حذَّرت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية، في ظلِّ وجود الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، الذي لا يمكن الوثوق به بحسب رايس، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في تركيا.
وقالت رايس في مقال بصحيفة The New York Times الأميركية الثلاثاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إن أزمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في مقر قنصلية بلاده، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، كشفت مدى صعوبة اعتماد واشنطن على الرياض في استقرار الشرق الأوسط.
وأضافت: تثير الأزمة في العلاقات الأميركية السعودية، التي عَجَّل بها القتل السافر لجمال خاشقجي سؤالاً حرجاً تريد إدارة دونالد ترمب تجنُّبه بوضوح: هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في التعاون مع ولي العهد محمد بن سلمان؟ في حين يؤكد التورّط شبه المؤكد للأمير الشاب في مقتل خاشقجي على "تهوره الشديد وفساد أخلاقه"، يكشفه أيضاً كشريك خطير وغير موثوق به بالنسبة للولايات المتحدة.
وتابعت: "لا ينبغي أن يتفاجأ أي مُراقب ذكي باكتشاف أنَّ الأمير محمد بن سلمان قادر على القيام بمثل هذا الفعل. نعم، قد نشعر بالصدمة حيال مدى فظاعة جريمة قتل خاشقجي ومدى حماقة الأكاذيب الكثيرة التي قالها السعوديون. بالطبع قد أُثلجت صدور العديد من الأميركيين، بدايةً من خبراء وادي السليكون، إلى افتتاحيات صحفنا الأميركية الكبرى، بوعود ولي العهد بالإصلاح والتسويق الماهر لقيادته. لكن بالنسبة للراغبين في رؤية هجومه الساحر فقد سبق وكشف الأمير محمد بن سلمان بالفعل عن شخصيته الحقيقية، من خلال العديد من الإجراءات المتهورة والسافرة".
لماذا لا يمكن الوثوق في ولي العهد السعودي؟
وبحسب رايس تُعد الحرب في اليمن أكثر هذه الإجراءات دموية، إذ أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص، وقتلت عدداً لا يُحصى من المدنيين، بما في ذلك الأطفال، لأنَّ السعوديين يرفضون استخدام تقنيات استهداف موثوق بها، كانت تلك الحرب عملية الأمير محمد بن سلمان منذ البداية.
يتشارك التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن المسؤولية المباشرة، إلى جانب الحوثيين وإيران، عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بينما تواصل الولايات المتحدة بلا خجل تقديم الدعم لحربهم الدامية. على الرغم من أنَّ إدارة باراك أوباما بادرت بدعم التحالف للمساعدة في الدفاع عن الأراضي السعودية من التوغل والهجمات الحوثية، تحرَّكت أخيراً لتقليص مبيعات الأسلحة عندما توسَّعت أهداف الحرب وانتُهِكَت القيود التي حاولنا فرضها.
في الداخل، قمع ولي العهد نشطاء المجتمع المدني. واحتجز لعدة أشهر مئات من أفراد العائلة المالكة وغيرهم من الأشخاص النافذين في فندق ريتز كارلتون بالرياض، وطالبهم بالتنازل عن مبالغ مالية ضخمة وأصول ثمينة مقابل الإفراج عنهم. وقد أطاح بمنافسيه وأقاربه المُقرَّبين، بما في ذلك ولي العهد السابق محمد بن نايف. وكما تشير قضية خاشقجي، أجرى محمد بن سلمان عملية تطهير شاملة للمعارضين السعوديين أينما كان محل إقامتهم.
وتابعت: خطف ولي العهد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ثم نفى ذلك. وفرض حصاراً حاقداً وشاملاً على دولة قطر المجاورة، وهي شريك مهم آخر للولايات المتحدة، وسعى إلى دفع الولايات المتحدة إلى الدخول في صراع مع إيران. وبسبب انزعاجه من تغريدتين انتقدت فيهما وزيرة الخارجية الكندية بشكلٍ لطيف موجة جديدة من الاعتقالات طالت ناشطين في مجال حقوق الإنسان في المملكة السعودية، خفَّض ولي العهد السعودي فجأة العلاقات الدبلوماسية مع العاصمة الكندية، أوتاوا، وسحب سبعة آلاف طالب سعودي من الجامعات الكندية، وجمَّد العلاقات التجارية والاستثمارية.
"لا بد من معاقبة الشريك"
وأشارت المسؤولة الأميركية السابقة، إلى هذه السلسلة من الإجراءات التي وصفتها بالجنونية، فإنَّ الأمير محمد بن سلمان لم يعد ولا يمكن النظر إليه باعتباره شريكاً عقلانياً أو موثوقاً به للولايات المتحدة وحلفائنا.
