بعد 3 سنوات على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة، اتهمت النيابة العامة في روما عدداً من ضباط الشرطة المصريين بالوقوف وراء جريمة مقتله التي ما زالت غامضة حتى الآن، من بينهم الضابطان بجهاز الأمن الوطني، الرائد شريف مجدي عبد العال، وعثمان حلمي.
وقالت صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إن المدعي العام الإيطالي سمّى عدداً من الضباط بقطاع الأمن الوطني المصري، باعتبارهم مشتبهاً بهم في قتل ريجيني، وهم أول مصريين يسمهم الجانب الإيطالي، لصلتهم بالقضية، عقب 3 سنوات من العثور على جثة ريجيني.
وتأتي تلك الخطوة بعد اجتماع، هو العاشر من نوعه بين سيرغيو كولايوكو نائب المدعي العام الإيطالي والسلطات المصرية، في القاهرة.
وقال المدعون الإيطاليون لصحيفة The Guardian البريطانية، إنَّ النيابة العامة في روما قررت اتخاذ هذا الإجراء من طرفها بعد تردد القاهرة في حسم القضية.
روما تشعر بالإحباط من القاهرة
وبحسب صحف إيطالية، فإن المدعين الإيطاليين يشعرون بالإحباط من قلة التقدم المُحرَز بالتحقيق، في أعقاب زيارة نائب المدعي العام الإيطالي القاهرة. ولدى عودته إلى إيطاليا، أدرج المدعون أسماء ضباط الأمن المصريين إلى قائمة المشتبه فيهم الأولية.
وكان ريجيني اختفي في يوم 25 يناير/كانون الثاني عام 2016، وعُثر على جثته وبها آثار تعذيب، على طريق صحراوي ناءٍ خارج القاهرة، في الرابع من فبراير/شباط من العام نفسه، ما أثار شكوكاً بأن الضباط المصريين كانوا متورطين في اختفائه ومقتله.
وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام (2018)، قال النائب العام الإيطالي غوسيبي بيناتوني، إنَّه يعتقد أنَّ ريجيني قُتَِل بسبب البحث الذي كان يجريه، والذي يركز على النقابات العمالية في مصر. وأثارت وفاته انقطاعاً في العلاقات المصرية-الإيطالية، حيث استدعت إيطاليا سفيرها في القاهرة، خلال الفترة ما بين أبريل/نيسان 2016 وسبتمبر/أيلول 2017.
وقدمت السلطات المصرية، في بادئ الأمر، عدة تفسيرات لوفاة ريجيني، من ضمنها ادعاء أنَّه قُتل في إطار عمل عصابة تهريب آثار، أو بسبب أنشطته الجنسية.
وقتلت قوات الأمن المصرية بضواحي القاهرة، في مارس/آذار 2016، خمسة رجال، زُعم أنَّهم من أعضاء العصابة، وادعت السلطات المصرية أنَّهم قتلوا ريجيني، ثم برَّأهم النائب العام المصري لاحقاً.
من هم المتورطون في القضية؟
وبحسب صحيفتي Corriere della Serra وla Repubblica الإيطاليتين، تضم قائمة المشتبه فيهم المحتملين بالقضية الرائد شريف مجدي عبد العال، وعثمان حلمي من جهاز الأمن الوطني المصري، ويُعتقد أنَّهما الضابطان اللذان جنَّدا رئيس نقابة الباعة الجائلين، محمد عبد الله، للتجسس على ريجيني في أثناء إعداد بحثه.
وصوَّر عبد الله سراً مقطع فيديو لريجيني في أثناء لقاءٍ، حيث كان يحث طالبَ الدكتوراه على منحه أموالاً لاستخدامه الشخصي. وبث التلفزيون المصري الفيديو في وقتٍ لاحق.
