هذا القرار يقضي على صناعة الدواجن في مصر.. كانت هذه هي ردة الفعل الأولى من قبل أصحاب مزارع الدواجن بعد صدور قرار حكومي يقضي بحظر بيع وتداول الدواجن الحية بالعاصمة. القرار يعني ذبح 2 مليون دجاجة والتخلص منها مع نهاية العام الجاري.
الغضب لم يكن فقط من نصيب هؤلاء، بل امتد إلى ربات البيوت والأسر التي لا تثق كثيراً في الدواجن المجمدة، وتفضل دائماً تناول الدواجن المذبوحة أمامها.
وأعلنت وزارة الزراعة المصرية استعدادها لتطبيق القرار رقم 70 لسنة 2009، والذي يقضي بمنع تداول الدواجن الحيّة خلال الفترة المقبلة داخل محافظات "القاهرة والجيزة والقليوبية".
وبحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة الزراعة المصرية حامد عبدالدايم، فإن "القرار أعطى فرصة لأصحاب محال الدواجن لتوفيق أوضاعهم، ولن يضار أحد من تطبيقه"، على حد تعبيره.
قرار قديم أوقفت الثورة تنفيذه
هذا القرار لم يكن حديثاً، بل صدر بالفعل عام 2009، حين أتاحت الحكومة والصندوق الاجتماعي قروضاً ميسرة لأصحاب محال ذبح الدواجن الحية لتجهيز محالهم وفق المنظومة الجديدة. لكن جاءت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 فتوقف تنفيذه.
لكن عودة الحديث عن تطبيق القرار مجدداً في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أثارت تساؤلات حول توقيته ومن المستفيد ومن الخاسر من مثل هذا القرار.
القرار من أجل الجيش
وتعد صناعة الدواجن المجمدة في مصر إحدى أهم الصناعات التي يعمل فيها "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للقوات المسلحة المصرية، والتي تملك شركة خاصة لإنتاج الدواجن المجمدة.
وبحسب معلومات حصل عليها "عربي بوست"، فقد اشترت هذه الشركة مجزرين جديدين سعة كل مجزر 100 ألف طائر في الساعة الواحدة، إضافة إلى مجازرها الموجودة بالفعل. ويتم الآن تجهيز المجزرين اللذين يقع أحدهما على طريق القاهرة – السويس، والثاني على طريق القاهرة – الإسماعيلية.
وبالطبع، يحتاج هذان المجزران إلى عملية تشغيلهما، ولن يتم ذلك إلا بتقليص بيع وتداول الدجاج الحي وذبحه في المحال المنتشرة في جميع أحياء مصر.
صناعة الدواجن في مصر
وترى الحكومة المصرية أن العالم لا يأكل الدجاج بالطريقة التي يأكل بها المصريون، والتي تعتمد على أن ربة المنزل تذهب إلى "الفرارجي" أو بائع الدواجن الحية، وتشاهد بنفسها الدجاجة وهي تذبح أمامها. لكن هل يغير هذا القرار المفاجئ ثقافة الشعب بين يوم وليلة؟
ويبلغ استهلاك مصر من الدواجن 1.9 مليون طن سنوياً، ويتم استيراد ما بين 100 و150 ألف طن لتغطية الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك الفعلي عبر شركات الجيش والشرطة بنسبة 60%، وشركات القطاع الخاص بنسبة 40%، وفق اتحاد الغرف التجارية لشؤون اللحوم والدواجن والأسماك.
وتُقدر أعداد مزارع الدواجن في مصر نحو 47 ألف مزرعة، برأس مال يقدّر بنحو 65 مليار جنيه، بينما يبلغ عدد المزارع المرخصة رسمياً أقل من نصف ذلك العدد، ويعمل بها نحو 2 مليون عامل، ولا يتمتع العاملون بها بأية ضمانات اجتماعية أو صحية.
الحُجة: إنفلونزا الطيور
وبحسب ما أعلنته نائب وزير الزراعة منى محرز ومسؤلون مصريون، فإن الهدف من تطبيق هذا القرار هو "حماية الشعب المصري من خطر مرض إنفلونزا الطيور خاصة مع دخول فصل الشتاء". لكن يدحض هذه الحجة أن مرض إنفلونزا الطيور ينتشر في محافظات شمال مصر وجنوبها، والقرار يقضي بمنع تداول بيع الدجاج المجمّد في 3 محافظات فقط لا تقع فيها إصابات الإنفلونزا إلا نادراً.
النائب الدكتور إيهاب غطاطي، عضو مجلس النواب المصري، أكد أن "هذا القرار لا يهدف إلى الحماية من إنفلونزا الطيور، ولكنه يهدف إلى حماية مصالح شركات معينة"، على حد وصفه.
وقال في تصريح له عبر فضائية "النهار" المصرية، إنه "تقدم بطلب إحاطة عاجل، وسيطالب بحضور المسؤولين عن القرار لمناقشتهم"، وأشار إلى أن "القرار جاء بعد ضغوط من أصحاب شركات الدواجن؛ لأنها تشكو من أن مجازرها متوقفة عن العمل، فليس الأمر متعلقاً بالصحة العامة للمصريين".
