قالت صحيفة humanite الفرنسية، إن القلق يُسيطر على أجواء العاصمة الجزائرية، فقبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقرر إجراؤها في شهر أبريل/نيسان من سنة 2019، انهارت موازين القوى الهشة، التي عملت جاهدة على المحافظة على بوتفليقة، الرئيس المسن، على رأس السلطة. حالياً، أصبح الصراع على السلطة، الذي أنهى التوافقات بين أقطاب عُرفت بمواقفها المتغيرة، مفتوحاً.
وتوضح الصحيفة أن انهيار موازين القوى، يندرج ضمن لعبة غامضة تورط فيها رجال أعمال وعسكريون وأفراد من العائلة الحاكمة. وفي الربيع الماضي، جدت حادثة أدت إلى انفجار هذه العلاقات (القائمة على المساومة).
فمنذ التفطن إلى وجود 700 كيلوغرام من الكوكايين مخبأة في مخزون من اللحوم المجمدة القادمة من البرازيل يوم 29 مايو/أيار الماضي في ميناء وهران، بدأ الكشف عن تورط العديد من الشخصيات البارزة في البلاد.
قضية الكوكايين التي أسقطت كبار المسؤولين في الجزائر
فقد اتهم مسؤولون كبار وقضاة وضباط شرطة وجنود بالتواطؤ مع كامل شيخي، مستورد هذه البضائع المعروف باسم "كمال الجزار" (البوشي) ورجل الأعمال الفاسد الذي جنى ثروته بفضل صفقات مشبوهة في المجال العقاري.
في البداية، جعلت هذه الفضيحة المدوية، عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني والعميد الطموح المقرب من الحلقة الرئاسية يخسر منصبه. وتجدر الإشارة إلى أنه في يوم ما، اعتبر هامل الخليفة المحتمل في الانتخابات الرئاسية في الجزائر لعبد العزيز بوتفليقة.
وقد افتتح إقصاء هامل من مهامه موجة إقالات غير مسبوقة في صفوف كبار ضباط الجيش، الذين تعرضوا للتهميش طوال هذا الصيف أو أجبروا على التقاعد المبكر.
وقد وصل هذا الأمر إلى حد سجن خمسة جنرالات في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما في ذلك ثلاثة قادة مناطق عسكرية لهم تأثير في الساحة الجزائرية. وقد تم اتهامهم بـ"الثراء غير المشروع"، أو "سوء استخدام السلطة".
وكانت هذه الحادثة بمثابة زلزال غير مسبوق هز المحيط السياسي والعسكري الجزائري.
فهل مهدت لإعلان الرئيس الجزائري بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة؟
في الآن ذاته، وبأسلوب شبه هزلي، أغلق أعضاء جبهة التحرير الوطني، الحزب الوحيد الذي يُسيطر على الحياة السياسية في البلاد منذ الاستقلال، بوابات المجلس الشعبي الوطني. وكان ذلك بهدف منع دخول رئيس هذا المجلس، السعيد بوحجة، الذي تم إجباره بشكل مفاجئ على ترك منصبه.
وبعد بضعة أيام، دعا رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، الرئيس بوتفليقة إلى "مواصلة مهمته" والترشح في الانتخابات الرئاسية في الجزائر .
وقد اعتبرت الصحافة الدولية هذا التصريح بمثابة طريقة لإضفاء الطابع الرسمي على ترشح بوتفليقة لفترة ولاية خامسة. في الواقع، يُعد هذا الأمر مناورة جديدة، تهدف إلى إبعاد الشعب الجزائري، الذي يُراقب هذه المخططات المعقدة للغاية بمرارة وخوف، عن الصراع الفوضوي على الرئاسة.
ما طرح تساؤلات، هل تعاني البلاد من حالة شلل قبيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر ؟
في الوقت الذي تُحيي فيه البلاد الذكرى الثلاثين لانتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، التي هزت نظام حزب جبهة التحرير الوطني، يرفض غالبية الجزائريين، سيناريو "ربيع عربي" في الجزائر، خاصة وأنهم ما زالوا يعانون من تبعات العشرية السوداء.
