نقلت صحيفة Washington Post على لسان مسؤولين أميركيين أنَّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنتظر لترى نتائج تحقيقٍ سعودي في مقتل الصحافي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول، ويبدو أنَّها ليست في عجلة من أمرها لتقرير ما إن كانت ستعاقب السعودية أم لا، أو كيف تعاقبها.
ووفقا للتقرير فإن هناك حالة كبيرة من الغضب داخل الكونجرس الأميركي، لكنَّ انتخابات التجديد النصفية واستحالة عقد جلسات استماع بشأن ما تعرفه الإدارة الأميركية وما تعتزم عمله خلال عطلة الكونغرس قد حدَّا من أي رقابة مُنسَّقة ، حسبما قالت صحيفة The Washington Post الأميركية.
وقالت الصحيفة، أن الموقف الواضح حتى الأن من جانب الإدارة الأميركية هو مُقتَرح وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي قال هذا الأسبوع إنَّ الإدارة "تبحث فرض عقوبات على الأفراد.. المتورطين في جريمة القتل تلك".
وقال بومبيو في مقابلة على إحدى الإذاعات، أول من أمس الخميس 1 نوفمبر/تشرين الثاني: "سيستغرق الأمر منا في الغالب بضعة أسابيع أخرى قبل أن تكون لدينا أدلة كافية لوضع تلك العقوبات موضع التنفيذ فعلاً، لكنّي أعتقد أنَّنا سنكون قادرين على فعل ذلك".
غضب شديد بسبب مقتل جمال خاشقجي
وقالت الصحيفة إن أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين –الجمهوري والديمقراطي-عبروا عن غضبهم إزاء موت خاشقجي العنيف، وطالب بعضهم بتحركٍ قاسٍ يتراوح بين تعليق صفقات الأسلحة الأميركية والتعاون العسكري ووصولاً لإنهاء النقاشات بشأن التوصل لاتفاقٍ نووي مدني بين السعودية والولايات المتحدة.
البعض دعا الإدارة الأميركية لاستخدام قضية خاشقجي كورقة ضغط لإجبار السعودية على إنهاء حربها الوحشية التي تدعمها الولايات المتحدة في اليمن، وإنهاء الخلاف مع الجارة الخليجية قطر، التي تُعَد هي الأخرى حليفة للولايات المتحدة.
ونقلت Washington Post عن السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) الشهر الماضي، قوله قبل أن تعترف المملكة حتى بأنَّ عملاءها هم من نفذوا عملية قتل خاشقجي بنيةٍ مُسبَقة ورتَّبوا لإخفاء جثته: "آخر ما نرغب فيه هو المواصلة بردٍ تسير فيه الأمور كالمعتاد".
وألقى السعوديون القبض على 18 شخصاً معظمهم من العملاء الأمنيين الذين يقول السعوديون إنَّهم كانوا متورطين في جريمة مقتل خاشقجي، الصحافي السعودي الذي اختار العيش في المنفى وكان مُنتقِداً للنظام الملكي الحاكم، التي وقعت في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أثناء زيارةٍ قام بها للقنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي حين طالب الرئيس ترمب بالحقيقة ويُقال إنَّ كل الخيارات مطروحة على الطاولة، فإنَّه أكَّد مراراً أنَّ سير الأمور كالمعتاد مع السعودية هو بالضبط ما يوجد في ذهنه. واحتجَّ الرئيس بالأهمية الاقتصادية للمشتريات السعودية من الأسلحة الأميركية، واستقرار أسواق النفط العالمية، وما يعتبره أنَّه دور المملكة الرئيسي في تعزيز الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط.
وقال بومبيو إنَّ ترمب "أوضح جلياً أنَّنا لا نملك فقط علاقات تجارية مهمة السعودية، بل وعلاقات إستراتيجية مهمة، وعلاقات أمن قومي معها، ونعزم أن نتأكَّد من بقاء تلك العلاقات سليمة".