وأضافت إذا فشلنا في معاقبته مباشرةً، واستهدف فقط أولئك الموجودين حوله، سوف يتجرأ ولي العهد أكثر على اتخاذ إجراءات مُتطرّفة. وإذا عاقبناه، وهو ما يجب علينا فعله، فإنَّ الأمير محمد بن سلمان، من المرجح أيضاً أن يتصرف بمزيدٍ من انعدام المسؤولية لإظهار استقلاليته وانتقامه المُتقن ضد شركائه الغربيين السابقين. في كلتا الحالتين، يجب على إدارة ترمب أفتراض أنَّ الأمير محمد بن سلمان سيستمر في قيادة بلاده وعلاقتنا الثنائية أصبحت على الهاوية التي يُضرب بها المثل.
وتابعت للأسف، يبدو العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، غير راغب أو غير قادر على كبح جماح ابنه المارق. ومع إجبار المنتقدين على الرضوخ وتنحية المنافسين جانباً، لا يوجد بديل واحد على قائمة الانتظار قد يوفر للسعودية قيادة رصينة ومسؤولة.
وفي غياب تغيير يأتي من قمة السلطة، ينبغي علينا إعداد أنفسنا لمستقبل تكون فيه المملكة العربية السعودية أقل استقراراً وأصعب في إدارتها. في هذا السيناريو، ستكون المخاطر المحتملة على الأمن والمصالح الاقتصادية الأميركية خطيرة. فقد كانت الولايات المتحدة مُخطئة في ربط مصالحنا بالأمير محمد بن سلمان، لكنَّنا سنكون أكثر حماقة إذا واصلنا القيام بذلك.
ماذا يمكن أن تفعل أميركا في هذه الحالة؟
وبحسب المقال، فإنه بالنظر إلى المستقبل، يجب على واشنطن العمل على تخفيف حدة المخاطر التي تهدد مصالحنا الخاصة. لا ينبغي علينا تمزيق علاقاتنا الهامة بالمملكة، لكن يجب توضيح أنَّه لا يمكن أن يسير العمل بيننا كالمعتاد، ما دام الأمير محمد بن سلمان يواصل السيطرة على سلطة غير محدودة. ينبغي أن تركز سياسة الولايات المتحدة، بالاشتراك مع حلفائنا، على تهميش ولي العهد من أجل زيادة الضغط على العائلة المالكة لإيجاد بديل أكثر رصانة.
وتابعت: ينبغي علينا البدء في ذلك عن طريق قيادة جهود الضغط من أجل إجراء تحقيق دولي محايد في مقتل خاشقجي. يجب أن نكون مُتسقين وعلنيين في حكمنا بأنَّ الولايات المتحدة تعتقد أنَّ القتل لم يكن ليحدث من دون مباركة الأمير محمد بن سلمان، أو على الأرجح أمره.
بعد ذلك، ينبغي علينا وقف جميع أشكال الدعم العسكري لحملة قصف اليمن السيئة، والضغط على السعوديين للتوصل إلى تسوية تفاوضية. ينبغي أيضاً تعليق جميع مبيعات الأسلحة الأميركية للمملكة فوراً، وإجراء مراجعة دقيقة وشاملة لأي شحنات تسليم أسلحة مستقبلية ووقف جميعها باستثناء تلك التي نُحدّد أنَّها تُعزّز مصالح الأمن القومي الأميركي، بالتشاور الوثيق مع الكونغرس.
وختمت المسؤولة السابقة قائلة أخيراً، ينبغي علينا التوقف عن اتِّباع الأمير محمد بن سلمان في الإجراءات عديمة الجدوى، التي تؤدي إلى طرق مسدودة، وطرح تساؤلات وشكوك صحية في تعاملاتنا معه، خاصةً تلك التي تتطلب الاعتماد على كلمته أو حكمه.
نحن بحاجة إلى التوقف عن تمييز علاقة جاريد كوشنر مع ولي العهد، وأخيراً ملء مقعد السفير الأميركي الشاغر في المملكة العربية السعودية، من أجل التواصل مع مجموعة أوسع من كبار المسؤولين السعوديين. يجب أن ينتهي افتتان الرئيس ترمب غير المفهوم بالأمير محمد بن سلمان، ويجب عليه مراجعة السياسة الأميركية بما يخدم مصالحنا الوطنية، ليس مصالحه الشخصية أو مصالح ولي العهد.