وتسخر أميرة، الطالبة في منطقة بن عكنون والتي لم تتجاوز سن العشرين، من قلق والديها (اللذين شاركا في انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول وطلبا منها عدم الاهتمام بالشؤون السياسية)، ومخاوفهم من اندلاع تحركات مماثلة للتي عرفتها بلدان "الربيع العربي" في البلاد.
وتُصر هذه الطالبة على أن التاريخ "لا يُعيد نفسه. لكن من الأفضل أن نكون حذرين. فحين ثارت تونس ضد نظام بن علي، كنت أشعر بالغيرة وأردت أن يفعل الجزائريون الأمر ذاته. أما الآن، حين أشاهد ما يحدث في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، أقول في نفسي إننا اخترنا الطريق الصحيحة حين لم ننسج على منوال هذه البلدان. ويتمثل الفخ في تزعم اليسار والديمقراطيين للتحركات الاحتجاجية، ثم يفوز الإسلاميون في النهاية بالانتخابات".
على الرغم من الاحتجاجات "الاجتماعية" التي شهدتها الجزائر
وتستغل السلطة هذا الأمر، كما تعمل على توظيف هذه المخاوف لتلخص إنجازات عبدالعزيز بوتفليقة في "الاستقرار"، دون النجاح في القضاء على الاحتجاجات بشكل تام. ويلخص فتحي غراس، مرشح الحركة الديمقراطية والاجتماعية في الانتخابات الرئاسية في الجزائر ، هذا الواقع قائلاً إن "الجزائريين يرفضون وضع البلاد في خطر، إلا أن ذلك لا يمنعهم من النضال على المستوى الاجتماعي.
وخلال عام 2016، وقعت أكثر من 10 آلاف حادثة صنفت على أنها أعمال شغب. ويُكافح الجزائريون من أجل السكن، والحصول على أجور أفضل وحياة كريمة. ولا يمكن اعتبار هذا المجتمع خامداً، بل هو في نشاط دائم".
أما بالنسبة للإسلاميين، فإذا ظلوا مؤثرين في ساحة اجتماعية تفخر بتدينها، فلن يكون نفوذهم السياسي الحالي واسعاً جداً، تماماً كما كان خلال التسعينيات. في الواقع، لم تختف التطلعات الكبرى نحو العدالة الاجتماعية والحرية التي لطالما ميزت التاريخ الجزائري أبداً.
ويسعى نظام بوتفليقة، الذي أعطى مكانة هامة لسلطة المال وشجع على ظهور طبقة من الأغنياء الفاسدين، لوضع حد لمثل هذه التطلعات.
لكن يبدو أن الوضع ماض في الاستمرار كما هو عليه
ويتمثل الهدف من ذلك في الحفاظ على امتيازات البعض وفرض السيطرة على إيرادات النفط التي تم تبذيرها بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة فضلاً عن إسكات الجزائريين، سواء كان ذلك على حساب تقييد الحريات والتضييق على الصحافة، أو الزجّ بالصحافيين والمدونين في السجن، وكتم أصوات الشباب وحظر المؤتمرات الأدبية.
في نوفمبر/تشرين الثاني، وبمناسبة إحياء الاحتفالات باندلاع حرب التحرير في عام 1954، ظهر عبدالعزيز بوتفليقة، الذي بدا ضعيفاً للغاية في كرسيه المتحرك، للعلن في مشهد نادر وغير مألوف. وقد عكس صورة نظام منهك تماماً.
وصرح أحد المراقبين المطلعين على الوضع، قائلاً: "نحن لا نعرف من الذي يقرر بدلاً من بوتفليقة، إن هذا الأمر مرعب. نحن شعب يفتخر بأنه أول من قاوم إرساء حكم ثيوقراطي، إلا أن هذا الشعب يشعر بالإهانة، لأنه تم جرّ أقدامه في الأوحال. ليس من عادة الجزائريين التذمر، بل هم يقبلون بالواقع، إلى أن يشعروا بأن كرامتهم تُنتهك. حينئذ، ستصعب السيطرة على ردود أفعالهم".