مع تصاعد الغضب الدولي من جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وتوجيه بعض الأصوات أصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالمسؤولية عن هذه الجريمة، يتساءل البعض عن المصير الذي ينتظر ولي العهد، هل يظل في موقعه أم يرحل؟
روبن رايت الكاتبة الصحافية بمجلة The New Yorker الأميركية حاولت الاجابة عن هذا السؤال.
رايت أشارت في بداية مقالها إلى أن ذاكرة السعوديين لم تنسَ الإطاحة بملكين سعوديين منذ تأسيسها. كانت المرة الأولى عندما أُجبِرَ الملك سعود، ابن مؤسس الدولة السعودية والخليفةُ الأول له، على مغادرة السلطة بطريقةٍ سلمية في عام 1964. لكن ظلَّت عملية الإطاحة به 6 أعوام في طور الإعداد.
والمرة الثانية عندما اغتيل الملك فيصل، الذي نظَّم الانقلاب على الملك سعود وأصبح خليفته، بعد 11 عاماً من ذلك، على يد ابن أخيه (بعد 3 أشهر، أُعدِمَ ابن أخيه بسيفٍ ذي مقبضٍ ذهبي، وسط حشدٍ من الناس، هتفوا: "الله أكبر").
مع توجيه أصابع الاتهام إلى ولي العهد يتذكرون ما حصل في الماضي
وتقول رايت: "لا تزال كلتا الحالتين عالقة في الذاكرة العامة، مع تزايد التساؤلات عن قائد المملكة العربية السعودية الفعلي حالياً وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودوره في جريمة قتل جمال خاشقجي.
كان العديد من الرجال المتورِّطين في جريمة قتل الكاتب الصحافي بصحيفة The Washington Post الأميركية، والتي وقعت بالقنصلية السعودية في إسطنبول، جزءاً من الدائرة الداخلية أو الحاشية الأمنية للأمير محمد بن سلمان".
وتدلل الكاتبه على وجهة نظرها بما قاله السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لشبكة CNN الأميركية، عن وضع محمد بن سلمان من الجريمة؛ إذ قال: "نعم، أعتقد أنَّه فعل ذلك".
واتَّهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعض المسؤولين السعوديين من ذوي المراتب العليا بالتورُّط في القتل؛ إذ قال أردوغان أمام البرلمان التركي: "تجب محاسبة الجميع، بدءاً من الشخص الذي أصدر الأمر، إلى الشخص الذي نفَّذ".
وتراجع المسؤولون السعوديون مرة أخرى الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018 -أي بعد أسبوعين من ادعاء أنَّ الصحافي السعودي قد خرج من القنصلية على قيد الحياة، ثم ادعاء أنَّه قُتِلَ عن طريق الخطأ إثر شجار عنيف- عن رواياتهم السابقة، وأقروا بأنَّ "معلومات جديدة" جُمِعَت في تحقيق مشترك مع تركيا، أكدت أنَّ الجريمة كانت متعمدة بالفعل.
تقول رايت: "يبدو أنَّ ولي العهد يدرك المخاطر القادمة التي تنتظره. ويبدو أيضاً أنَّه يقامر بأوراق اعتماده السياسية، سواء داخل وطنه أو في أعين العالم الخارجي. وقد أصدر أول تعليق علني على مقتل خاشقجي في مؤتمر (دافوس الصحراء)، المُصمَّم لجذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل خطته الاقتصادية الطموحة (رؤية 2030).
كسر محمد بن سلمان، أخيراً، صمته الذي دام 3 أسابيع على مقتل المواطن السعودي، قائلاً يوم الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018: كان الحادث مؤلماً حقاً لجميع السعوديين. وأعتقد أنَّه مؤلم لكل إنسان في العالم. إنَّها جريمة بشعة لا يمكن تبريرها".
من الواضح أنَّ التعليق الأول لولي العهد السعودي -والقبض مؤخراً على 18 سعودياً مشتبه فيهم- لن يكون كافياً، لا سيما بالنسبة للمجتمع الدولي. صوَّت البرلمان الأوروبي يوم الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مع 325 عضواً مؤيداً مقابل عضو واحد معارض، على حظر جميع صادرات الأسلحة من "أنظمة المراقبة وغيرها من المواد ذات الاستخدام المزدوج التي قد تُستخدم في السعودية لأغراض القمع". ودعا أعضاء من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن إلى فرض قيود على صادرات الأسلحة، خاصةً التي تُستخدم في حرب السعودية المستمرة منذ 3 سنوات باليمن.
