قال فانس سيرنوك، زميل أول مساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد، إن قادة مجلس الشيوخ خرجوا من الجلسة المغلقة التي أطلَعتهم فيها جينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، يوم أمس الثلاثاء 4 ديسمبر/كانون الأول، على آخر تطورات قضية الصحافي جمال خاشقجي، وهُم متيقنون تماماً من أنَّ الامير محمد بن سلمان متورطٌ تورُّطاً مباشراً في قتل خاشقجي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية.
وأكد في مقالة نشرتها صحيفة The Washington Post الأميركية أن الجدل الآن سيشتدُّ بين الكونغرس وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول طرق الانتقام المناسبة من السعودية، ومن بينها فرض عقوبات والحد من المساعدات العسكرية.
لكنه شدد على ضرورة اتخاذ إجراء عاجل بعد هذه الحقيقة، ورداً على هذه الجريمة المروعة، هو زيادة الدعم الأميركي لأمثال جمال خاشقجي الأحياء في شتى أنحاء العالم، خاصة الصحافيين والأكاديميين والناشطين الحقوقيين والمفكِّرين الصرحاء الجريئين الذين يواجهون خطراً متزايداً ويخاطرون بحياتهم سعياً وراء تحسين الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
هناك المئات من الصحافيين المستهدفين
فانس سيرنوك قال إن هناك المئات من هؤلاء الأشخاص في الشرق الأوسط حالياً يسعون إلى كشف الفساد ومناصرة الحريات الأساسية مثل حرية التعبير. وهم مستمرون في مساعيهم على الرغم من التهديدات المكثفة التي لا تقتصر عليهم، بل تشمل أحباءهم. وقد طُرِد بعضهم إلى المنفى مثل خاشقجي، ولكن حتى في الخارج، ما زال العديد منهم مستهدفين.
وبإمكان الولايات المتحدة أن تفعل الكثير لمساعدة هؤلاء الأشخاص وحمايتهم.
والأهم من ذلك هو أنَّ المسؤولين الأميركيين على أعلى المستويات ينبغي أن يوضحوا لنظرائهم في الحكومات العربية أنَّ مصير الصحافيين والمعارضين ومنتقدي الحكومات أمرٌ مهم لواشنطن أو الشعب الأميركي.
وبغض النظر عن مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية، يجب على القادة العرب أن يفهموا أنَّ إساءة معاملة مواطنيهم ستؤثِّر تأثيراً مباشراً في علاقات بلدانهم مع الولايات المتحدة.
ويمكن لكبار القادة الأميركيين -بمن فيهم الرئيس ونائبه ووزيرة الخارجية- تعزيز هذه الرسالة بإشراكهم ممثلي المجتمع المدني العربي والترحيب بهم وبأفراد عائلاتهم شخصياً في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والاجتماع معهم عند زيارة الشرق الأوسط.
وهذا ما ينبغي أن يفعله كذلك أعضاء الكونغرس وموظفوه، دون الاعتماد على الإدارة. وينبغي لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب الذين استحوذ عليهم مقتل خاشقجي أن يفتحوا مكاتبهم أمام المعارضين والناشطين العرب، ويناصروا قضايا أولئك الذين تعرضوا للاحتجاز أو المضايقة ظُلماً.
وهناك منظمات لديها التفاصيل الكاملة عن هؤلاء الصحافيين
فانس سيرنوك، زميل أول مساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد، قال إنه النسبة لمن يريدون أن يعرفوا من أين يبدأون المساعدة، فهناك العديد من المؤسسات الفكرية غير الحزبية ومنظمات المناصرة الأخرى -من بينها مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط ومنظمة فريدم هاوس ومنظمة هيومان رايتس ووتش- التي يمكن أن تصل مكاتب الكونغرس بالأشخاص المُعارضين المحترمين الذين يؤدون عملاً بطولياً في ظروفٍ خطرة.
ويمكن للكونغرس كذلك زيادة التمويل لبعض المنظمات مثل الصندوق الوطني للديمقراطية الذي يساعد المجتمع المدني المُحاصَر بالصعوبات في الشرق الأوسط، ووسائل الإعلام العربية التي ترعاها الولايات المتحدة مثل قناة الحرة التي توفِّر منصةً لهذه المنظمات.
ويجب على الولايات المتحدة بذل المزيد لمعالجة المشكلة المتنامية المتمثلة في البرامج السيبرانية المتقدمة وتقنيات التجسس الأخرى المتطورة التي تُباع لحكومات الشرق الأوسط، ما يُعزِّز قدرتها على المراقبة والقمع.
ولا شكَّ أنَّ زيادة دعم الولايات المتحدة للصحافيين والناشطين والمفكرين العرب أمرٌ بالغ الأهمية لا سيما في الوقت الراهن. صحيحٌ أنَّ الملابسات الغريبة لجريمة قتل خاشقجي اجتذبت الاهتمام العالمي، لكنَّ القتل يدخل ضمن توجُّهٍ أكبر متمثل في القمع المتفاقم في الشرق الأوسط. فبعد تجربة الانتفاضة العربية عام 2011، ازداد تشدُّد حكومات المنطقة المستبدة تجاه المعارضة، وزاد مكرها في مراقبة شعوبها والسيطرة عليها.
فعلى سبيل المثال، اعتقلت الحكومة المصرية منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول ما لا يقل عن 40 عاملاً في مجال حقوق الإنسان ومحامين وناشطين سياسيين، وفقاً لما ذكرته منظمة هيومان رايتس ووتش. بينما ما زال هناك ناشطات نسويات بارزات في المملكة العربية السعودية يقبعن في السجن، من بينهن ناشطةٌ سلَّمتها دولةٌ أخرى للسعودية.
ومع الأسف، فشلت الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير في الاستجابة لهذه التطورات بطريقةٍ متماسكة أو فعالة.
وللتوضيح، لا يعني الدفاع عن حقوق الصحافيين والناشطين إطلاق حملة شعواء باسم الديمقراطية لإطاحة حكومات المنطقة. في الواقع، يمكن أن تقوم هذه الجهود على أساس المصلحة الذاتية الواقعية فقط. فعندما يشير مسؤولون أميركيون كبار إلى أنَّهم مهتمون بحقوق المعارضين، من المُرجَّح حينئذٍ أن تتعامل الحكومات المستبدة معهم بمزيدٍ من الحذر. والعكس صحيح، فعندما تُبيِّن واشنطن تردُّدها، من المرجح أن يستنتج الديكتاتوريون أنَّهم يستطيعون إشباع أفظع رغباتهم بلا عقاب.
ولا شكَّ أنَّ ذلك المسار الثاني، كما يوضح مصير خاشقجي المأساوي، ينتهي بكارثة لكل الأطراف، إذ يُسفِّر عن تصرُّفٍ شرير مروع يُسيء إلى قَِيَمنا، وكذلك أزمة في علاقةٍ مهمة تقوِّض المصالح الأميركية.
ربما لم يقصد قتلة خاشقجي التخلُّص من أحد أبرز المفكرين العامِّين في العالم العربي فقط، بل كانوا يهدفون إلى ترويع آخرين أمثاله لإسكاتهم. ولا يمكن أن يكون هناك ردٌّ أميركي أنسب من حماية أصوات المعارضين ذوي المبادئ وتضخيمها، مع إيقاف من يريدون إلحاق الأذى بهم.