أكدت النيابة العامة السعودية، الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن الصحافي جمال خاشقجي حُقن "بجرعة كبيرة" من مادة مخدرة قبل أن يتم تقطيع جثته داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، وطلبت الإعدام لخمسة أشخاص على خلفية القضية، لكنها أبعدت الشبهات تماماً عن وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
وسارعت تركيا إلى الإعلان عن أن التوضيحات التي قدَّمها وكيل النيابة العامة السعودية "غير كافية"، مشدِّدة على أن قتله تم عن سابق تصميم.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إن "كل هذه الخطوات إيجابية بالطبع، لكنها غير كافية"، وأضاف: "هذه الجريمة كما سبق وقلنا تم التخطيط لها مسبقاً"، نافياً التبرير السعودي بأن قتلة خاشقجي كانوا مكلفين في الأساس بإعادته إلى المملكة.
تبرئة ساحة وليّ العهد السعودي
وبعد أسابيع من التحقيقات، قال وكيل النيابة العامة السعودية شعلان الشعلان، في مؤتمر صحافي في الرياض، رداً على سؤال حول احتمال تورُّط ولي العهد، إن نائب رئيس الاستخبارات السابق، في إشارة إلى أحمد العسيري، الذي أُعفي من منصبه، أمر بإعادة خاشقجي إلى السعودية "بالرضا أو بالقوة"، وإن رئيس فريق التفاوض في موقع الجريمة أمر بقتله، من دون أن يكشف عن هويته.
وبحسب الشعلان، فإن التفاوض مع خاشقجي وقت وجوده في القنصلية تطوَّر إلى "عراك وشجار وتقييد، وحقن المواطن المجني عليه بإبرة مخدرة بجرعة كبيرة، أدت إلى وفاته".
وبعد مقتله "تمت تجزئة" جثته "من قِبل المباشرين للقتل، وتم نقلها إلى خارج مبنى القنصلية"، وتسليمها إلى "متعاون" لم تحدّد هويته، لكن الشعلان قال إنه تم التوصّل إلى "صورة تشبيهية" له.
وهذه المرة الأولى التي تؤكد فيها السعودية تقطيع جثة خاشقجي في القنصلية، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
الإعدام لخمسة من المتهمين
وقال بيان للنائب العام السعودي إنه من بين 21 موقوفاً على ذمّة القضية، تم "توجيه التهم إلى 11 منهم، وإقامة الدعوى الجزائية بحقهم، وإحالة القضية للمحكمة، مع استمرار التحقيقات مع بقية الموقوفين، للوصول إلى حقيقة وضعهم وأدوارهم".
وطالبت النيابة العامة "بقتل مَن أمر وباشَرَ جريمة القتل منهم، وعددهم 5 أشخاص، وإيقاع العقوبات الشرعية المستحقة على البقية".
اختفى خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول، بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، للحصول على وثائق لإتمام زواجه من خطيبته التركية. وكان خاشقجي مقيماً في الولايات المتحدة، حيث كتب مقالات رأي في صحيفة "واشنطن بوست"، انتقد فيها سياسات ولي العهد.
وكانت السلطات السعودية أكدت أولاً أن خاشقجي غادر قنصليتها في إسطنبول، لكنها اعترفت بعد ذلك بأنه قُتل في شجار، ثم تحدثت عن عملية نفَّذها "عناصر خارج إطار صلاحياتهم"، ولم تكن السلطات على علم بها.
وشكّكت دول كبرى في الروايات السعودية التي تبدّلت مراراً، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تقيم علاقات وطيدة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أشارت صحف تركية إلى تورطه في الجريمة، وهو ما نفته الرياض بشدة.
والأحد 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أكد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لوليّ العهد السعودي إصرار واشنطن على محاسبة المسؤولين عن مقتل الصحافي، مشدّداً على "وجوب أن تفعل الرياض المثل".
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أشار إلى أن الأمر بقتل خاشقجي صدر من "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية، دون أن يشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى ولي العهد النافذ.
بدورها، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن أحد أعضاء الفريق السعودي الذي نفَّذ العملية في القنصلية قال لشخص أعلى رتبة منه عبر الهاتف: "أبلغ سيّدك"، الذي دارت شبهات حول أنه قد يكون الأمير محمد بن سلمان، أن العملية تمت.
آلية تعاون
وفي بيانه، دعا النائب العام السعودي تركيا إلى التوقيع على آلية تعاون خاصة بالتحقيقات في قضية مقتل الصحافي، مطالباً أنقرة بتسليم الأدلة و "التسجيلات الصوتية كافة" التي بحوزتها.
وأوضح النائب العام أن الرياض تدعو المسؤولين الأتراك إلى "تزويدها بالأدلة والقرائن التي لديهم، ومنها أصول التسجيلات الصوتية كافة التي بحوزة الجانب التركي المتعلقة بهذه القضية، وأن يتم توقيع آلية تعاون خاصة بهذه القضية مع الجانب التركي".
وجاءت هذه الدعوة السعودية غداة مطالبة وزير الخارجية التركي بإجراء "تحقيق دولي". وقال جاويش أوغلو بالبرلمان: "في البداية، قلنا إننا شكَّلنا مجموعة عمل مع السعودية، وإنه ليست لدينا خطط لإحالة جريمة القتل إلى محكمة دولية".
إلا أن أوغلو أضاف أن الأمر تغيَّر، وأن الحكومة تعتقد الآن أنه يجب إجراء تحقيق دولي. وتابع: "سنفعل كل ما هو مطلوب لإلقاء الضوء على جميع جوانب جريمة القتل هذه".
وسلَّمت أنقرة تسجيلات صوتية مرتبطة بالجريمة إلى دول، من بينها السعودية والولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نقلاً عن جهات استمعت إلى التسجيل الصوتي المرتبط بقتل الصحافي، أنه لا يشير إلى تورط ولي العهد السعودي في العملية.