وصف موقع The Middle East Eye البريطاني القمة الخليجية المرتقبة في الرياض يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بأنها قمة لنقاشات جوفاء، ولن تقدم أي جديد بشأن حل الأزمة الخليجية الراهنة بين قطر من جهة ودول أخرى خليجية تحاصرها -على رأسها السعودية- من جهة أخرى، كما أنها لن تتطرق إلى الملفات الحساسة بين الكويت والسعودية أيضاً.
وقال أندرياس كريغ، الأكاديمي بقسم دراسات الدفاع في كلية كينغز بلندن، في مقال بالموقع البريطاني، إن الولايات المتحدة حاولت الضغط على ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، في خضم عزلته الدولية عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، من أجل حل الأزمة مع الدوحة، لأن الانقسام الناجم عن الأزمة يعطل استراتيجية واشنطن في الخليج.
وأضاف الكاتب البريطاني أنَّ قضية جمال خاشقجي أثارت أسئلةً جوهرية حول طبيعة ومصلحة العلاقات السعودية-الأميركية في واشنطن. حتى إن الجمهوريين المؤيدين للرياض منذ فترةٍ طويلة، مثل السيناتور ليندسي غراهام، أبعدوا أنفسهم عن ولي العهد محمد بن سلمان، ما جعلهم يُسهمون في جبهةٍ مناهضةٍ للسعودية، يشارك فيها نوابٌ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لم يكن لها مثيلٌ منذ أكثر من 70 عاماً في العلاقات الأميركية-السعودية.
صوَّت مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الأربعاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لصالح اقتراحٍ مُقدَّم من الحزبين بسحب الدعم الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
رواية تحفظ ماء الوجه
وبحسب الموقع البريطاني، كانت رحلة وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، إلى الرياض، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، محاولةً حذرة من قِبل وزارة الخارجية الأميركية لمساعدة القيادة السعودية في العثور على رواية تحفظ ماء وجوههم، تقترح أمام العالم أنَّ سيادة القانون سوف تسود، في حين أنَّ محمد بن سلمان بإمكانه تجنُّب طائلة العدالة.
ويبدو أحدث مقال كتبه بومبيو في صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، أشبه بمقالٍ كُتِبَ بحرصٍ ليكون دعايةً موالية للسعودية، أكثر من كونه بياناً متوازناً حول المصالح والقيم الأميركية من قِبل كبير الدبلوماسيين الأميركيين.
وفي أثناء ذلك، أدركت إدارة ترامب أنَّها اكتسبت المزيد من النفوذ على ولي العهد المُتسرِّع والمُشوَّش، والذي يعتمد بقاؤه -حتى داخل عائلته- على واشنطن. وكون محمد بن سلمان تحت رحمة الولايات المتحدة يعني أنَّ البيت الأبيض يستطيع الحصول على مزيدٍ من التنازلات من السعودية، خاصةً فيما يتعلَّق بقضيتين باءت محاولات واشنطن حيالهما في الرياض بالفشل، بحسب الموقع البريطاني.
أولاً، أوضحت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً، أنَّ الحصار المستمر الذي تفرضه السعودية والإمارات على قطر لا يُقوِّض الاستقرار الإقليمي فحسب، بل يُهدِّد أيضاً خطط الولايات المتحدة لإقامة "الناتو العربي". ثانياً، وسط انتشار صور مروِّعة لملايين اليمنيين الذين يتضوَّرون جوعاً، طالب البيت الأبيض السعودية باتخاذ خطوات بنَّاءة للتوصُّل إلى حلٍّ سياسي لهذه المذابح.
مع استخدام قضية خاشقجي كورقةٍ للمساومة، "عملت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على مصالحة الملك سلمان وابنه المارق مع جارتهما قطر، وقبول عملية سياسية شاملة لإنهاء الحرب مع الحوثيين".
أزمة وجودية
وتابع الكاتب البريطاني: "يبدو أنَّ هذا هو السياق الذي ستُنظَّم في خضمه قمة مجلس التعاون الخليجي لعام 2018، التي تستضيفها مملكةٌ واقعةٌ في أزمة وجودية وتفتقر إلى أيِّ عاصمة اقتصادية، أو سياسية، أو عسكرية. يجب على السعودية الآن أن تُثبت للولايات المتحدة أنَّها يمكن أن تكون قوةً لتوحيد المنطقة بدلاً من تقسيمها.
وعلى الرغم من أنَّ وزير الخارجية الكويتي أعرب عن تفاؤله بأنَّ الدول الست الأعضاء ستقبل دعوة المملكة للقدوم إلى الرياض، من الصعب تخيُّل أنَّ مستوى التمثيل من قطر بوجهٍ خاص سيكون مرتفعاً.
ونشر حساب Khaliji Observer تغريدةً على موقع تويتر، يقول فيها: "تقع قمة دول مجلس التعاون الخليجي القادمة، والتي من المُرجَّح أن تُعقَد في 9 ديسمبر/كانون الأول 2018 بالرياض، قيد التكهُّنات حول ما إذا كان ملف قطر سوف يُناقَش أم لا. ومع ذلك، يقول دبلوماسيون إن النزاع بين السعودية وقطر ليس أولويةً بالنسبة للقمة".
