قالت مجلة The National Interest الأميركية إن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران داخل العراق، والتي كان العديد من العراقيين يعتبرونها قوات منقذة ساعدت البلاد في هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، باتت تزعزع استقرار الحكومة العراقية الضعيفة والهشة، وتخلق توتراً إضافياً بين بغداد وواشنطن.
وبحسب المجلة الأميركية، ساد شعورٌ بالارتياح فترة وجيزة عندما تشكَّلت أخيراً حكومة عراقية في سبتمبر/أيلول 2018. واستغرق تشكيلها 5 أشهر من الخلافات بعد إجراء الانتخابات الوطنية في مايو/أيار 2018. لكن الميليشيات، التي اشتهرت باسم قوات الحشد الشعبي، وهي سلاح إيران الرئيس بالعراق، تمزق هذه الوحدة الوطنية الهشَّة وتصبح قوة مفرِّقة في بلدٍ بدا، في الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، فحسب، متفائلاً وهو في طريقه نحو تحقيق المصالحة.
وبرزت حالةٌ من الجمود حول وزير الداخلية العراقي المقبل، الذي يُفترَض أن يكون مسؤولاً عن الميليشيات. ويصر الموالون لإيران، الذين يسيطرون على الميليشيات، على أن يكون مرشحهم، فالح الفياض، وهو الآن رئيس هيئة الحشد الشعبي، وزير الداخلية القادم. ولا يوافق على ذلك الزعماء العراقيون الأقل تحزُّباً وتحيُّزاً، إذ إن ما يقرب من 60 ميليشيا تقع تحت سيطرة قوات الحشد الشعبي، التي شُكِّلت في عام 2014 لمحاربة داعش. والكثيرُ من تلك الميليشيات موالٍ لطهران.
وعندما تشكَّلت الحكومة الجديدة في بغداد، أُجِّلت تسمية منصب وزير الداخلية القوي وغيرها من المناصب. أما هادي العامري، وهو موالٍ لإيران وشخصية مؤثرة في العراق، الذي احتل ائتلافه المركز الثاني في انتخابات سبتمبر/أيلول والذي هو نفسه قائد ميليشيا شيعية، أراد فياض وزيراً للداخلية. وذكر مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المثير للجدل، الذي فاز ائتلافه بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، بوضوح، أن جميع المتعاطفين مع إيران غير مرحَّب بهم في المناصب الحكومية، بحسب المجلة الأميركية.
ومن المثير للاهتمام، وللحزن، حول هذا الصراع العراقي الخاص، أنه يعكس خصومة متفاقمة بين الشيعة والشيعة. في الماضي، كان خط الصدع السياسي الرئيس في العراق طائفياً. ولكن الانتخابات التي جلبت إلى السلطة اثنين من السياسيين المحايدين نسبياً -رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح- مكَّنت هؤلاء القادة الشيعة الذين يريدون كبح التدخل الإيراني. وخوفاً من انهيار الحكومة، التقى الرئيس صالح مع فياض في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وطلب منه سحب ترشيحه.
تحالف معرَّض للخطر
وقد توحَّدَت الفصائل الشيعية بقيادة الصدر والعامري، لتشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذا التحالف معرض للخطر الآن. وكتب الصدر في رسالةٍ مفتوحة مُوجَّهة إلى العامري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018: "لقد تحالفتُ معك وليس مع الفاسدين والميليشيات". وكتب الصدر، مؤكداً رغبته في كبح التدخل الايراني: "اتفقنا على إدارة العراق معاً بطريقةٍ صحيحة، ونمطٍ جديد نحافظ من خلاله على سيادة العراق واستقلاله".
ولدى الولايات المتحدة قضيةٌ مشتركة مع الفصائل الشيعية المناهضة لإيران، وتعتقد أن قمع الميليشيات المدعومة من إيران أولوية، إذ تعمل الميليشيات جنود مشاة في حروب إيران بالوكالة في الشرق الأوسط. ويرغب السياسيون والقادة المتحالفون مع إيران، مثل العامري وفياض، في أن تصبح الميليشيات بديلاً للجيش العراقي. وهذا يعني بالضرورة وجود جيش مستقل داخل العراق يتلقى أوامر مباشرة من طهران. يشبه هذا النموذج حزب الله في لبنان، الذي تشكل بعد الثورة الإسلامية عام 1979، "لتصدير" الأيديولوجيا الإيرانية إلى المنطقة.
