قالت صحيفة "الغارديان" إن التداعيات السلبية الناجمة عن عملية اغتيال جمال خاشقجي بإسطنبول تسببت في إلحاق ضرر بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وريث العرش في السعودية، وهبّت على المملكة السعودية مرة أخرى، رياح الحرس القديم، الذين باتت آراؤهم مسموعة مرة أخرى.
لكن وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "The Guardian" البريطانية، فإن قادة المملكة العربية السعودية، رغم أنهم يُظهرون علناً الشعور بالأسف وعازمون على محاسبة المتورطين في جريمة قتل خاشقجي الشنيعة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول- فإن أعضاء بارزين في بيت آل سعود، من ضمنهم ولي العهد، يلقون سراً باللوم جزئياً على تركيا في إثارة السخط العالمي، الذي يقولون إنَّه كان من الممكن احتواؤه إذا كانت أنقرة قد أدارت الموقف وفقاً لـ "قواعد اللعب الإقليمية".
السعودية تلوم تركيا بسبب جمال خاشقجي
وقالت الصحيفة: "وفقاً لمصادر قريبة من البلاط الملكي في الرياض، فإنَّ سبب الاستياء الرئيسي من تركيا هو وجهة نظر ترى أنَّ الرئيس رجب طيب أردوغان خان المملكة السعودية من خلال الكشف عن تفاصيل التحقيق، ورفضِ جميع العروض المُقدّمة من مبعوثين سعوديين، وضمن ذلك عرض لدفع تعويض مادي كبير".
وقال مصدر إقليمي للصحيفة البريطانية: "هم يقولون إنَّهم تعرَّضوا للخيانة من جانب الأتراك". وأضاف: "هذا هو محور معظم آرائهم التي لا تخرج إلى العلن".
وما زالت تداعيات وفاة خاشقجي غير العادية تتردد أصداؤها في أروقة السلطة بالرياض، حيث تُتخذ الآن بعض القرارات بعيداً عن ولي العهد، الممتدة سلطته إلى كل مجالات الحكم، والذي تزعم تركيا أنَّ أمر الاغتيال صدر منه مباشرةً، ومنذ ذلك الحين حاول صرف اللوم عنه باستخدام أكباش فداء، من ضمنهم مساعده المحلي الأبرز.
كانت أنقرة تهدف إلى عزل الأمير محمد بن سلمان من خلال توجيه الخطاب، على مدار أسابيع، إلى الملك السعودي ومناشدته كبح جماح ابنه، واستعادة المزيد من الطرق التقليدية في القيام بالأعمال.
وفُسّرت عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز، وهو الشقيق الوحيد الباقي على قيد الحياة للملك سلمان، إلى الرياض، على نطاق واسع، في وقتٍ سابق من هذا الشهر (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، باعتبارها خطوة أولى نحو استعادة نظام قديم كانت تُتخذ فيه عملية صنع القرار بعد مشاورات مكثّفة بين كبار السن من أفراد العائلة المالكة السعودية.
وقادت شخصية بارزة أخرى، وهو الأمير خالد الفيصل، الوفد السعودي لمقابلة أردوغان في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، وكان الملك نفسه -الذي انعزل كثيراً عن دوره كقائد للمملكة منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان وريثاً له- ملء السمع والبصر في الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى بالاجتماعات، وفقاً لمصدر ثانٍ رفيع المستوى.
وقال المصدر: "لقد قُصّت أجنحة محمد بن سلمان، ما من شك في ذلك. هو لم يصبح لديه العجرفة نفسها، كما أنه خائف من ارتكاب أي خطأ كغيره من البشر. وهذا تغييرٌ كبير".
ولي العهد السعودي يبذل الجهد لاستيعاب ردود الفعل على قتل خاشقجي
وقالت الصحيفة إنه في الأيام التي تلت مقتل خاشقجي، تحوَّل رد الفعل السعودي الرسمي من إنكار تام أنَّه كان له دور، إلى اعتراف على مضض بأنَّ خاشقجي قد قُتل إثر شجار، وبذل الأمير محمد بن سلمان جهوداً مضنية لاستيعاب حجم رد الفعل، بل حتى السبب الكامن وراء رد الفعل الواسع على الساحة الدولية.
وقال المصدر الإقليمي: "هو كان يلوم الأميركيين أولاً على خيانتهم إياه". وأضاف: "هو رأى انتهاكات سجن أبو غريب، وعمليات التسليم الاستثنائية للمُتَّهمين، وعقوبات الإعدام، وشعر بالارتياح من ترمب. لم يستطع فهم سبب حدوث ذلك له".
