أفاد مسؤولون أميركيون بأنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) استنتجت أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وحسب صحيفة The New York Times الأميركية فقد أجرت الوكالة تقييمها استناداً إلى سيطرة وليّ العهد على السعودية، والذي تمثَّل في أنَّ عملية القتل ما كان لها أن تحدث دون موافقته، ودعمت استنتاجها بمجموعتين من الاتصالات المهمة: مكالمات مُعتَرَضة لولي العهد في الأيام التي سبقت عملية القتل، ومكالمات أجراها فريق الاغتيال مع أحد كبار مساعدي ولي العهد.
وتعتقد وكالة الاستخبارات المركزية منذ أسابيع أنَّ الأمير محمد كان متورطاً في عملية قتل خاشقجي، لكنَّها كانت مترددة في الخروج باستنتاجٍ قاطع يفيد بأنَّه أصدر أمراً مباشراً بعملية القتل. ونقلت الوكالة هذا التقييم إلى أعضاء الكونغرس ومسؤولين في إدارة ترامب.
وقال المسؤولون إنَّ التغيير الذي طرأ على تفكير مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية جاء بعد ظهور معلومات جديدة. وتضمَّنت الأدلة اعتراض مكالمة مُعتَرَضة تُظهِر عضواً في فريق الاغتيال وهو يتصل بأحد مساعدي الأمير محمد ويقول له: "أبلغ رئيسك" أنَّ المهمة أُنجِزت. غير أنَّ المسؤولين حذروا من أنَّ المعلومات الجديدة لا تُشكِّل دليلاً مباشراً يربط الأمير محمد بعملية الاغتيال، التي نُفِّذت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
ووفقاً لأشخاص مطلعين على نتائج الاستخبارات، تُظهِر المكالمات المُعتَرَضة أنَّ الأمير محمد كان يحاول إيجاد سبل لإغراء خاشقجي للعودة إلى السعودية، ولو أنَّ ولي العهد لم يقل على وجه التحديد في المكالمات الهاتفية إنَّه يريد قتل خاشقجي.
وقال مسؤول سابق إنَّ وكالات الاستخبارات تدرس كذلك الاتصالات بين خاشقجي والسفير السعودي لدى واشنطن وشقيق ولي العهد، خالد بن سلمان.
وكان نفي الأمير خالد سريعاً على نحوٍ غير معتاد. فقال في تغريدة على حسابه بموقع تويتر أمس الجمعة 16 نوفمبر/تشرين الثاني إنَّ "آخر تواصل" له مع خاشقجي كان بصورة نصيّة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وإنَّه لم يشر قط لذهاب خاشقجي إلى تركيا.
فغرَّد قائلاً: "لم أحادثه عبر الهاتف قط، وبالتأكيد لم أُشِر عليه قط بالذهاب إلى تركيا لأي سبب".
هذا ونُشِر تقييم وكالة الاستخبارات المركزية لأول مرة الجمعة بصحيفة The Washington Post الأميركية. ورفض متحدثٌ باسم الوكالة التعليق على المسألة.
يخلق التقييم القاطع على نحوٍ متزايد من جانب وكالة الاستخبارات مشكلةً للرئيس دونالد ترامب، الذي ربط إدارته بالأمير محمد وأعلن أنَّه مستقبل السعودية، الحليفة طويلة الأمد للولايات المتحدة.
لكن بالتأكيد سيؤدي التقييم الجديد من جانب وكالة الاستخبارات المركزية إلى تقوية تصميم المُشرِّعين بالكونغرس على مواصلة التحقيق في مقتل خاشقجي ومعاقبة السعودية.
وكان جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومستشاره البارز، مُقرَّباً على نحوس خاص من الأمير محمد. ودافع كوشنر طويلاً عن فكرة أنَّ وجود علاقة قوية مع السعوديين هو أمر في مصلحة الولايات المتحدة، وضغط للإبقاء على الدعم لولي العهد رغم قتل خاشقجي، الذي يقول المسؤولون السعوديون الآن إنَّه قُتِل نتيجة جرعة مميتة من الأدوية المُخدِّرة المُهدِّئة وقُطِّعت جثته.
ولا يعتقد مسؤولو الإدارة ولا مسؤولو الاستخبارات أنَّ الجدل حول قضية خاشقجي سيؤدي إلى خروج الأمير محمد من السلطة، وهذا أحد الأسباب التي تجعل مسؤولي البيت الأبيض يعتقدون أنَّ قطع العلاقات مع ولي العهد لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة.
قال آدم شيف، العضو الديمقراطي بمجلس النواب الأميركي عن ولاية كاليفورنيا، والذي من المنتظر أن يقود لجنة الاستخبارات في مجلس النواب العام القادم: "هذا أحد الأفعال التي يتعين أن تجعلنا نعيد النظر في العلاقة وفي درجة الاعتماد الذي نعوِّلها على تلك العلاقة".
ويريد الجمهوريون في مجلس الشيوخ، حسبما قال أشخاص مطلعون على مداولاتهم، أن يروا مزيداً من الخطوات الحاسمة من جانب السعودية لمحاولة نزع فتيل الأزمة. وقالوا إنَّ إحدى الخطوات التي يمكن أن تخفف من حدة أي إجراء أكثر صرامة من جانب الكونغرس هو أن تطلق الرياض سراح بعض المعتقلين، بمن فيهم قادة الجهود الداعية للسماح للمرأة بقيادة السيارات.
ويأمل المشرعون استغلال الجدل الدائر حول عملية الاغتيال لمحاولة إجبار السعودية على إنهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل إنهاء الدعم العسكري الأميركي لها.
وبالفعل أعلنت الولايات المتحدة إيقاف تزويد طائرات سلاح الجو السعودي التي تنفذ عمليات في اليمن بالوقود جواً، إضافة إلى أنَّها فرضت عقوبات على 17 سعودياً لتورطهم المزعوم في اغتيال خاشقجي.
وقال النائب شيف إنَّ تحرُّك إدارة ترامب لوقف تزويد الطائرات السعودية التي تنفذ غارات جوية بالوقود يُعتَبر أكثر أهمية من العقوبات.
وأضاف: "إذا أردنا حقاً أن نؤثر على السلوك السعودي، سيكون صبّ التركيز على التوصل إلى نهاية للحملة في اليمن أكثر أهمية من الإعلان عن تلك العقوبات ضد هؤلاء الأفراد الذين يُستبعَد أن نتمكَّن من الوصول إليهم".
وأوضح شيف أنَّه يضغط من أجل الحصول على إحاطة معلوماتية سرية لمجلس النواب بكامله حول الحرب في اليمن والدعم الأميركي للحملة السعودية. وقال أعضاء جمهوريون بالكونغرس إنَّهم أيضاً سيدعمون مثل هذه الإحاطة.
زادت حالة التشكَّك في السعوديين داخل الكونغرس بعدما قدَّم المسؤولون السعوديين روايات عديدة ومتناقضة حول ما حدث في القنصلية بإسطنبول. وأعلن السعوديون هذا الأسبوع أنَّهم سيسعون لإنزال عقوبة الإعدام ببعض الجُناة.
ويشعر مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية منذ فترةٍ طويلة بأنَّهم لا يشعرون بثقة حيال الأمير محمد وقدرته على قيادة المملكة. وكان للوكالة، ومديرها السابق جون برينان، علاقات وثيقة مع خصم الأمير محمد بن سلمان، وهو الأمير محمد بن نايف. وتفوق الأمير الشاب على خصمه بن نايف في عام 2017 ليُوطِّد موقعه في السلطة.