4 سيناريوهات تواجه ولي العهد السعودي
يشير خبراء سعوديون وخبراء في شؤون الشرق الأوسط إلى أنَّ هناك 4 سيناريوهات محتملة على الأقل حول تطوُّر تداعيات مقتل خاشقجي بالنسبة لمحمد بن سلمان، على النحو التالي:
السيناريو الأول أن يهدأ الغضب الدولي:
أحد السيناريوهات هو أن يهدأ الغضب الدولي في نهاية المطاف، ويبقى محمد بن سلمان ولياً للعهد ويحتفظ بقبضته على مستقبل البلاد. قال الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات السعودية وسفير سابق لدى الولايات المتحدة، لديفيد إغناتيوس، من صحيفة The Washington Post، هذا الأسبوع: "إنَّ الأشخاص الذين يعتقدون أنَّه سيكون هناك أي تغيير في تسلسل الخلافة، على خطأ". وأضاف: "كلما زاد الانتقاد الأجنبي لولي العهد، ازدادت شعبيته في المملكة".
بدا محمد بن سلمان، قبل جريمة القتل، يحظى بدعم شعبي على نطاق واسع بين الشباب السعودي؛ لأنَّه حرَّر صمامات الأعراف الاجتماعية الجامدة للمملكة؛ إذ افتتح دُوراً للعرض، وسمح للنساء بقيادة السيارة، وقيَّد سلطة شرطة الأخلاق الدينية في المملكة.
السيناريو الثاني: استبدال محمد بن سلمان:
السيناريو الثاني هو استبدال محمد بن سلمان كولي للعهد. وهناك سابقة لهذا بالفعل. فقد أزاح الملك سلمان منذ وصوله إلى العرش قبل 3 سنوات اثنين من أولياء العهد؛ هما الأمير مقرن بن عبد العزيز، واحد من الجيل الأخير الذي أنجبه مؤسس المملكة السعودية، في عام 2015؛ والأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السابق الحليف الوثيق للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، في عام 2017، وذلك لإفساح الطريق أمام محمد بن سلمان. وتقول رايت إن الأمير نايف ما زال تحت الإقامة الجبرية الفعلية.
وقال بروس ريدل، مسؤول سابق بالاستخبارات الأميركية، في إحدى فعاليات مركز ويلسون يوم الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018: "الكثير من كبار الأمراء يهمسون في أذن الملك بأنَّه قد حان الوقت لإزاحة محمد بن سلمان وتنصيب ابن آخر للملك أو فرد آخر من العائلة المالكة بدلاً منه". وأضاف: "يجب أن يدركوا أنَّ محمد بن سلمان هو الخطر الأكبر على المملكة اليوم".
ربما تكون إطاحة ولي العهد أمراً ممكناً، لكنَّها غير محتملة حتى الآن. سيتطلب الأمر قراراً من الملك بالتحول ضد ابنه المفضل.
وكما قال السيناتور كوركر لشبكة CNN، إنَّ الملك سلمان "غير متماسك صحياً بصورةٍ واضحة"، وهذا هو أحد الأسباب التي مكَّنت محمد بن سلمان من توطيد سلطته سريعاً على جميع أجنحة السلطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ودمجها تحت مظلة منصبه الخاص.
ليس هناك أي علامة حتى الآن على وجود ائتلاف داخل العائلة المالكة لمنع صعود محمد بن سلمان إلى العرش.
ويقول غريغوري غوز، الخبير في الشؤون السعودية بكلية بوش للحكم في جامعة تكساس إيه آند إم: "لم أر أي دليل عام -كما حدث في الوقائع الماضية- على وجود جدال داخل الأسرة المالكة. على الرغم من أن كثيرين لا يحبونه، فإنهم لا يملكون القدرة على التحالف معاً لإيقافه".
