تطوّب الكنيسة الكاثوليكية، السبت 8 ديسمبر/كانون الأول 2018، في مدينة وهران (400 كلم غرب الجزائر العاصمة)، 19 راهباً قتلوا في الجزائر خلال "العشرية السوداء"، بينهم "رهبان تبحيرين" السبعة، وذلك للمرة الأولى في بلد مسلم.
وسيقام احتفال التطويب في باحة مزار سيدة النجاة في "سانتا كروز" السبت وسيحضره نحو 1200 شخص، بينهم مئات الأجانب القادمين من الخارج ومعظمهم من أقارب المطوّبين أو أصدقائهم أو حجّاج.
والمزار عبارة عن كنيسة صغيرة تقع على تلة تطلّ على وهران ومرفئها.
والتطويب في المسيحية هي المرحلة الثالثة من الخطوات الأربعة لعملية تقديس شخص متوفى، يتم اختياره من قبل البابا باسم الكنيسة الكاثوليكية.
من هم الرهبان الذين سيتم تطويبهم؟
والرهبان والراهبات الذين سيتم تطويبهم والمعروفون باسم "شهداء الجزائر الـ19" هم 15 فرنسياً وإسبانيتان وبلجيكي ومالطية، ويتوزّعون على ثماني رهبانيّات كاثوليكية مختلفة وقد قتلوا بين عامي 1994 و1996.
وفي مقدّمة هؤلاء أسقف وهران المطران بيار كلافري الذي كان من أشدّ المدافعين عن الحوار مع الإسلام، وقد قتل في آب/أغسطس 1996 بانفجار قنبلة أودت أيضاً بحياة سائقه الجزائري الشاب محمد بوشيخي.
وسيتم تطويب رهبان دير تبحيرين السبعة الذين خطفوا ليل 26-27 آذار/مارس 1996 ولم يعثر حتى اليوم إلا على رؤوسهم بعدما فصلت عن أجسادهم، وقد عثر عليها في طريق جبليّة، في جريمة ما زال الغموض يلفّها بعد مرور عقدين ونيّف عليها.
ومن المصير المأسوي لهؤلاء الرهبان، استوحى المخرج الفرنسي كزافييه بوفوا فيلمه "رجال وآلهة" الذي فاز بجائزة مهرجان كان السينمائي.
وإلى هؤلاء، يضاف أربعة رهبان من جمعية الآباء البيض قتلوا في نهاية 1994 في هجوم مسلح استهدف ديرهم في تيزي وزو (100 كلم شرق الجزائر) بمنطقة القبائل في الجزائر.
ويضاف إليهم كذلك راهب من الإخوة الماريست وراهبة من راهبات الصعود وراهبتان إسبانيتان مرسلتان واثنتان من راهبات سيدة الرسل وراهبة من رهبنة القلب الأقدس، وقد قتل هؤلاء جميعاً بالرصاص في عامي 1994 و1995.
وعلى الرغم من الأخطار التي كانت تحدق بهم خلال "العشرية السوداء" (الحرب الأهلية الجزائرية)، فقد رفض هؤلاء جميعاً مغادرة الجزائر وآثروا البقاء إلى جانب السكان الذين كانوا مرتبطين بهم ارتباطاً وثيقاً، لا سيما الفقراء منهم.
ومن هنا، علّقت الكنيسة الكاثوليكية أهمية كبيرة على أن تجري مراسم التطويب داخل الجزائر، بحسب ما ذكر لوكالة الأنباء الفرنسية مؤخّراً أسقف الجزائر المطران بول ديفارج.
وقال: "لم نرد تطويباً وسط مسيحيين، لأن هؤلاء الرهبان والراهبات قتلوا وسط عشرات وعشرات الآلاف من الجزائريين" المسلمين الذين سقطوا خلال الحرب الأهلية (1992-2002).
تطويب في بلد مسلم
وهذا أول حفل تطويب ينظمه الفاتيكان في بلد مسلم، بحسب ما أعلن في روما طالب دعوى التطويب الأب توما جورجون.
وقال الأب تييري بيكر، وهو كاهن رعية في وهران منذ 1962، السنة التي نالت فيها الجزائر استقلالها عن فرنسا، وكان مساعداً للأسقف "الشهيد" كلافري، الجمعة: "هؤلاء الناس أمضوا حياتهم بين أبناء البلد يعطونهم كل ما استطاعوا تقديمه لهم".
وأضاف أن تطويبهم "يثبت أن تقاسم الحياة مع أتباع ديانة أخرى هو (مبدأ) مسيحي".
وسيجري احتفال التطويب في ظلّ إجراءات أمنية مشدّدة، وسيبدأ قرابة الساعة 13:00 (12:00 ت غ) برئاسة عميد مجمع دعاوى القديسين الكاردينال أنجيلو بيتشو ممثلاً البابا فرنسيس.
ومنذ الجمعة، نشرت قوات الأمن الجزائرية العديد من عناصرها في وهران، بحسب ما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس.
وقال المسؤول في مجمع دعاوى القديسين في روما الأب ريمي بازين إن هؤلاء "الشهداء الـ19 قتلوا لأنهم مسيحيون".
وأضاف أن سبب تطويبهم هو أنهم قتلوا بدافع من "الحقد على سلوكهم النابع من إيمانهم".
وقالت الأخت بنيديكت الصليب، وهي راهبة سيسترية تنتمي إلى الرهبنة نفسها التي كان ينتمي إليها رهبان تبحيرين وقد أتت إلى الجزائر من فرنسا، إن "الرهبان والراهبات بذلوا أرواحهم عن كامل وعي في سبيل الشعب الجزائري".
وأضافت: "من خلالهم، نحن نفكّر بكل الذين خسروا حياتهم" خلال الحرب الأهلية الجزائرية التي أوقعت حوالى 200 ألف قتيل، بينهم عدد كبير من المدنيين الذي سقطوا في تفجيرات أو مجازر تبنّتها جماعات إسلامية مسلحة أو نسبتها السلطات إلى هذه الجماعات.