وأكد غطاطي أنه "يرفض تغيير ذوق المصريين وثقافتهم بهذه الطريقة، فالشرطة ليست متفرغة للبحث وراء المجازر أو محال الدجاج"، على حد تعبيره.
وأوضح تاجر دواجن "عبده"، الذي رفض التصريح باسمه كاملاً، أن "الحكومة إذا كانت تخشى إنفلونزا الطيور فعليها أن تراقب كيفية نقل مخلفات الدواجن التي تأتي منها الأمراض، فهي تنقل بطريقة عشوائية وبدائية للغاية".
وأوضح لـ "عربي بوست" أن حجة إنفلونزا الطيور "حق يراد به باطل"، مشيراً إلى أن هذا القرار سيقضي على العامل البسيط في هذه الصناعة، وهو لصالح ناس كبيرة في البلد، على حد وصفه.
من داخل محل لبيع الدجاج الحي، قالت ربة المنزل "منار" لـ " عربي بوست" إنهم لا يأكلون إلا الدجاج الطازج الذي يرونه مذبوحاً بأعينهم ومضموناً صحياً أكثر من دجاج المجازر المجمد.
وأضافت: "نحن نستفيد بما تحويه الفرخة من كبد وقوانص، بصراحة ندفع فلوسنا في حاجة كاملة، أما الفراخ المجمدة فنحن لا نعرف كيف ذُبحت، وهي دائماً أقل في الميزان من ثمنها الذي ندفعه فيها".
واتفقت معها "أم زينب" في الرأي: "لا أثق في أي لحوم مجمدة أو دجاج مستورد، غالباً ما تكون منتهية الصلاحية أو فراخ نافقة أو محقونة، أما الفراخ الحية التي تذبح أمامنا فلن نستغني عنها".
خراب بيوت وانهيار للصناعة المحلية
"إيهاب"، مدير مبيعات بشركة دواجن وأعلاف، رفض التصريح باسمه كاملاً، قال إن هذا القرار "خراب بيوت للعاملين البسطاء في هذه الصناعة".
وأكد في تصريحه لـ "عربي بوست" أنه لا شك أن هذا القرار سيدمر الصناعة المحلية للدواجن، "هو قرار خاطئ من الأصل لعدم وجود آليات لتنفيذه، والتي تتمثل في عدم وجود سيارات مجهزة تستوعب كل هذا الحجم من الدواجن لنقلها مجمدة بعد ذبحها في المجازر إلى محال بيع التجزئة".
وحذر إيهاب من أنه بمجرد تفعيل هذا القرار، "ستنتج عنه أضرار اقتصادية كبيرة، أهمها خروج تجار الدواجن وأصحاب المزارع من السوق المصرية".
ولكن إيهاب أوضح أن القرار صعب تنفيذه؛ لأن ثقافة الشعب المصري لا تُقبل على شراء الدجاج المجمد. وأضاف: لدينا نوعان من الدجاج وهما "الساسو" و "البلدي" هذه الأنواع ليس لها مجازر للذبح، فكيف ستتعامل معها الدولة؟ هذه الأنواع يأخذها تجار التجزئة مباشرة من المربين ثم يوزعونها على محال ذبح الدواجن ومنها إلى المستهلك، فهل توجد مجازر صحية لهذه الأنواع؟.
تخبُّط حكومي منذ إعلان تنفيذ القرار
أما د. هشام، مدير إحدى شركات الدواجن والأعلاف أيضاً، فأوضح لـ "عربي بوست"، أن القرار قديم ولكن الحكومة زعمت تفعيله من جديد.
وحذر د. هشام من تطبيق القرار قائلاً إن صناعة الدواجن في مصر ستنهار حال تطبيق القرار، ويصعب تنفيذه؛ لأنه لا توجد ثلاجات مجهزة وسيارات ومجازر خاصة لهذا الإنتاج الضخم من الدجاج "حوالي 2 مليون دجاجة تستهلكها مصر".
وأوضحت مصادر خاصة لـ "عربي بوست" داخل أروقة صُناع القرار بالحكومة المصرية، أن "الحكومة متخبطة ولا تعرف آلية تنفيذ هذا القرار، وتم تأجيله 6 أشهر، لكنها لن تتنازل عن تطبيقه".
وأشار "هشام" إلى أن "الهدف من ذلك القرار هو القضاء على فئة كبيرة من العاملين في هذه الصناعة، وهم فئة السماسرة الذين يأتون بالفراخ من أصحاب المزارع إلى التجار، وهي فئة كبيرة تقدر بالملايين، وأيضا يهدف إلى القضاء على تربية الدجاج في المنازل، وهي تمثل 40% من الإنتاج الداجني في مصر" .
وقال أحمد، صاحب مصنع أعلاف، إنه "بالنسبة لصناعة الأعلاف فهي لن تتأثر بهذا القرار".