وبحسب المجلة الأميركية، حاولت الحكومة الأميركية في السنوات الأخيرة، وهي مدركةٌ إدراكاً كاملاً أن الميليشيات قوة مزعزِعة للاستقرار في العراق، الضغط على الحكومة العراقية لإخضاع تلك الميليشيات لسيطرة الدولة. وحاول رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، الامتثال لمطلب الولايات المتحدة، لكنه فشل. وحتى لو كانت أجزاء من الحكومة العراقية الجديدة تدعم هذه الخطوة بالكامل، فستظل إشكالية؛ إذ إن الميليشيات تخضع إلى حد كبير للسيطرة غير الرسمية للحرس الثوري الإسلامي الإيراني. فهي أداة قوية لإيران للحفاظ على قوتها وتوسّعها داخل العراق.
وقد أقرّ مجلس النواب الأميركي تشريعاً، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، يدعو إلى فرض عقوبات على اثنين من أقوى الميليشيات المدعومة من إيران. ويرأس إحدى الميليشيات قيس الخزعلي، القائد المسؤول عن مقتل 5 جنود أميركيين بمدينة كربلاء العراقية في عام 2007، وأوقفته قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. ومن المُرجَّح أن يُنظَر في مشروع قانون مماثل بمجلس الشيوخ الأميركي. وفي حين أن هذا التشريع يزعج إيران، فإنه لا يفعل الكثير لمساعدة الدولة العراقية في إجبار الميليشيات على الخضوع للقوات المسلحة العراقية، مع أنها تخضع رسمياً لسيطرة وزارة الداخلية العراقية.
حملة ضد التوسع الإيراني
ويحاول المسؤولون السياسيون الأقوياء الذين عيَّنهم الرئيس دونالد ترامب، أيضاً زيادة الضغط على الميليشيات كجزءٍ من الحملة ضد التوسُّع الإيراني في الشرق الأوسط. ويطالب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والمبعوث الأميركي الخاص لإيران براين هوك إيران بالتوقف عن دعم الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن.
ويعكس هذا التركيز الجديد على الميليشيات القليل من التحوُّل. في الأشهر الأخيرة، ركَّزَت الإدارة الأميركية حملتها المناهضة لإيران على انتشار الصواريخ الباليستية الإيرانية في المنطقة. وتذكر التقارير أن إيران نقلت الصواريخ إلى الميليشيات الشيعية في العراق. والآن تولي الإدارة الأميركية للسيطرة على الميليشيات القدر نفسه من الاهتمام الذي توليه لتقليص مخابئ الصواريخ الباليستية الإيرانية. لكن ليس كل العراقيين يدعمون مثل هذه الخطوة. فبعض الذين يعتقدون أن الميليشيات مفيدة للأمن يتساءلون: لماذا تعارض الولايات المتحدة قوات الحشد الشعبي الآن، بعد أن كانت متساهلة معها عندما كانت تقاتل داعش؟
وتخشى واشنطن أن تستخدم إيران الميليشيات في استهداف المنشآت الأميركية والقوات الأميركية المتبقية في العراق مع تصاعد النزاع مع طهران بسبب قرار إدارة ترمب إعادة فرض العقوبات على إيران. وقد توعَّد القادة الإيرانيون وقادة الحرس الثوري بالانتقام من خلال وكلائهم، وليس فقط بالعراق بل في أجزاءٍ أخرى من الشرق الأوسط.
وتقول مصادر عراقية رفيعة المستوى، إنه من المستحيل تقريباً إخضاع قوات الحشد الشعبي لسيطرة الدولة، وذلك بالتحديد لأنها تتبع أوامر الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وهو حتى سبب أدعى لعدم سماح الحكومة العراقية الجديدة لعميلٍ إيراني بتولي منصب وزير الداخلية المهم. وعلى نطاق أوسع، يريد العديد من القادة العراقيين دولة تتمتَّع بقدرٍ أكبر من السيادة، والطريقة الوحيدة للتحرُّك نحو تحقيق هذا الهدف هي تهميش الموالين لإيران.