كشفت صحيفة The Guardian البريطانية عن قناة تلفزيونية إيرانية معارضة ، تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، يجري تمويلها عن طريق هيئةٍ أجنبيةٍ سريةٍ وشركةٍ يديرها رجل أعمالٍ سعوديٌّ لديه علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويُرجَّحُ أن يثير هذا الكشف تساؤلات عن الاستقلالية التحريرية لقناة Iran International، إضافةً إلى أنه يأتي في توقيتٍ تتزايد خلاله المخاوف حول عددٍ من القنوات المرتبطة بالسعودية وتعمل في جميع أنحاء لندن.
وصرَّح مصدرٌ للصحيفةَ بأن الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتقد كثيرون أنه متورطٌ في جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، يمثل القوة الكامنة وراء قناة Iran International. لم تنكر القناة، التي تبث برامجها من منطقة تشيسوك بغربي لندن، المزاعم التي تشير إلى أنها تحصل على تمويلها من الديوان الملكي السعودي.
رواتب سخية للعاملين بالقناة ومصادر تمويل "مشبوهة"
ظهرت قناة Iran International فجأةً ضمن المشهد الإعلامي بلندن في العام الماضي (2017)، ويحصل كثيرٌ من أفراد طاقم العمل بالشبكة، المكون من 100 فرد، على رواتب سخيةٍ، تبلغ في الغالب ضعف ما يحصل عليه نظراؤهم، لكنهم كانوا يراوغون حول مصدر تمويل القناة.
يشعر ملايين الإيرانيين بالإحباط من خدمات البث التي تقدمها الدولة وتقف الرقابة عائقاً أمامها؛ لذا فإنهم يلجأون إلى مشاهدة القنوات الفضائية من خلال الأطباق الهوائية غير القانونية فوق أسطح المنازل.
وقد صارت لندن مركزاً لمثل هذه القنوات الإيرانية في المنفى، وتتضمن كذلك خدمات البث التي تقدمها النسخة الفارسية من شبكة BBC وأيضاً قناة Manoto TV، التي تبث النسخ الإيرانية من برنامجي The X Factor وCome Dine With Me.
زعم المصدر أن سعود القحطاني -كبير مسؤولي الاستعلامات لدى ولي العهد، وهو أيضاً كان أحد مسؤولَين بارزَين أُقيلا من منصبيهما على خلفية قضية خاشقجي– كان متورطاً في عملية تمويل قناة Iran International.
قال المصدر، وهو يتحدث عن ولي العهد: "يمكنك أن تتصور صورةً كبيرةً حول كيف أن هؤلاء الأطفال (مالكي وسائل الإعلام السعوديين) يحاولون بهذه الأموال المبعثرة (عن طريق محمد بن سلمان) السيطرة على العالم من خلال شراء الإعلام… إنها أموالٌ تأتي من الديوان الملكي".
قالت قناة Iran International إن أي تلميحات بأن قناة تلفزيونية إيرانية معارضة تورطت في أي نوعٍ من المخالفات، أو أنها خضعت لصورٍ غير ملائمةٍ من النفوذ، أو أنها لم تكن مستقلةً تحريرياً- كانت جميعها تلميحاتٍ لا تستند إلى أي أساس.
السعودية لا تقبل انتقادها، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بإيران
على الرغم من أن السعودية لا تتسامح إطلاقاً مع انتقاد الملكية المطلقة في البلاد، وهو ما تَأَكَّد من خلال اغتيال خاشقجي، فإنها تؤسس منظماتٍ إعلاميةً بلغاتٍ أخرى لتعزيز حرية التعبير، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بإيران.
قال إسكندر صادقي بروجردي، وهو زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في التاريخ الإيراني المعاصر بجامعة أوكسفورد: "برغم أن اليد الثقيلة للدولة الإيرانية تحظى من دون شكٍ بنصيبٍ كبيرٍ من المسؤولية عن الوضع الراهن وانعدام ثقة الجمهور بوسائل الإعلام التابعة للدولة، يبدو أن Iran International جزءٌ لا يتجزأ من قرار ولي العهد السعودي اتخاذ موقفٍ أكثر عدوانية ضد إيران، وتُشجعه على ذلك، من دون شك، إدارة ترمب".
ومع تعيينها عدداً كبيراً من الإيرانيين في المهجر، ومن ضمنهم نشطاء حقوقيون، لم تفصح Iran International عن أي تمويلاتٍ سعوديةٍ ترتبط بموظفيها الإيرانيين، وهو ما قد يعرض عائلاتهم في إيران للخطر.
قال أحد العاملين في القناة: "أخبروني بأن التمويل لا يشمل ولو حتى ريال سعودي واحد. إذا عرفت أنها تأتي من السعودية، لم أكن لأنضم إلى القناة. يمكنني القول إن Iran International تحولت إلى منصةٍ للتحيز العرقي والطائفي".
وهو ما تقوم به عن طريق قناة تلفزيونية إيرانية معارضة في لندن
في وقتٍ سابقٍ من هذا الصيف، انتُقدت القناة؛ لبثها تغطية مباشرة مكثفة لمسيرةٍ نظمتها حركة مجاهدين خلق، وهي منظمة شبه طائفية تنادي بتغيير النظام ولديها علاقات تجمعها بالسعودية.
