تسبّب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول بأزمة دبلوماسية وكارثة علاقات عامة للرياض، لكن بالنسبة لضحايا الحرب في اليمن التي تقودها المملكة فإن شيئاً لم يتغير.
وقتل 24 مدنياً على الأقل، الأربعاء الماضي، في محافظة الحديدة، الواقعة في غربي البلد الفقير، وهي مركز حملة عسكرية ضخمة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
واستهدفت إحدى الغارات مصنعاً لتعليب الخضراوات في منطقة المسعودي في مديرية بيت الفقيه، بحسب الأمم المتحدة. ولم تحظَ هذه الغارات بأي اهتمام عالمي يذكر.
ويشهد اليمن منذ 2014 حرباً بين المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس التحالف العسكري في مارس/آذار 2015، دعماً للحكومة المعترف بها دولياً، بعد سيطرة المتمردين على مناطق واسعة بينها صنعاء ومدينة الحديدة.
ويواجه نحو 14 مليون يمني خطر المجاعة الوشيكة، بسبب النزاع الذي أدى إلى انهيار القطاعات الغذائية والصحية والتربوية وغيرها.
وفي شهر سبتمبر/أيلول وحده، تعرَّض اليمن إلى 154 غارة جوية على الأقل، بحسب إحصائيات جهات مستقلة.
وتخضع السعودية حالياً لضغوط كبيرة، بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، الذي كان يكتب مقالات رأي في صحيفة "واشنطن بوست" ينتقد فيها سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع.
ورغم ذلك، يستبعد محللون أن يسلِّط مقتل خاشقجي الضوءَ على سياسات الرياض الإقليمية، ما يترك المدنيين اليمنيين وحدهم يقاتلون للنجاة من المعارك، والمجاعة، ومن انهيار اقتصادي قد يؤدي إلى نتائج مميتة أيضاً، كالحرب.
حرب علاقات عامة
يؤكد فارع المسلمي، وهو باحث في تشاتام هاوس: "تعرَّضت السعودية لانتقادات بسبب مقتل جمال خاشقجي أكثر مما تعرَّضت له عبر السنوات الماضية بسبب حرب اليمن".
وأضاف: "بالنسبة لأي حكومة، فإنها (قضية خاشقجي) لعبة علاقات عامة سهلة، حتى لو كانت متورطة في اليمن منذ سنوات"، في إشارة إلى الغضب الذي عبَّرت عنه عدة دول في الإعلام، إزاء مقتل خاشقجي، بينما ظلَّت تتجاهل دورَها في حرب اليمن.
ويعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المهندس الرئيسي للحرب التي تقودها السعودية مع تحالف واسع ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وتقول الأمم المتحدة إن التحالف والمتمردين ارتكبوا في اليمن تجاوزات قد ترقى إلى مستوى "جرائم حرب". وكانت أدرجت التحالف بقيادة السعودية على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق الأطفال.
ويسيطر التحالف أيضاً على المجال الجوي اليمني، ويفرض حصاراً يتقلَّب في شدته، على موانئ البلاد ومطاراتها، مؤكداً أنه إجراء ضروري لمنع تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين.
ومن غير المرجح أن يتعرض ولي العهد السعودي لانتقادات لدوره في حرب اليمن، بحسب محللين، خصوصاً أن السعودية، التي تنفّذ طائراتها غالبية الضربات المؤيدة أحياناً لسقوط ضحايا مدنيين، هي في الوقت ذاته أكبر مانح لليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
ويقول المسلمي لوكالة فرانس برس: "مقتل جمال سيناريو واضح… لم يكن للدول الغربية أي دور مباشر فيه". ويستدرك: "لكن اليمن أمر معقد. لا يوجد أبيض أو أسود هنا".
ومنذ التدخل السعودي، قُتل في اليمن نحو 10 آلاف شخص، غالبيتهم من المدنيين، بحسب منظمة الصحة العالمية، في حين تقدِّر منظمات حقوقية أخرى أن العدد قد يصل إلى 50 ألف شخص.
يستحقون الاهتمام
يقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن 98% من الأسلحة التي تستوردها الرياض تأتي من الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت ألمانيا أعلنت الأسبوع الماضي، أنها علَّقت بيع السلاح للسعودية، بعد مقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، بقنصلية بلاده في إسطنبول، في حين اتهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ضمناً، ألمانيا بانتهاج سياسة "ديماغوجية" عبر الطلب من الأوروبيين وقف بيع السلاح إلى الرياض.
لكن فرنسا وألمانيا عادتا، السبت 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018، لإعلان أنهما تؤيدان "موقفاً منسقاً على المستوى الأوروبي" بشأن عقوبات محتملة على الرياض رداً مقتل خاشقجي.
ورفضت واشنطن أيضاً التخلي عن السعودية كشريك تجاري، والتي اشترت -بحسب ما أعلنه الرئيس دونالد ترمب- أسلحة بقيمة "110 مليارات دولار" من الولايات المتحدة.
وكانت تقارير نُشرت في أغسطس/آب 2018، أوردت أن شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية صنعت قنبلة "إم كي 82" الموجهة بالليزر والتي ضربت حافلة مدرسية تقل أطفالاً شمال اليمن؛ ما أدى إلى مقتل 40 طفلاً.
وقامت الولايات المتحدة، بقيادة باراك أوباما، سلف ترمب، بتوسيع عملياتها في اليمن، الذي يعد معقلاً رئيسياً لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ومنذ التدخل السعودي في اليمن عام 2015، قدّمت القوات العسكرية الأميركية مساعدات إلى التحالف، تتمثل بمساعدات في الاستهداف الجوي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإعادة التزود بالوقود في الجو.
وأدّت وظيفة خاشقجي ككاتب مقالات رأي في إحدى أهم الصحف الأميركية، إلى إعطاء مقتله اهتماماً دولياً، في حين تتخوّف منظمات حقوقية من أن العالقين بالحرب التي تؤدي السعودية دوراً مركزياً فيها، سيبقون في الهامش.
وتؤكد كريستين بيكرلي، وهي باحثة بشؤون اليمن في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، أن "كل ضحية لضربة غير قانونية يشنّها التحالف السعودي في اليمن تستحق الاهتمام كقضية مقتل كاتب في (واشنطن بوست)".
وتابعت بيكرلي: "عريس وحفل زفافه؛ طفل يقبع في السجن؛ قرويون يحفرون بئراً؛ حشود في السوق.. كلهم قُتلوا أو أصيبوا في غارات شنها التحالف الذي تقوده السعودية".
وترى أنه "لم تكن أي من جرائم الحرب هذه في اليمن قادرة على إثارة الدرجة نفسها من الغضب الدولي الذي تسبب فيه مقتل خاشقجي بالأسابيع القليلة الماضية".