أعلنت قطر أنها ستغادر منظمة الدول المُصدِّرة للبترول (أوبك) الشهر القادم (يناير/كانون الثاني 2019)، و انسحاب قطر من أوبك مثال نادر على كيف يمكن أن تمزق السياسات السامة للشرق الأوسط مجموعة ظلت متماسكة خلال عقودٍ من الحرب والعقوبات.
وقالت هيليما كروفت، الخبيرة في استراتيجية السلع بمجموعة RBC Capital Markets LLC الكندية للخدمات المصرفية، والمحللة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية: "إنَّ دلالة (هذا الانسحاب) عميقة. فبالنظر إلى أنَّ التركيز على الغاز الطبيعي المُسال لا ينبغي أن يتعارض مع العضوية في أوبك، فإنَّ هذه الخطوة، على الأغلب، ستقود كثيرين إلى استنتاج أنَّ الانقسامات الجيوسياسية قد أصبحت مستعصية إلى حد بعيد".
وذكرت وكالة Bloomberg الأميركية، أن قطر تحتل المركز الـ11 في إنتاج النفط بالمنظمة، وتسهم بأقل من 2% من الإنتاج الإجمالي، لذا فربما لا يكون انسحاب قطر من أوبك أثر كبير في النقاشات الجارية الأسبوع الحالي لخفض الإنتاج بالتنسيق مع حلفاء من خارج المنظمة، من بينهم روسيا.
انسحاب قطر من أوبك "سابقة مزعجة" للمنظمة
بيد أنَّ هذه المغادرة تشكل سابقة مزعجة لمجموعة تتفاخر بتغليبها المصالح الاقتصادية المشتركة على السياسات الخارجية، حتى في ظل أحداث متطرفة مثل الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، أو غزو صدام حسين الكويت عام 1991.
من جانبها، قالت أمريتا سن، كبيرة المحللين النفطيين في شركة Energy Aspects Ltd للاستشارات بلندن: "إنَّ انسحاب قطر من أوبك خطوة رمزية إلى حد كبير بالنسبة إلى الدوحة؛ ذلك أنَّ إنتاجها النفطي ظل ثابتاً مع احتمالات محدودة بالزيادة".
أحياناً ما تكون العلاقات داخل أوبك متآكلة، وكثيراً ما تكهَّن مراقبون بأنَّ المجموعة عُرضة للانهيار. ومع ذلك، استمر وزراء النفط من إيران والعراق في حضور الاجتماعات نفسها، حتى في الوقت الذي كانت فيه دولتاهما تخوضان حرباً دموية تضمنت استخدام الأسلحة الكيماوية.
وفي منتصف التسعينيات، بدت فنزويلا في بعض الأحيان على وشك الانسحاب. وحاول كذلك بعض السياسيين الأميركيين اليمينيين إقناع العراق بالانسحاب من المنظمة بعد غزو 2003، لكنَّ بغداد قاومت هذه الضغوط.
أما إيران والسعودية، فعلى الرغم من الخصومة المريرة المستمرة منذ سنوات عدة بينهما، إذ تدعم كلتاهما أطرافاً متعارضة في الحربين الأهليتين بسوريا واليمن، كانتا قادرتين على التفاوض حول التسويات داخل المقر الرئيسي للمجموعة في فيينا.
وعلى مدى 60 عاماً، 3 دول فقط غادرت المنظمة
وعلى مدى تاريخ هذا الاتحاد، غادرت 3 دولٍ منظمة أوبك، لكن عاودت اثنتان منها الانضمام إليها لاحقاً. وفي الآونة الأخيرة، علَّقت إندونيسيا عضويتها في أوبك؛ نظراً إلى أنَّ ارتفاع وارداتها من النفط بفارق كبير عن صادراتها، جعل انضمامها إلى تخفيضات الإنتاج عام 2016 أمراً غير عملي.
وكانت قطر أول بلد ينضم إلى أوبك بعد الدول الخمس المؤسِّسة –إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا– التي أنشأت هذه المجموعة عام 1960، وهي أول دولة شرق أوسطية تغادر المجموعة.
لكن انسحاب قطر لن يؤثر على المنظمة
ووفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، تضخ قطر نحو 600 ألف برميل يومياً، في حين تنتج السعودية، أكبر مصدّري النفط بالعالم، 11 مليون برميل يومياً. ويأتي انسحاب قطر من أوبك ، بوقت حازت فيه دول من غير الأعضاء في أوبك نفوذاً كبيراً، إلى جانب السعودية، في تحديد السياسة النفطية.
