يبدو أن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا لم تعد حكراً على الشباب العرب الذين يعانون البطالة ببلدانهم. ففي واقعة غريبة، فاجأ سياسي تونسي، كان يشغل منصب مستشار في بلدية رادس قرب العاصمة تونس، رئيس البلدية برسالة استقالته على البريد الإلكتروني، بعد أيام من رحيله إلى ألمانيا.
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه رئيس البلدية عودة المستشار من ألمانيا بعد مشاركته في أيام دراسية، اختار المستشار شكري معشّة البقاء في ألمانيا بطريقة غير شرعية، على العودة إلى تونس.
سياسي تونسي ذهب في مهمة رسمية فاختار الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا!
بعد انتشار خبر "حرق" السياسي التونسي على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، خرج رئيس بلدية رادس، فتحي بن حميدة، ليؤكد لوسائل إعلام محلية ما راج عن "حرقة المستشار البلدي شكري معشّة إلى ألمانيا وتقديمه استقالته من منصبه".
وقال بن حميدة في تقارير صحافية تونسية، الأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إن المستشار قدم استقالته عبر البريد الالكتروني في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعد أن رفض العودة إلى تونس واختار البقاء في ألمانيا، حيث كان حاضراً في أيام دراسية شارك فيها مستشارون بلديون شبّان.
وأوضح رئيس بلدية رادس التونسية أنّ المستشار البلدي الذي اختار الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ، شارك في الأيام الدراسية التي نظّمتها جمعية "مراقبون عن اللامركزية ومسار الديمقراطية"، بعد إجراء قرعة شملت المستشارين البلديين الأقل من 35 سنة، وأشار إلى أن ملتقى المستشارين البلديين انعقد من 21 إلى 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأنّ شكري معشّة "تخلّف عن العودة إلى تونس".
تونسيون معارضون وآخرون مؤيدون لما قام به المستشار البلدي
وقال المسؤول التونسي إن المجلس البلدي في رادس اجتمع يوم الإثنين 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وأنجز تقريراً عن موضوع الاستقالة، من المنتظر أن يتم إرساله إلى والي بن عروس، ليراسل بدوره الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستنظر في تعويض المستشار البلدي المستقيل بعضو آخر من القائمة المستقلة التي ترشّح عنها.
وتداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي خبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا التي قام بها المستشار البلدي إلى ألمانيا، بشكل واسع، غير أن مواقفهم اختلفت بين مؤيد لقرار السياسي التونسي ورافض له، على اعتبار أنه يسيء إلى سمعة تونس.
المستشار البلدي شكري معشة، رئيس لجنة التثبت بالمجلس البلدي لبلدية رادس، حرق لألمانيا، أن يحرق شاب تونسي أمر أصبح عاديا…
Gepostet von Faycel Mbarki am Mittwoch, 21. November 2018
وقال أحد رواد فيسبوك: "أن يحرق شاب تونسي أمر أصبح عادياً، أما الغريب والعجيب في هذه الحكاية، أن هذا المسؤول حرق بأموال الشعب الذي انتخبه، على اعتبار أنه سافر في مهمة رسمية لتمثيل تونس في ملتقى المستشارين البلديين الشبان".
وأضاف بتدوينة نشرها على صفحته في فيسبوك: "خوفي كل الخوف أن يطلب اللجوء السياسي ويقدم ملفاً يزيد فيه من تشويه سمعة البلد، المشوهة أصلاً في الخارج".
و توحدت الاماني في تونس ..متى نهاجر ؟شكري معشة .. اسم يتداوله الاعلام و التونسيون ..لانه تخلى عن منصب مستشار البلدي…
Gepostet von Hassen Belwaer am Mittwoch, 21. November 2018
في المقابل، تعاطف آخرون مع ما أقدم عليه السياسي التونسي الشاب، معللين موقفهم بالأوضاع الصعبة التي تعيشها تونس، خاصة اقتصادياً، في ظل غياب فرص الشغل وغلاء المعيشة الشيء الذي يدفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا .
95 ألف تونسي هاجروا إلى الخارج خلال السنوات الـ6 الأخيرة
بلغ عدد المهاجرين خلال السنوات الـ6 الأخيرة 95 ألف تونسي، 78% منهم كفاءات جامعية، بحسب ما أعلنه الأستاذ الجامعي والخبير بالمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، مختار الكوكي، الذي أكد أنّ أصحاب الكفاءات في أوروبا يبلغ حالياً نحو 24445 شخصاً.
وأوضح الكوكي، خلال ندوة فكرية نظمت مؤخراً في تونس، أن قطاع الصحة يتصدر قائمة القطاعات المصدرة الأدمغة، يليها قطاع التعليم والفلاحة والصيد البحري والميكانيك والإلكترونيك والمالية والاقتصاد والعلوم الفيزيائية والكيميائية، لافتاً إلى أن ألمانيا تمثل وجهة جديدة بالنسبة للأطباء التونسيين.
من جانبه، أبرز الأستاذ الجامعي محمد جاوى أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، فضلاً عن ضعف مستوى العيش وتدهور مناخ الاستثمار وعدم الاستقرار الأمني، كلها أسباب دفعت إلى هجرة الكفاءات نحو الخارج.
ويرى مراقبون أنّ هجرة الكفاءات تعود إلى سببين: أولهما تدنّي الرواتب في تونس مقابل تلك التي تُمنح في دول الاستقطاب على غرار فرنسا وبلجيكا وكندا، إذ يساوي الأجر هناك 6 أضعاف ونصف الأجر في تونس..
أما السبب الثاني، فيتعلّق بالمناخ العلمي المريح والمتطور الذي تتيحه بلدان الإقامة للباحثين وما يتوافر فيه من وسائل البحث العلمي، هذا إضافة إلى البطالة التي تمسّ أصحاب الشهادات العليا،من بينهم 4740 مهندسا ً و1500 طبيب (إحصائيات 2016)، وكذلك البيئة العلمية والثقافية.