يدافع مسؤولون بارزون في إدارة ترمب -من ضمنهم جون بولتون- عن هذه الجماعة، التي كانت مدرجةً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة حتى عام 2012.
ادعى الشخص الذي يعمل في قناة تلفزيونية إيرانية معارضة ، أن المحتوى التحريري للقناة تأثَّر بمستثمريها السريين الذين اختبأوا خلف شركة أجنبية مسجلة في جزر كايمان. وقال هذا الشخص إن تغطية مسيرة "مجاهدين خلق" شكَّلت مضربَ مثالٍ على هذا.
أجرت هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية الحكومية Ofcom تدقيقاً حول Iran International؛ لمنحها فرصة حديثٍ عبر شاشتها إلى المتحدث باسم حركة امتدحت هجمةً إرهابيةً في إيران خلال الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2018).
يدير شركة Volant Media، وهي الشركة المسؤولة عن إدارة قناة Iran International، رجلٌ سعوديٌ يدعى عادل عبد الكريم. حظي عبد الكريم بعلاقات عمل طويلة مع مديرين تنفيذيين سعوديين لديهم علاقات جيدة، وبعضهم يتمتع بعلاقات مع الديوان الملكي، من ضمنهم عبد الرحمن الراشد، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، أكبر شركة نشر في الشرق الأوسط.
تزعم العديد من المصادر أن الراشد، المدير العام السابق لقناة "العربية" المملوكة للسعودية، كان متورطاً كذلك في العمليات التشغيلية والتمويلية المرتبطة بقناة Iran International.
بإدارة مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
أوضح محررو القناة أمام العاملين فيها، أن نبيل الخطيب، أحد المستشارين العاملين مع Iran International، هو مشرف قناة تلفزيونية إيرانية معارضة وممثل المستثمرين. ويُزعم أن محرري Iran International استغلوا الجنسية الفلسطينية لـ "الخطيب" من أجل استمرار المراوغة حول التمويل السعودي القادم إلى القناة.
رأت صحيفة The Guardian وثائق مسربة تشير إلى أنه أثار تساؤلات عن تغطية Iran International المتعلقة بحقوق الإنسان في السعودية وقدم إسهامات إلى هذه التغطية، فضلاً عن اقتراح أفكارٍ لأخبار محددة، ولا سيما تلك الأخبار المتعلقة بإيران والسعودية. أنكر "الخطيب" وجود قراراتٍ تحريريةٍ تمارس نفوذاً على القناة، وقال إنه مستشارٌ مستقلٌ يقدم خدماتٍ إلى شركات البث حول العالم.
برز اسم "الخطيب" في الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2018)، باعتباره مدير مشروع "بلومبيرغ الشرق"، ضمن اتفاق موقَّع بين "بلومبيرغ" والمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.
أشار أحد المصادر إلى أن السعودية قدمت تمويلاً بقيمة 250 مليون دولار للمساعدة في انطلاق Iran International التي لا تدير أي إعلانات تجارية. لم يقدم المصدر إطاراً زمنياً، لكن تدقيقاً أُجري في إيجار مكتبها ورواتب موظفيها يشير إلى مدة أولية ممتدة إلى 5 سنوات، بقيمة 50 مليون دولار سنوياً.
خسرت Volant Media 26 مليون دولار في 2017، وفقاً للحسابات المقدمة في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ما يضع الموظفين بالقناة في موقف سياسي واقتصادي صعب
قال موظف سابق في قناة تلفزيونية إيرانية معارضة ، إن العديد من العاملين محصورون بين مطرقة وسندان. وأضاف: "لقد أدركوا أنهم لم يُبَلَّغُوا الحقيقة حول الممولين السعوديين للقناة، لكنهم في الوقت ذاته غير قادرين على تحمُّل الاستقالة أو ترك الوظيفة على الفور؛ خوفاً من تكبد رد الأموال بموجب عقودهم. يعتمد البعض على التأشيرة التي تكفلها القناة ليكونوا قادرين على مواصلة العيش في لندن".
قال غاري سيك، مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي لشؤون الخليج في إدارة كارتر، إن كلاً من إيران والسعودية تستفيد استفادةً فعالةً من الإعلام في تنافسهما الإقليمي.
وأوضح: "تمتلئ القناة الإيرانية Press TV بالأخبار السلبية عن القيادة السعودية، وتصور وسائل الإعلام الرسمية (وغير الرسمية) إيران على أنها المصدر الأكبر الوحيد لانعدام الاستقرار والإرهاب في الشرق الأوسط".
لم ينكر روب بينون، القائم بأعمال رئيس القناة، أن تمويل القناة جاء من الديوان الملكي السعودي.
قال بينون: "تقدم (Iran International) أخباراً لجميع الإيرانيين، في إيران وبالمهجر، وتجسد أكبر قدرٍ من تنوع الآراء. إن المحتوى الذي نقدمه ليس محكوماً بأفراد من الخارج وحسب؛ بل أيضاً من خلال الإرشادات التحريرية الخاصة بنا، التي تُنشر بالإنكليزية والفارسية على موقعنا".
وأضاف: "تتسم بالشفافية والحيادية، كما يمكنك أن ترى من المحتوى الذي نقدمه. والهيكل الإداري مثلما يمكن توقعه في أي منظمة إخبارية. والقرارات تُتَّخذ عن طريق كبار مديري التحرير، الذين يقدمون تقاريرهم إليّ".