ومنذ ذلك الحين، انتهى احتضان القادة الغربيين، الذين كانوا ذات يوم متحمسين للأمير محمد بن سلمان، وحلَّ مكانه الترقب والحيطة، ووجهة نظرٍ مفادها أنَّه يجب وضع حد لبعض المعارك والخصومات الإقليمية التي أُطلقت باسم الأمير.
وقال دبلوماسي بريطاني، مثل غيره من كبار المسؤولين الذين تواصلت معهم صحيفة The Guardian البريطانية، رفض الكشف عن اسمه: "رأينا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يتحدث بقوة عن اليمن. لم يكن يتحدث بلهجة تعاون ومساندة، بل كانت لهجة مختلفة للغاية".
طالب بومبيو في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، السعودية بوقف إطلاق النار في اليمن 30 يوماً، حيث تقاتل القوات التي تقودها السعودية جماعات الحوثيين المتمردة المدعومة من إيران حسب زعم السعودية. وتبنَّى جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، المطلب ذاته في يوم الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حين طالب ببدء مفاوضات السلام بين السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران.
هذه التصريحات كانت الأقوى من مسؤولٍ أميركيٍّ عن الحرب التي دامت عامين على الحدود الشرقية للمملكة. وفي يوم الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قالت الولايات المتحدة إنها لن تزود الطائرات السعودية المقاتلة التي تقوم بمهام في اليمن بالوقود، في إشارة أخرى إلى أنّ أهم حليف للرياض، ومورِّد معظم أسلحتها، يفقد الثقة بالحملة العسكرية.
يعيد مسؤولون أميركيون النظر أيضاً في حصار قطر الذي تقوده السعودية، كما يسعون لإيجاد طرقٍ لإجبار ولى العهد السعودي، محمد بن سلمان، على التراجع عن قراره دون التقليل من صورته أمام منتقديه أو المعنيّين بوجوده داخل السعودية.
ما زالت هناك ضغوط لإزاحة محمد بن سلمان عن منصبه
الصحيفة كشفت أنه ليس ثمة رغبة قوية لدى لندن وواشنطن في إبعاد الأمير محمد عن منصبه، كما أنّ أنقرة -التي تعارض بشدةٍ وليَّ العهد، وإن كانت على وفاق مع الملك سلمان- يتم الضغط عليها بشدة من جانب حلفاء الرياض، لقبول أنّ الأمير محمد لن يتنحى عن منصبه.
ويرى تقييم للحكومة البريطانية أن هناك خطورة في الانزلاق ثانيةً نحو عودة سطوة المؤسسة الدينية، وإلغاء التغيير الاجتماعي الذي تحقق، كذلك تدهور الاقتصاد السعودي، إذا حدث انقلابٌ في القصر السعودي. وقال مسؤولٌ أميركيٌّ مختص بالسياسة الأمنية السعودية: "من مصلحة الجميع أن نجد طريقةً للمضي قدماً، يستطيع قادة العالم التعايش معها".
من المفهوم أن يظل الرئيس التركي أردوغان غير مقنَع ببقاء الأمير محمد بن سلمان في السلطة. يوم السبت 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، زعم الرئيس التركي أن أنقرة أطلعت السعودية والإمارات وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على تسجيلات صوتية ترصد مقتل جمال خاشقجي، الذي قتله فريقٌ من 15 موظفاً أمنياً سعودياً، سافروا إلى إسطنبول، وانتظروا حضوره للقنصلية السعودية لتوقيع أوراق زواجه، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأكد رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أن عملاء للاستخبارات الكندية استمعوا إلى تسجيلٍ يرصد اللحظات الأخيرة من حياة خاشقجي. بعد ذلك، حذت ألمانيا حذوها، فيما بدا أنه جهد منسق لإبقاء على الضغط على الرياض.
وقالت الصحيفة إن ما تم تسجيله في الأشرطة التسجيلية لا يزال محور القضية ويدين المملكة، ويمكن أن يساعد في الإجابة عما إذا كان ولي العهد نفسه قد تورط في الجريمة من خلال المحادثات.
وقد أُقيل مساعده الداخلي سعد القحطاني، وأيضاً نائب رئيس المخابرات، بعد أسبوعين من واقعة الاغتيال. ويصر محمد بن سلمان على أنه لم يكن له يدٌ في هذه الجريمة، ويصر المدافعون عنه على أنّ القَتَلة تجاوزوا أسيادهم، في محاولة لإرضائهم. ولا يزال مسؤولو الاستخبارات بالمنطقة، وفي أوروبا غير مقتنعين بهذا الزعم.