ذكرت صحيفة The Financial Times البريطانية إن الاحتمالات المصاحبة لخمس سنوات أخرى في ظلِّ حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ، ومع تركز أذرع السلطة في أيدي مجموعة مبهمة تحيط به، "يتسبب في قلقٍ للدولة الواقعة بشمال إفريقيا، التي تعتبر مُصدِّراً رئيسياً للغاز الطبيعي إلى أوروبا".
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن النقاد يقولون إن إعادة انتخاب "رئيس ضعيف"، يهدد بإطالة أمد الشلل السياسي في البلاد، التي تواجه التحدي الكبير لتحويل اقتصادها المعتمد على النفط والغاز من أجل خلق فرص عمل لملايين من الشباب المحبط، وتعتمد في الوقت ذاته على احتياطيات النقد التي تواجه انخفاضاً.
ورغم أن بوتفليقة قد يكون مريضاً وهرماً ونادراً ما يظهر أمام الجمهور بعد تعرضه لسكتة دماغية في 2013، لكن رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة يبدو أنه في طريقه نحو عهدة رئاسية خامسة، تقول صحيفة The Financial Times البريطانية.
مرض الرئيس بوتفليقة لا يمنع السياسيين من دعمه لولاية خامسة
أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهو الحزب الرئيسي في الائتلاف الحاكم، في الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول، أن بوتفليقة سيكون مُرشَّحَه في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أبريل/نيسان القادم. وأعلنت أحزابٌ جزائرية ذات نفوذ وكذلك الاتحاد العمالي الرئيسي في البلاد عن دعمهم لترشحه.
وقد جرى قمع الاحتجاجات النادرة التي تعترض على ترشُّح القائد البالغ من العمر 81 عاماً للاستمرار تحت حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة .
في ظهور نادر أمام الجمهور هذا الشهر خلال احتفالية للترحم على أرواح شهداء البلاد خلال حرب الاستقلال، بدا بوتفليقة ضعيفاً ومنحني الظهر في كرسيه المتحرك.
ولا يعرف الكثير عن حالته الصحية الحقيقية، لكن القنوات التلفزيونية لم تبث صوته منذ أعوام. في شهر سبتمبر/أيلول، زعم برنار باجوليه، مدير الاستخبارات الفرنسية الذي كان سفيراً لفرنسا لدى الجزائر من قبل، إن بوتفليقة لا يزال حياً بفضل الوسائل الاصطناعية.
فهم غير قادرين على الاتفاق حول خليفة لبوتفليقة
يقول مُحلِّلون ومعارضون إن الحملة التي تؤيد عهدة رئاسية أخرى لبوتفليقة، بالرغم من مرضه الظاهر، تشير إلى أن وسطاء السلطة السياسية والعسكرية في الجزائر غير قادرين على الاتفاق حول خليفة لبوتفليقة.
قال سفيان جيلالي، وهو سياسي معارض ومؤسس مجموعة "مواطنة"، وهي مجموعة تُدشِّن حملاتٍ ضد عهدة رئاسية جديدة لبوتفليقة: "الفصائل التي تسيطر على السلطة ليس لديها مُرشَّحٌ مقبولٌ أمام الرأي العام يمكنهم جميعاً الاتفاق عليه؛ لذا فإن الشعب الجزائري هو من سيدفع الثمن".
قال جيلالي إن السلطات قمعت محاولةً تقودها مجموعته لتنظيم احتجاج ضد حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وترشحه لعهدةٍ رئاسية خامسة في مدينة قسنطينة الجزائرية في شهر سبتمبر/أيلول.
وأوضح: "أحاطت الشرطة بالميادين العامة وشغلتها بشاحنات جمع القمامة المتوقفة كي تمنع الناس من التجمهر. وحاصروا فندقنا ليمنعونا من الخروج، وألقوا القبض علينا وطردونا من الولاية".
لكن هذا لا يمنع أن كثيراً من الجزائريين يثقون فيه
يثق كثير من الجزائريين في بوتفليقة لاستعادة السلام بعد العنف السياسي الذي وقع في التسعينيات بين الجيش والإسلاميين المتطرفين، والذي قُتل فيه 200 ألف شخص.