وقالت الصحيفة على لسان بومبيو إنَّ الولايات المتحدة لن تكون مُلزَمة لا بالرواية التركية ولا السعودية للأحداث، وإنَّها ستطور معلوماتها الخاصة وتخرج باستنتاجاتها. وقال مسؤولٌ أميركي إنَّ بومبيو يدفع السعوديين بقوة لإنهاء تحقيقهم بشأن عملية القتل سريعاً، ويُشدِّد على الحاجة للشفافية الكاملة في محادثاته مع الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان.
وأضاف المسؤول: "نتوقع أن يخرج السعوديون بشيءٍ ما قريب للغاية مما نعرفه جميعاً. لا يوجد هامش كبير للمناورة". ولم يتحدث المسؤولين الأميركيين ومسؤولي الخارجية الأميركية عن هذه المسألة الدبلوماسية الحساسة إلا بشرط عدم الكشف عن هُوياتهم.
تحقيقات سعودية رغم أن المسؤول عن القتل معروف
لكن الصحيفة قالت إن الإجابة عن تساؤل: "ماذا نعرف جميعاً" أمر جوهري. فالسعودية نفت قطعياً أي موافقة عالية المستوى على عملية خاشقجي. لكنَّ مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، وتقريباً كل الخبراء الأجانب في شؤون المملكة، يُصِرُّون على أنَّ التخطيط والتنفيذ لا يمكن أن يكونا حدثا دون علم وموافقة ولي العهد القوي.
ولا توجد توقعات تُذكَر بأنَّ السعوديين سيُورِّطونه في القضية، على الرغم من عداءه الشخصي المعروف تجاه خاشقجي، وسيطرته المنفردة على كل صغيرة وكبيرة داخل المملكة، وحقيقة أنَّ الكثير من أولئك الخاضعين الآن للاحتجاز هم عملاء أمنيون يعملوا لصالح القيادة السعودية.
واتهمت تركيا تقريباً محمد بن سلمان، منافس الرئيس رجب طيب أردوغان على الهيمنة في العالم الإسلامي. إذ تساءل أردوغان في عمود رأي نُشِر أمس الجمعة 2 نوفمبر/تشرين الثاني بصحيفة The Washington Post الأميركية، التي كان خاشقجي يكتب فيها: "مَن أصدر الأم بقتل مثل هذه الروح؟ نعلم أنَّ الأمر بقتل خاشقجي أتى من أعلى المستويات في الحكومة السعودية".
وكتب: "يبدو أنَّ البعض يتمنى أن تمر هذه "المشكلة" مع الوقت"، مشيراً أنَّ حكومته قد "شاركت أدلة مع أصدقائنا وحلفائنا، بما في ذلك الولايات المتحدة".
ورغم ذلك فهناك محاولات لإنقاذ ولي العهد
تتضمَّن الأدلة تسجيلاً التُقِط خلال عملية القتل داخل القنصلية، والذي أطلع الأتراك مديرة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) جينا هاسبل عليه حين زارت تركيا الأسبوع الماضي.
وحول العلاقات السعودية التركية، قالت Washington Post: "أيَّاً كان ما ستخلُص إليه الإدارة من استنتاجات، سيكون من الصعب الحفاظ على العلاقات الأميركية الحالية الوثيقة مع المملكة في الوقت نفسه الذي تُحاسِب فيه ولي العهد على مقتل خاشقجي".
ففي خطابٍ الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في واشنطن أمام المجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركية، أشار عضو كبير في الأسرة السعودية المالكة بقوة إلى أنَّ ما سمّاه "شيطنة" السعودية سيكون لها عواقب.
والأمير تركي الفيصل، نجل أحد الملوك السابقين وابن عم ولي العهد، هو رئيسٌ سابق للاستخبارات السعودية العامة وسفيرٌ سابق لدى كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب كون خاشقجي كان أحد المقربين السابقين منه، و المعروف بأنَّه أحد أعمدة الفرع الأكثر اعتدالاً وانفتاحاً على العالم داخل العائلة المالكة، رفض في تصريحاتٍ الأسبوع الماضي ظهرت بمقال رأي للكاتب في صحيفة The Washington Post ديفيد إغناتيوس، أي إشارة إلى أنَّ المملكة تريد تهميش ولي العهد الطموح. وقال: "كلما زادت الانتقادات لولي العهد، زادت شعبيته في المملكة".
