تتجه وزارة العدل السعودية نحو السماح للمحامين بالتوكل والمرافعة عن معتقلي الرأي، شريطة ألا تتجاوز فترة قضاياهم ومحكوميتهم الثلاثين عاماً، فيما يستثنى من هذا الحق من تمت المطالبة بإعدامهم أو حكمهم بالمؤبد، أو تجاوزت محكوميتهم الثلاثين عاماً، حيث لا يشملهم هذا الإجراء.
وهذا يعني أنّ قسماً كبيراً من الدعاة والرموز السعوديين الكبار لن يشملهم ذلك، يأتي على رأسهم الداعية الدكتور سلمان العودة، والدكتور عوض القرني، والدكتور محمد موسى الشريف، والدكتور عادل باناعمة، والدكتور علي العمري، وسفر الحوالي، وعلي عمر بادحدح، والشيخ صالح آل طالب، والشيخ د. عبدالعزيز الفوزان.
وقد ذكر مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، أنّ السلطات السعودية تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تخفيف الضغط على الوضع المتأزم بالسعودية، لا سيما بعدما تسرّبت معلومات عن تعرض عدد من الناشطات والحقوقيات للتعذيب والتحرش مؤخراً، يأتي على رأسهن الناشطة لجين الهذلول التي تمّ تهديدها بالاغتصاب والقتل ورميها في مجاري الصرف الصحي، تحت إشراف مباشر من المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
وأضاف المصدر أنّ هناك مساعي حثيثة لإطلاق سراح العديد من الحقوقيات والناشطات المعتقلات، بناء على التوصيات المتكررة التي ترفعها لجنة الأزمة التابعة للديوان الملكي إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. كما أوصت بألّا تعلن الدولة عن إطلاق سراحهنّ عبر الصحف والمنابر الإعلامية الرسمية، باعتبار أنّه سبق أن صدرت في حقهن تهم تصل إلى الخيانة العظمى والتجسس والعمالة لجهات خارجية.
وحول هذا الأمر ذكر الناشط السعودي مرزوق بن مشعان، في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، أنّ بعض الناشطات السعوديات المعتقلات تعرضن للتحرش والتعذيب في السجون على أيدي ضباط التحقيق، من ضمنهم لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف.
ويشير مشعان إلى أنّ السلطات السعودية تسعى للتخفيف من حدة الاحتقان في الشارع السعودي، والتكفير عن ذنب ضباط التحقيق المتورّطين عبر الإفراج عن الناشطات والحقوقيات التي يصل عددهن إلى ما يقارب الـ100، منهن 30 امرأة تمّ اعتقالهن خلال موجة الاعتقالات الأخيرة خلال عام 2018.
وفي تصريح آخر لـ "عربي بوست" ذكر المستشار القانوني والعضو السابق في النيابة العامة بالرياض، محمد القحطاني، بأنّ نظام الإجراءات الجزائية السعودي من حيث المبدأ يسمح بتوفير محامٍ للمرافعة عن المتهم عند بداية التحقيق، وألا تتجاوز مدة التوقيف 6 أشهر، فإذا لم تثبت إدانة أي معتقل فإنّه يطلق سراحه، موضحاً أنّه عادة ما تتم مخالفة كل بنود النظام من قبل النيابة العامة، ولا يتم الأخذ بها لاعتبارات سياسية بحتة، ليس لها علاقة بقانون أو نظام.
ويوضح القحطاني أنّ السلطات السعودية سعت من خلال الإجراء الجديد إلى تخفيف حدة التوتر والاحتقان بالشارع السعودي، مؤكداً على أنّ هذا الإجراء هو حق طبيعي لكل موقوف أو معتقل، لكنّه لن يشمل الشخصيات والرموز المهمة كالعودة والقرني والشريف والحوالي، وغيرهم من الرموز الدينية التي طالبت النيابة العامة في حقهم بأحكام عالية تصل إلى القتل تعزيراً. وهذا يعني أنّ الإجراء الجديد لن يشملهم، لأنّه ينطبق فقط على من لا تتجاوز قضيته ومحكوميته الـ 30 عاماً.
وعليه فإنّ القحطاني يرى أنّ الإجراء سيستثني الرموز الفاعلة في المجتمع السعودي، كالعودة والقرني والعمري وغيرهم، منوهاً إلى أنّ الأحكام على تلك الشخصيات يتم البت فيها من قبل الديوان الملكي مباشرة، فيما تعدّ وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء مجرد أداة لإعلان الأحكام، مع التمتع بصلاحيات محدودة عند النظر في قضايا المعتقلين السياسيين بشكل عام.
ويتابع القحطاني قائلاً: "المرجعية الأولى في البت في قضايا معتقلي الرأي من الرموز أو الشخصيات الفاعلة هو الديوان الملكي، الذي يوصي بحكم معين قبل البت به من قبل النيابة العامة، أما فيما يتعلق بمعتقلي الرأي العاديين، فإنّ المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة لديهما صلاحيات واسعة في تطبيق التوصيات والنصوص العامة".
وبالتالي فإنّ القحطاني يرى أنّ توكيل محام للمرافعة عن الشخصيات والرموز الفاعلة كالعودة والقرني والحوالي والعمري وغيرهم ليس مجدياً وفاعلاً من حيث المبدأ، لأنّ الأحكام الصادرة بحقهم كانت أساساً خارج الأطر والبنود القانونية، بل كانت مفصلة وجاهزة من قبل الديوان الملكي، تحت وصاية مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان.
وفي سياق متصل يرى الناشط السعودي ماجد الأسمري، في تصريحات لـ "عربي بوست"، أنّ جهة التحقيق المخولة بالبت والنظر في قضايا معتقلي الرأي هي "النيابة العامة"، التي كانت تُعرف بهيئة التحقيق والادعاء العام، إلا أنّ ذلك عملياً لا يتم، مشيراً إلى أنّ النيابة تقوم من وراء الكواليس بتقديم لائحة الاتهامات المعدّة من النظام السياسي، المتمثل في الديوان الملكي.
ويتابع الأسمري قائلاً: "هذا الأمر لا ينطبق فقط على النيابة العامة، بل حتى على المحكمة الجزائية المتخصصة، أو ما يسمى بمحكمة الإرهاب، فجميع أحكامها مسيسة ومخالفة للشريعة الإسلامية والأنظمة واللوائح القانونية".
ويشير الأسمري إلى أنّ كثيراً من المواقف تعرض لها السجناء والمعتقلون فعلاً، كسوء المعاملة والتعذيب والإخلال بالإجراءات المتبعة، لذا فعندما يشكون من هذه الممارسات للقاضي، يفترض منه أن يكون منصفاً ويعيد التحقيقات، أو يحاكم المسؤول عن التجاوزات، إلا أن ما يحدث في الواقع هو إعادتهم لغرف التعذيب ومضاعفة الأحكام الصادرة بحقهم. الأمر الذي يدفع بالسجناء والمعتقلين إلى عدم التظلّم عند القضاة، حتى لا يتعرضوا لأي إجراءات أو عقوبات إضافية.