إلى مجلس التعاون الخليجي بأي ثمن. يريدون إنهاء هذه الحالة، لكن فرصة إيجاد حلٍ للأزمة ضئيلةٌ جداً".

وقال كريغ إن قطر تريد إحراز تقدمٍ في قضايا معينة، مثل القدرة على استخدام المجال الجوي لجيرانها وتخفيف قيود السفر على العائلات التي فرّقتها الأزمة. "لا شيء يزعجهم أو يؤلمهم أكثر. الألم الذي اعتقدوا أنهم لن يعانوه".

هل استنزف الحصار قطر؟

في لقاء مع محرري النيويورك تايمز الشهر الماضي، قال وزير الخارجية القطري إن بلاده لم تعد تنفق من احتياطيها النقدي للتلاؤم مع الواقع الجديد. "لقد تجاوزنا الحصار"، قال الوزير مضيفاً إن الحصار وبعكس المتوقع قد ساعد بلاده بدفعها إلى فتح أسواقٍ جديدة.

لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن الحصار استنزف الاقتصاد القطري إذ أن الحكومة استخدمت احتياطي البلاد لنقل البضائع جواً والحفاظ على استقرار البنوك. انخفضت عائدات السياحة وأسعار العقارات، وارتفعت الأسعار بالنسبة للمستهلكين، خاصةً بالنسبة للعمال الأجانب الذين يشكّلون 88% من إجمالي سكان البلد البالغ عددهم 2،4 مليون.

وزير الخارجية القطري قال إن بلاده لم تعد تنفق من احتياطيها النقدي للتلاؤم مع الواقع الجديد
وزير الخارجية القطري قال إن بلاده لم تعد تنفق من احتياطيها النقدي للتلاؤم مع الواقع الجديد

الحصار القطري منح الدوحة حرية أكبر

أشار منتدى الدوحة للتوجه الجديد لقطر. جلبت البلاد المئات من رجال الأعمال، الباحثين، الصحافيين والمسؤولين من آسيا، إفريقيا، أوروبا وأميركا اللاتينية لحضور المنتدى. افتتح رئيس الإكوادور، لينين مورينو، الحوارات بينما كان رئيس الوزراء الصومالي، حسن علي خير، ضمن هيئة إدارة حواراته. وبينما في الدورات السابقة من المنتدى، كان المتحدثون البارزون هم من السعودية والإمارات، مُنح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، جلسةً كاملة ضمن أعمال المنتدى هذه المرة.

ما يزيد من ثقة القطريين، هو شعورهم بأن المشاكل التي سببتها كلٌ من السعودية والإمارات لنفسيهما منحت قطر حريةً أكبر. فجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول لطخت سمعة المملكة في واشنطن، بينما لا تزال الإمارات العربية المتحدة تعاني من تداعيات حكمها على الطالب البريطاني، ماثيو هيدجيز، على خلفية اتهاماتٍ بالتجسس في محاكمةٍ قال عنها مسؤولون بريطانيون بأنها لا تستند إلى أي دليل.

قال وزير الخارجية القطري إن قتل الخاشقجي كشف النقاب عن القيادة السعودية "المتهورة"، و"بدأ العالم يرى ما شهدته قطر خلال الثمانية عشر شهراً الماضية".

قناة الجزيرة في مرمى النيران

استهدف أعداءُ قطر قناة الجزيرة، مطالبين الدوحة بإغلاقها بسبب تغطيتها المنتقِدة للزعماء العرب وتعاملها المتعاطف مع المعارضين والإسلاميين السياسيين، لكن هذا المطلب رُفض أيضاً. وقال عبد الله النجار، وهو مدير تنفيذي في القناة، إن "الجزيرة تتابع عملها كالمعتاد".

وأضاف أنه تم حظر القناة على المنصات الإلكترونية في البلدان التي فرضت الحصار، لكنها لا تزال تُشاهد عبر العالم العربي، حتى في البلدان التي مُنعت فيها، من قبل المشاهدين الذين يستخدمون خدمات الـ VPN.

وقال النجار: "نحن نقول كلمة حق عند سلطانٍ جائر، لذا لا تحبنا معظم حكومات الشرق الأوسط".

قطر طورت منظومتها العسكرية منذ الحصار / رويترز
قطر طورت منظومتها العسكرية منذ الحصار / رويترز

الأمن أكبر المخاوف القطرية

أكثر ما يثير قلق قطر نتيجةً للحصار هو الأمن، ما قادها إلى استثمارٍ أكبر في جيشها، فقد مددت قطر مؤخراً الخدمة العسكرية الإلزامية فيها من ثلاثة أو أربعة شهور إلى سنة بالنسبة للرجال وبدأت بالسماح بالخدمة التطوعية للنساء. كما بدأت بشراء أحدث الطائرات المقاتلة من الولايات المتحدة، وهي توسع حالياً قاعدة العبيد التي تستضيفها قطر وتعتبر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

بالنسبة لمعظم القطريين، الضربة الأقوى تحمل طابعاً اجتماعياً ونفسياً، إذ أصبح أقرب جيرانهم يعتبرونهم أعداءً ويشنون حرباً إعلاميةً ضدهم.

تفكك الروابط الاجتماعية

يقول حزام القحطاني، وهو طالب حقوق كان جالساً في مطعم في منطقة "لؤلؤة قطر" الراقية مع ثلاثة من أصدقائه، إن "الضرر الأكبر أصاب الروابط الاجتماعية". يقول الأربعة إن لديهم أقارب في الجانب الآخر من الحصار، بعض هؤلاء الأقارب قطعوا معظم الاتصالات معهم خوفاً من أن تتهمهم حكوماتهم بعدم الولاء. بينما قطع آخرون الاتصالات تماماً.

يقول القحطاني إن عمه، وهو مواطنٌ سعودي، مات مؤخراً في السعودية وأن أياً من إخوته، وهم مواطنون قطريون، لم يتمكنوا من حضور الجنازة. قال القحطاني: "لقد دُفن هناك بدون حضور عائلته".

اشتكى أصدقاء القحطاني من أنهم ما عاد بوسعهم السفر إلى مكة في السعودية للعمرة أو إلى دبي للمتعة، وقال أحدهم أنه كان قد سجّل في برنامجٍ صيفي بإحدى الجامعات الإماراتية لكنه خسر أجور التسجيل البالغة 4000 دولار حين فُرض الحصار.

وقال الأربعة إنه حتى لو تم حل الأزمة، فإن عدم الثقة سيبقى. وقال عبد الكريم القحطاني، الذي يدرس الحقوق أيضاً إنه "حتى لو تم التوصل لحل، لن ينسى المواطنون القطريون الخيانة التي حدثت والهجوم الإعلامي العنيف. لا نستطيع أن ننسى".

علامات:
تحميل المزيد