لكن وفق ما يقوله لـ "عربي بوست" فستكون "هناك صعوبات كثيرة أمام تطبيقه، أهمها ضمان إشراف ونزاهة الطب البيطري على المجازر التي ستذبح فيها الفراخ، وهل ستكون المجازر الموجودة مجهزة ونظيفة وتحت إشراف كامل من الطب البيطري؟".
القرار ليس سهلاً
وأوضح محيي، صاحب شركة دواجن، أن "القرار يحتاج إلى تغيير ثقافة الشعب المصري أولاً للإقبال على الدواجن المجمدة، ناهيك عن المعدات اللازمة والتجهيزات وفتح تراخيص للمجازر".
وتساءل: "إذا كانت الحكومة تتجه إلى تقليل الاستيراد لتوفير العملة الصعبة، ومع ذلك فإن قرار منع تداول الدجاج الحي وذبحه في المحال والاستعاضة عنه بالدجاج المجمد سيكلف الدولة عملة صعبة؛ لأن معظم آليات هذا الأمر تعتمد على الاستيراد".
وقال ناصر، مربي وصاحب مزرعة دواجن، لـ "عربي بوست" إنه بمجرد الإعلان عن تنفيذ القرار "تأثرنا نحن المربين وخسرت شخصياً 160 ألف جنيه؛ لأن الأسعار انخفضت 4 جنيهات في لحظة واحدة، وإذا استمرت الخسارة فكثير منا سيسجن؛ لأنه يعمل بنظام الشيكات الآجلة الدفع".
وأشار إلى أن "هذا القرار خفض سعر الدجاج لمدة أسبوع، ما أدى إلى سحب معظم المنتج، لكن هذا الانخفاض سيعاود الارتفاع في الأسعار؛ لأن الكمية التي كانت موجودة لم تعد كذلك" .
تجار التجزئة ومربو الدواجن في الريف أكبر الضحايا
وفيما يبدو أن الحكومة المصرية لا تراعي أي أبعاد في تطبيق القرار؛ لأنه سيضر مربي الدواجن في الريف المصري وهم يمثلون 40% من الإنتاج الداجني، وتسمى "الهايد بارك " في مصطلحات صناعة الدواجن، وهم من يربون الدواجن في منازلهم بالريف المصري، وهي تختلف عن مزارع الدواجن.
عم حسن، صاحب محل بيع دواجن حية، سألناه عن تأثير هذا القرار عليه شخصياً، فقال "إنه سيتسبب في خراب بيوتنا فنحن نعيش من هذه الصناعة البسيطة، فالمحل مثلاً به "مريشة" وقفص للطيور وثلاجة وديب فريزر صغير، فهي بالنسبة لي ليست مكلفة، خاصة إذا كان المحل تمليك، ولكن إذا ما اتجهت لبيع المجمد فسترتفع التكاليف لشراء ثلاجة أو مبرّدة كبيرة، تستوعب كمية البيع اليومية، بالإضافة إلى ما سيتم تخزينه يومياً، وسوف نتحمل فاتورة الكهرباء للثلاجة والمُبرّدة، وهناك مشكلة انقطاع الكهرباء عن الثلاجة والمُبرّدة أيضاً معظمنا لا نملك ثمن المبردات الكبيرة التي يبلغ سعرها ما بين 15 و20 ألف جنيه".
وفي تصريحات صحافية لرئيس شعبة إنتاج الدواجن بالغرفة التجارية عبدالعزيز السيد، قال إن "تطبيق قانون منع تداول الدواجن الحية، يحتاج إلى تخصيص مجمع مجازر يتوفر به وسائل الصرف الصحي والمياه النظيفة، ويتم جمع المجازر المنتشرة في المساكن السكانية والمناطق العشوائية على مستوى الجمهورية لتصبح في مكان واحد، من أجل الحفاظ على سلامة المواطنين ونظافة البيئة".
وأكد السيد أن "السبب وراء دخول عدد كبير من الدواجن الحية مجهولة المصدر إلى الأسواق، هو انتشار المجازر في أماكن متفرقة"، مشيراً إلى أن "تطبيق القرار سيتم على مراحل بحيث يبدأ من المحافظات الكبرى، مطالباً بتسهيل الحصول على قروض ميسرة بفائدة بسيطة لتحويل المحال التجارية لبيع الطيور المجمدة.
وأكد أيضاً أن "المجازر لا قلق من عددها؛ لأن لدينا مجازر تفوق كمية الإنتاج الداجني بمرّة ونصف، ونملك من 65 إلى 67 مجزراً نصف آلي، علاوة على 47 إلى 49 مجزراً آلياً، يضاف إليها 210 مجزراً يدوياً، وهذا العدد من المجازر يستوعب كمية الإنتاج الداجني على مستوى الجمهورية بما يقارب الضعف، حيث ننتج يومياً حوالي مليون و100 ألف دجاجة، بينما قدرة المجازر تتجاوز الـ3 ملايين طائر".