وقال عبد الله لمجلة l'Espresso الإيطالية: "كان يطرح أسئلة كثيرة للغاية"، لافتاً إلى أنَّه ظن خطأً أن ريجيني جاسوس. وقال عبد الله في حديث مع صحيفة The Guardian، في سبتمبر/أيلول 2016: "ريجيني تحدث إليَّ عن أشياء اعتقدت أنَّها تهم (جهاز) الأمن الوطني".
أمر عبد العال أيضاً باعتقال أحمد عبد الله -وهو ليس من أقرباء محمد عبد الله- رئيس مجلس أمناء المفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي يعمل محاموها مستشارين قانونيين في مصر لعائلة ريجيني. وسُجن أحمد عبد الله بعد 5 أشهر من بقائه بالحجز الاحتياطي في 2016، بعد توجيه مجموعة من التهم إليه، من ضمنها الدعوة إلى الإطاحة بالنظام، والتحريض على العنف، والانتماء إلى جماعة إرهابية. ولطالما اعتقد أنصاره أنَّ التهم مفتعلة، وتهدف إلى إثناء المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن العمل على قضية ريجيني، بحسب الصحيفة البريطانية.
الأمن الوطني كان يراقبه
وأعرب المدعون الإيطاليون، سابقاً، عن شكوكهم في أنَّ ريجيني كان يتتبعه ضباط من جهاز الأمن الوطني المصري، لكنهم شعروا بالإحباط لاحقاً من قلة تعاون القاهرة في تحديد هويتهم.
وأبرزت صحيفة Corriere della Sera كيف أنَّ المخابرات الإيطالية كانت تعمل على تتبُّع تحركات ريجيني بناء على تحركات ضباط أمن مصريين، على الأخص 5 عملاء من جهاز الأمن الوطني، الذين يُعتقد أنَّهم كانوا يتتبعون ريجيني حتى يوم 22 يناير/كانون الثاني 2016، أي قبل 3 أيام من اختفائه، واستأنفوا عملهم يوم اختفاء الباحث وهو في طريقه للقاء صديق له. ومن ضمن هؤلاء العملاء المزعومين عبد العال وحلمي.
وتضمنت أشرطة نظام كاميرات المراقبة في مترو الأنفاق بالقاهرة، ليلة اختفاء ريجيني، فجوات كبيرة وغير مبررة حين قُدِّمت إلى السلطات الإيطالية هذا العام (2018)، وفقاً لممثلي الادعاء الإيطاليِّين. وبعد عامين من محاولة الحصول على أشرطة كاميرات المراقبة إضافة إلى سجلات الهاتف وأدلة أخرى، تسببت قلة تعاون الجانب المصري في صدع بين فريقي المحققين، ودفعت الإيطاليين إلى المضي قدماً في الجزء الخاص بهم من التحقيق، وأدرجوا الضباط المصريين على قائمة المشتبه فيهم.
امتنع المدعون في روما عن الإدلاء بأي تصريحات عندما تواصلت معهم صحيفة The Guardian. ورفضت كذلك أليساندرا باليريني، محامية عائلة ريجيني، التعليق على الأمر. ويوم الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال روبرتو فيكو، رئيس مجلس النواب الإيطالي، إنَّ إيطاليا "علَّقت المحادثات الدبلوماسية مع البرلمان المصري لحين حل القضية".
ورغم الادعاءات المتكررة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بأنَّ لديه "إرادة ورغبة قوية" في تقديم قتلة ريجيني للعدالة، ظل المسؤولون المصريون متكتمين إلى حدٍ كبير، بشأن القضية، وسط شكوك في أن القاهرة لديها رغبة ضئيلة في رؤية تقدُّم بالتحقيق.
ولم يردَّ أحمد ناجي، النائب العام في قضية ريجيني، الذي أشرف على القضية منذ اختفاء الباحث، ووزارةُ الخارجية المصرية، على طلبات من صحيفة The Guardian للتعليق على قائمة المشتبه فيهم، التي حدثها الجانب الإيطالي.