وفي المؤتمر، أشار تركي إلى أنَّ التحالف الأميركي السعودي حافظ على استقرار أسواق النفط وحارب الإرهاب، وقال إنَّ "أركان" التعاون باتت الآن "في موضع تحدٍّ"، لكنَّه نبّه إلى أنَّ "أهمية السعودية لم تتغير.. وأنَّ المملكة هي مركز العالم الإسلامي".
علاوة على ذلك، قال تركي: "يجب على من بيته من زجاج ألا يقذف الناس بالحجارة. والدول التي عذبت وسجنت الأبرياء" و"شنَّت حرباً تسببت في مقتل عدة آلاف … بناءً على معلومات ملفقة، يجب أن تتعامل بتواضع مع الآخرين"، في إشارة واضحة إلى سياسة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وغزو العراق.
وأشار تركي إلى ازدواجية المعايير في التعامل مع السعودية. وقال إنَّ الفلسطينيين الأبرياء "يُذبَحون يومياً على يد جنود الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، لا أرى نفس الهياج الإعلامي، والمطالبة بمحاكمة الجناة، ومَن أَمَرَهم بقتل هؤلاء الأطفال".
ملف اليمن يجب علاجه
لم تلقَ المطالب الأميركية الغاضبة التي أُطلِقَت هذا الأسبوع لوقف إطلاق النار والتفاوض في اليمن اهتماماً كبيراً، إذ شنَّ التحالف العسكري بقيادة السعودية هجوماً جديداً هناك على المطار الدولي الذي يسيطر عليه المتمردون في العاصمة صنعاء، وكذلك على ميناء الحديدة، الذي يمثل بوابة حيوية للمساعدات الإنسانية التي تدخل البلد المُدَّمر.
وخلال زيارته إلى الرياض في مايو/أيار عام 2017، أعلن ترامب عن 110 مليارات من الدولارات ضمن ما أشار إلى أنَّها مبيعات عسكرية أميركية متفق عليها حديثاً للسعودية، وقد تضخَّم هذا الرقم من خلال تضمين اتفاقاتٍ عُقِدَت إبَّان فترة إدارة أوباما السابقة وخطابات إعلان نوايا طويلة الأجل لشراء المزيد من الأسلحة لمدة عقد قادم على الأقل.
ومنذ تولي إدارة ترمب مقاليد الأمور حتى الآن، وُقِِّعت عقود نهائية تبلغ قيمتها حوالي 14.5 مليار دولار، تشمل عقوداً لشراء طائرات هليكوبتر من طراز Chinook، واتفاقيات تدريب، وجزء من المبلغ قيمته نحو 7 مليارات دولار من أجل الذخائر دقيقة التوجيه، وقُوبِلَت معظم هذه العقود بالتعليق بسبب اعراضات من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على استخدامها في اليمن.
ولا تزال أكبر صفقة مُقتَرَحة ضمن الحزمة المعلنة، وهي صفقة بقيمة 15 مليار دولار لشراء بطاريات منظومة ثاد الدفاعية المضادة للصواريخ، محل تفاوض بعدما تجاوز السعوديون الموعد النهائي المحدد للتوقيع في 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
وأعلنت السعودية أنَّها تتفاوض أيضاً مع روسيا لشراء منظومة مضادة للصواريخ، التي قد يؤدي شراؤها إلى فرض عقوبات أميركية على الدول التي تشتري الأسلحة الروسية المتطورة.
وتُعرَض صفقات الأسلحة على الكونغرس قبل إتمامها، أولاً للحصول على موافقة "غير رسمية" من رئيسي لجنتي الشؤون الخارجية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ إلى جانب أرفع أعضاء حزب الأقلية باللجنتين.
بمجرد الانتهاء من ذلك، يُخطََر الكونغرس رسمياً بصفقة البيع المُقتَرَحة، ويكون لديه 30 يوماً لرفضها بتصويت الأغلبية، الذي يكون خاضعاً لحق النقض (الفيتو) من الرئيس.