ووصل بوتفليقة إلى رأس السلطة في عام 1999 وتزامن حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بدرجة كبيرة مع عهد طويل من ارتفاع أسعار النفط، مما سمح له بضخ مليارات من البترودولارات إلى الأشغال العامة، والدعم الحكومي، والمزايا.
أُخضِعَت الاحتجاجات التي وقعت في البلاد خلال ثورات الربيع العربي التي اجتاحت بعض الدول العربية في 2010 و2011، من خلال مزيج من القمع وخفض أسعار الغذاء.
غير أن الاقتصاد الجزائري الراكد يقلقهم في ظل حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة
أنفقت الحكومة الكثير من احتياطيات النقد الأجنبي منذ عام 2014، عندما انخفضت أسعار النفط. فقد انخفض الاحتياطي من 178 مليار دولار في 2014 إلى 88.6 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران، حسبما أفادت الأرقام الرسمية.
وصلت نسبة البطالة في عهد حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بين الشباب إلى 28 في المائة والنمو الاقتصادي وصل إلى 1.6 في المائة فقط في العام الماضي. يشكو الجزائريون من تآكل قوتهم الشرائية نظراً إلى أن الدينار فقد قيمته.
شهد العام الحالي إضرابات مطولة من جانب الأطباء والمعلمين بسبب الأجور والظروف، بل إن المحاربين القدامى في الجيش نظموا احتجاجات يطالبون فيها بتحسين الاستحقاقات.
قال لونس غوماش، مدير موقع TSA Algerie الإخباري إن الاقتصاد كان مصدر قلق رئيسي للجزائريين. وأضاف: "نتابع عن كثب أسعار النفط وعندما ارتفع إلى 80-85 دولاراً، شكرنا الله. لكن الموقف سيئ. فالبطالة مرتفعة والشباب لديهم تطلعات (لا تُلبَّى)".
ومرض الرئيس الجزائري ولد لديهم شكوكاً حول "من يحكم فعلاً"
في بلدٍ ذي نظامٍ سياسي مبهم، أدى مرض بوتفليقة المستمر منذ مدة طويلة إلى تكهنات بشأن من يحكم البلاد فعلياً.
يقول مراقبون إن الجيش يضطلع بأدوارٍ قوية، مثلما هو الحال مع سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الذي يُعرَف بقربه من بارونات الشركات الذين يتمتَّعون بعلاقاتٍ سياسية جيدة، والذين استفادوا من سنوات الطفرة التي شهدتها الجزائر.
قال ريكاردو فابياني، وهو مُحلِّل جيوسياسي في مركز Energy Aspects، وهو مركز بحوث استشارية مقره لندن، إن عهدة رئاسية خامسة لبوتفليقة تمثل الخيار "الأقل خطورة أمام الفصائل التي تحوز السلطة".
وأضاف: "هذا يعني (بقاء) الوضع الراهن. إذ إن رئيساً جديداً قد يكون قفزة نحو المجهول وقد (يخل بالتوزان)، نظراً إلى أن البعض قد يفوز والبعض قد يخسر".
وأوضح أن المنطق نفسه كان يعيق الإصلاح الاقتصادي. بالرغم من أن السلطات استوعبت الحاجة إلى التغيير، إذ قال: "لا يملك أحدٌ مساحةً كافية لمعالجة القضايا التي قد تُزَعزِع الاستقرار وتسمح للفصائل بأن تصطدم ببعضها".
طالما جادل مراقبو الأوضاع في الجزائر بأن العنف الذي وقع في التسعينيات أخمد عزيمة الجمهور للقيام بأي احتجاجات، وغَرَسَ شعوراً بتقدير الاستقرار المشهود في ظلِّ حكم بوتفليقة. لكن جيلالي يقول إن الاستياء يغلي تحت السطح.
وقال: "انهيار القوى الشرائية، والصعوبات اليومية، واستفزازات المسؤولين قلبت كثيراً من الجزائريين ضد النظام. توجد إشاراتٌ على أننا نقف أعلى فوهة بركان. يمكنك استشعاره في الهتافات ضد النظام داخل ملاعب كرة القدم، وفي الاحتجاجات في الجنوب، وفي الإضرابات".