The upcoming GCC Summit which is likely to held on Dec 9 in #Riyadh is under speculations that whether the #Qatar file will be discussed or not. However, diplomats say that the dispute between Saudi and Qatar is not a priority for the summit #GCCSummit2019 pic.twitter.com/xnJvd2RelG
— Khaliji Observer (@KhalijiObserver) November 19, 2018
محاولة إيجاد حل تكنوقراطي
وبحسب المقال، في الأسابيع الأخيرة، ظهرت شائعاتٌ مُتكرِّرة حول محاولة التواصل السعودي على مستوى مسؤولين أقل شأناً مع قطر، للنقاش حول حلٍّ تكنوقراطي للحصار المستمر. وعلى ما يبدو، كانت الرياض بعد الضغوط الأميركية قد أشارت إلى أن الدوحة ستكون مستعدة لمناقشة قواعد مُخفَّفة للمواطنين القطريين للسفر إليها من أجل الحج، وحرية تنقُّل العائلات التي تزور أقاربها على جانبي الحدود، واحتمال إعادة فتح الحدود البرية الوحيدة التي تربط بين شبه الجزيرة القطرية والمملكة السعودية.
في الوقت الذي تبدو فيه هذه النقاط الثلاث القضايا الأكثر إلحاحاً المتبقية بالنسبة لقطر، وهي الدولة التي باتت ترى عزلتها من قِبل الرياض وأبوظبي فرصةً أكثر من كونها عقبة، فإنَّ أيَّ تنازلٍ سعودي بشأن هذه القضايا لن يؤدي إلى تحقيق مصالحة كاملة بين الدوحة وولي العهد السعودي.
ومن ثم، فإنَّ تصريحات وزير الخارجية الكويتي بأنَّ القمة ستُقدِّم "شعاع أمل لإحياء الجهود لحل النزاع الخليجي" يجب ألا تُصدَّق بشكلٍ تام.
أولاً، كما هو الحال بأزمة الخليج الأخيرة في عام 2014، فإنَّ أبوظبي غير مستعدة للتحدُّث مع قطر. بالنسبة لأبوظبي، فإنَّ شكاواها الأيديولوجية حول نظرة الدوحة الأكثر ليبرالية للشؤون الإقليمية أهم من وحدة مجلس التعاون الخليجي. يبدو أنَّ الشراكة الثنائية بين الإمارات والسعودية تعمل بصورة أكثر فاعلية، ويرجع ذلك إلى التوافق الوثيق بين المصالح والقيم.
ثانياً، نجحت قطر في اجتياز الحصار اقتصادياً وسياسياً، إذ بَنَتْ تحالفات جديدة، ونفَّذَت جهود الإصلاح التي تجعل منها شريكاً أكثر جاذبية للغرب، إلى حدٍّ ما على حساب منافسيها في الرياض وأبوظبي.
ثالثاً، من الصعب تخيُّل أنَّ أمير قطر سيكون جاهزاً في هذه المرحلة لمصافحة محمد بن سلمان، وهو رجلٌ تآمر لاستخدام أي وسيلة ضرورية للإطاحة بالأمير من السلطة في عام 2017.
قمة نقاش فارغة
ومن ثم، فإنَّ قمة 2018 في الرياض لن تختلف كثيراً عن القمة السابقة بالكويت. وفي حين ستحضر قطر القمة بالتأكيد، فإنَّ مستوى التمثيل سيكون محدوداً، ويركز برنامج القمة على القضايا الهامشية مثل التكامل العسكري، وهو موضوع لا معنى له عند النظر إلى أنَّه قبل أكثر من عام بقليل، كان بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي على استعداد لاستخدام القوة العسكرية بعضهم ضد بعض، بحسب المقال.
وفي الوقت نفسه، أثار التوتر بين السعودية والكويت حول وضع آبار النفط بالمنطقة المحايدة بين البلدين المخاوف في مدينة الكويت، بسبب التصعيد المُحتَمَل للنزاع مع الأخ الأكبر عبر الحدود.
وفي عُمان، كان هناك شعورٌ بعدم الارتياح تجاه سياسات الإمارات التوسعية، حيث اتُّهِمَت أبوظبي بالتدخُّل في خلافة عُمان الحساسة.
عندما يتعلَّق الأمر بالسياسة الخارجية، يبدو أنَّ هناك أموراً كثيرة تُفرِّق بين دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام (2018) أكثر مما توحِّده. ويبدو أنَّ الاتفاقات الثنائية بين الدول الأعضاء لها الأسبقية على مفاوضات القمة الشاملة رفيعة المستوى.
ويبدو أن مجلس التعاون الخليجي انحدر مستواه أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى حلقات نقاش فارغة شبيهة بتلك التي في جامعة الدول العربية، حيث ستحصل كل دولة عضوة في المجلس على الكلمة سنوياً لتقديم بيان مُبهم للسياسة، في حين يُجرى اتخاذ القرارات بمكانٍ آخر. وكل هذا من أجل تلبية المطلب الأميركي لوحدة الخليج ضد إيران، وسط الانقسام الذي زرعته واشنطن.