تحوَّل الصراع بين الرئيس التونسي وحزب النهضة الإسلامي، مما هو سياسي، إلى اتهامات بمحاولة اغتيال وتخويف وجَّهها الباجي قائد السبسي للنهضة، بعد التقرير الذي تسلَّمه من هيئة الدفاع عن القياديين اليساريين اللذين اغتيلا في 2013، وردت حركة النهضة ببيان دعا من خلاله إلى تجنب إدخال مؤسسة الرئاسة في شؤون القضاء.
إلا أن الرئيس التونسي عاد مجدداً، صباح الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، الذي يحتفل فيه بعيد ميلاده الـ 92، ليوجه اتهامات جديدة لحركة النهضة، التي اتهمها بـ "تهديد رئاسة الجمهورية"، وأنه سيقاضي "الحزب الإسلامي".
مخطط لاغتيال الباجي قائد السبسي والرئيس الفرنسي السابق هولاند
يوم الإثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كان الرئيس التونسي على موعد في قصر قرطاج الرئاسي، مع استقبال ثلاثة أعضاء من لجنة الدفاع عن القياديين اليساريين التونسيين بلعيد والبراهمي، حيث كرروا خلال اجتماعهم اتهامهم لحركة النهضة بتورطها في الاغتيالين، وطلبوا منه تفعيل مجلس الأمن القومي وتكوين لجنة للتدقيق في تهمهم.
وكشفت اللجنة لأول مرة عن وجود مخطط سابق لاغتيال الباجي قائد السبسي مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، أثناء زيارة الأخير إلى تونس عام 2014، وربما ساعدت هذه المعلومة الجبهة الشعبية لشد انتباه، السبسي وتغذية الصراع بين الرئيس التونسي وحزب النهضة .
ونقلت التقارير التونسية، بعد استقبال الرئيس الباجي قائد السبسي وفداً من الهيئة يضم المحامين رضا الباسي، ورضا الرداوي، وإيمان بجارة. وأكد الوفد في لقائه للرئيس السبسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي "تورط النهضة وقيادات بارزة منها في جرائم الاغتيال والعنف".
كما ورد في التقرير الذي أمدّ به الوفد الرئيس السبسي، مستجدات اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والجهاز السري لحركة النهضة.
وقال عضو الهيئة، رضا الرداوي "إن الهيئة حصلت على وثائق جديدة تثبت أن أحد الأجهزة التي يستخدمها التنظيم السري للحرق، صنعه عبدالعزيز الدغسيني صهر راشد الغنوشي". وأضاف أنه "تمت سرقة الجهاز بعد حجزه، فيما لم يتم الاستماع أو استجواب صهر الغنوشي من قبل قاضي التحقيق".
تهجمات باطلة وتهم زائفة تجاه حركة النهضة التونسية
رد حركة النهضة على هذه الاتهامات "الخطيرة" لم يتأخر، إذ أصدرت بياناً موقعاً من رئيسها راشد الغنوشي، نبّهت فيه إلى خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة في شؤون القضاء لضرب استقلاليته، مجدِّدة حرصها على التوافق مع الرئيس الباجي قائد السبسي، ومختلف القوى السياسية.
وأوضحت الحركة في البيان أنها "تنبّه إلى خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة، بأساليب مُلتوية، بِنِيّة ضرب استقلالية القضاء، وإقحامه في التجاذبات السياسيّة، من طرف المُتاجرين بدم الشهيدين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، رحمهما الله".
واعتبرت النهضة أن فريق الدفاع عن بلعيد والبراهمي، نقل "تهجُّمات باطلة، وتهماً زائفة تجاه حركة النهضة".
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفى القيادي بحركة النهضة، علي العريض، وجود أي تنظيم سري تابع للحركة.
واتهم العريض الجبهة الشعبية بأنها "احترفت الافتراء على حركة النهضة وتشويهها"، واعتبر العريض، الذي سبق أن شغل منصبي رئيس الحكومة ووزير الداخلية في الفترة ما بين 2011 و2013، أن الجبهة الشعبية اعتدت على مؤسسات الدولة.
وذكر أن مصطفى خذر، الذي تحدثت بخصوصه هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي، سبق أن ألقت السلطات القبض عليه في 2013، وصدر من القضاء حكم في حقه بـ8 سنوات سجناً، وهو مازال يقضي هذا الحكم إلى اليوم، وفق تعبيره.
بلاغ الحركة لم يكن ليوقف الصراع بين الرئيس التونسي وحزب النهضة
فقد اعتبر رئيس الجمهورية التونسية أن "بيان حركة النهضة الصادر عقب لقائه الإثنين، بهيئة الدفاع عن القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، يحمل تهديداً لرئاسة الجمهورية"، في عز الصراع بين الرئيس التونسي وحزب النهضة .
وتابع السبسي في كلمة له لدى إشرافه على مجلس الأمن القومي المنعقد الخميس بقصر الرئاسة بقرطاج، أن ذلك اللقاء أثار حفيظة حركة النهضة… وأنه "لن يسمح بهذا التّهديد، وسنلتجئ للقضاء".
وأضاف: "تهمني مصلحة تونس، ولست ضد أي طرف، وليس لدي إشكال معهم (حركة النّهضة)، هم موجودون في المشهد السياسي ويجب التعامل معهم".
ولفت إلى أنه "يستقبل أي جهة ترغب في لقائه (في إشارة إلى لقائه بهيئة الدفاع المذكورة). ولكنني لا أتحكم فيما يقولون، أستمع لهم فقط".
لكن ماذا عن الاتهامات التي وجَّهها السبسي لأعضاء حزبه بـ "محاولة اغتياله"؟
في شهر سبتمبر/أيلول 2014، عندما كان يستعد الباجي قائد السبسي للترشح للانتخابات الرئاسية، فتحت النيابة العامة تحقيقاً، بعد أن اتهم الباجي قائد السبسي (87 عاماً)، أفراداً داخل حزبه بمحاولة اغتياله.
واتهم السبسي، الذي كان يعتبر آنذاك من أبرز معارضي حركة النهضة الإسلامية، أشخاصاً "تسللوا" إلى حزبه "نداء تونس"، ويرفضون ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني بالسعي إلى اغتياله.
وقال متحدث باسم النيابة: "بعد تصريحات الباجي قائد السبسي خلال اجتماع 12 سبتمبر/أيلول 2014، فتحت النيابة تحقيقاً وسيقوم قاضي التحقيق باستدعاء السبسي ليكشف المتورطين"، وذلك استناداً إلى مواد قانون العقوبات المتعلقة بـ "محاولة قتل وتشكيل عصابة أشرار".
وشهد حزب "نداء تونس" وقتها انقساماً داخلياً بين مؤيدين لترشح السبسي ومعارضين له، فضلاً عن الموقف الواجب تبنيه حيال أعضاء سابقين في نظام زين العابدين بن علي.