وقال نعيم أسلم، المحلل في ThinkMarkets للمضاربة المالية عبر الإنترنت: "لا يعد انسحاب قطر من أوبك خبراً عظيماً لسوق النفط، ولم يستوعب المشاركون في السوق بعدُ الآثار الكاملة لهذه الأخبار. ما فعله القطريون ببساطة، هو أنَّهم استخدموا أقوى أسلحتهم، ولا يعني هذا سوى المزيد من عدم الاستقرار في العلاقات القطرية-السعودية".
وأضاف أسلم: "في الحقيقة، لن نفاجأ إذا بدأت دولٌ أخرى في اتباع المسار ذاته، وهو ما سيترتب عليه فقدان السيطرة على العرض والطلب، لأنَّ كل بلد سيصبح بإمكانه فعل ما يحلو له. نعم، حتى الآن، ثمّة تفاؤل بأنَّ السعودية وروسيا ملتزمتان بالحفاظ على إمدادات النفط تحت السيطرة. وقد أدى هذا إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أنَّ أكبر مقاطعة منتِجة للنفط في كندا تعمل على تخفيض الإنتاج".
وتأتي مغادرة قطر وسط أزمة في العلاقات بين دول الخليج
إذ فرض تحالف تقوده السعودية حصاراً على قطر في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي (2017)، قُطِعَت فيه الروابط الدبلوماسية والتجارية ووسائل النقل، على خلفية اتهام هذه الدول للدوحة بتمويل الجماعات المتطرفة وأنها شديدة القرب من إيران.
وتغادر قطر أيضاً في وقت أصبحت تنطوي فيه عضوية أوبك على مخاطر سياسية أوسع نطاقاً. فبالإضافة إلى الهجمات اللفظية من ترامب ضد المنظمة، تُراجع وزارة العدل الأميركية رسمياً تشريعاً يهدف إلى تقويض المنظمة.
وفي حال نجحت الوزارة في تمرير هذا التشريع، فإنَّ مشروع قرار NOPEC قد يجعل أعضاء المجموعة عُرضة لهجمات قانونية بموجب قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار Sherman Antitrust Act لعام 1980، الذي استُخدِم منذ أكثر من قرنٍ مضى في تفكيك إمبراطورية جون روكفلر النفطية.
وقال جو ماكمونيغل، المحلل النفطي بشركة Hedgeye Risk Management LLC، ومسؤول بارز سابق في وزارة الطاقة الأميركية، إنَّ مغادرة قطر "تمثل مشكلة في العلاقات العامة، وربما تمثل مشكلة معنوية" في وقت عصيب تمر به المنظمة.
والدوحة تنفي أن يكون قرارها مدفوعاً بعوامل سياسية
وفي سياق إعلان انسحاب قطر من أوبك ، قال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، إنَّ بلاده غير راغبة في "بذل جهود واستثمار موارد ووقت في منظمة لسنا سوى لاعب صغير للغاية فيها، وليس لدينا قول فيما يحدث فيها".
وتقول قطر إن قرارها المفاجئ بالخروج من أوبك، التي تضم 15 عضواً من بينهم قطر، ليس مدفوعاً بعوامل سياسية، ولم تذكر اسم السعودية، لكن سعد الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، قال: "لا نقول إننا سنخرج من نشاط النفط، لكن المنظمة التي تسيطر عليه تديرها دولة واحدة".
وذكر الكعبي، وفق ما نقلته رويترز، أن قطر ستحضر اجتماع أوبك يومي الخميس والجمعة 6 و7 ديسمبر/كانون الأول 2018، في فيينا، وأنها ستلتزم بتعهداتها، مضيفاً أن الدوحة ستركز على إمكاناتها في مجال الغاز.
وقال الوزير إنه من غير العملي "وضع جهود وموارد ووقت في منظمة نحن لاعب صغير للغاية فيها ولا قول لنا فيما يحدث".
وقال رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، على تويتر، إن منظمة أوبك "تُستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية".
وعلَّق أيمن كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة Eurasiagroup للأبحاث، حسبما نقلت عنه صحيفة The New York Times الأميركية، إنَّ السعودية وروسيا هما من "تُمليان طبيعة أي تعاون لموازنة السوق، وليس أياً من الدول الأخرى".