إنَّ عائلة آل سعود اليوم هي أكبر بكثير مما كانت عليه خلال أول انتقالين مؤلمين للسلطة منذ عقود مضت. فالعائلة المالكة ممتدة للغاية، كان لدى الملك عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية، أكثر من 40 ابناً وأكثر من 40 ابنة. أنجب سعود، ابنه، أكثر من 100 طفل. تتكون العائلة المالكة الآن من الآلاف الأعضاء. وبسبب هذا الحجم الضخم للعائلة والانتقال الوشيك من الجيل الأول من الإخوة إلى بعض أبنائهم، أعلن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في عام 2006 إنشاء هيئة البيعة، التي تضم حالياً 35 فقط من كبار الأمراء. اعتاد الملك وحده اختيار ولي العهد.
تمتلك هيئة البيعة الآن سلطة التصويت على مرشح الملك. اختار عدد قليل من هيئة البيعة التصويت ضد محمد بن سلمان عندما عُيِّن ولياً للعهد في العام الماضي (2017). وقد أبدى عدد من أفراد العائلة المالكة استياءهم في الماضي بشأن الطرق القمعية المتزايدة التي يتبناها محمد بن سلمان، لكن لم يكن الكثير منهم على استعداد لتحدِّيه عندما كان يوطِّد سلطته.
وتقول رايت: "لا يجرؤ سوى عدد قليل من السعوديين على تحدي ولي العهد القوي علناً؛ خوفاً من الانتقام". وتضيف أن أكاديمياً سعودياً، طلب عدم الكشف عن هويته؛ لأن عائلته تعيش في المملكة أخبرها بأن "معظم الناس غير الراضين عن محمد بن سلمان سعداء بالضغط عليه من خارج البلاد. هم لا يريدون أن يصبحوا ضحايا من خلال الاحتجاج علناً ومواجهة حملة هجوم وقمع".
وأضاف أنَّ "الفوضى المنتشرة في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط -في سوريا وليبيا واليمن والعراق- كانت أيضاً بمثابة صورة مُتحقّقة على أرض الواقع في التفكير السعودي العام، وأنَّه بإمكان شخص ما من خارج النظام أن يجعله ينهار. فهم لا يريدون أن يعيشوا حالة عدم استقرار مثل أي مكان آخر في المنطقة".
السيناريو الثالث: "قص أجنحة ولي العهد" فلا يتصرف منفرداً
السيناريو الثالث هو أن تضعف قبضة محمد بن سلمان على السلطة، ربما عن طريق تعيين أمراء آخرين لتولي بعض مهامه الحالية. تقول رايت إن غوس قال لها: "قد نرى عملية قص لأجنحته. ربما يُعيَّن بعض كبار الشخصيات في مناصب جديدة -على سبيل المثال، خالد الفيصل كوزير للخارجية- ليكونوا بمثابة حواجز تحمي السياسة الخارجية؛ ومن ثم لا يستطيع محمد بن سلمان التصرف بشكل أحادي الجانب. لكن الأمور شديدة السيولة".
ومن جانبه، أضاف الأكاديمي السعودي أنَّ "محمد بن سلمان سيكون عليه الرضوخ وتقديم تنازلات. لا يستطيع الحكم كما فعل قبل شهر".
قد لا يتمكَّن ولي العهد من الصعود إلى العرش بالسرعة التي كان يأمل بها. كانت هناك تكهنات على مدار أشهر بالمنطقة وفي واشنطن بأنَّ محمد بن سلمان كان يناور من أجل تنحية والده كملك ليصبح وصياً عليه، مستشهداً باعتلال صحته. وبذلك، يصعد محمد بن سلمان إلى العرش في حين لا يزال والده على قيد الحياة. هذا من شأنه أن يجعل من الصعب ظهور أي معارضة داخل العائلة المالكة، كما كان ربما سيحدث بعد وفاة الملك.
وقال غوس إنَّ "موت خاشقجي يجعل هذا السيناريو أقل احتمالاً؛ إذ يحتاج محمد بن سلمان الآن مظلة حماية والده حتى يهدأ هذا الصخب".
السيناريو الرابع: أن يلقى مصير الملك فيصل
السيناريو الرابع هو ما حدث للملك فيصل: شخص ما يغتاله جسدياً. يبدو هذا السيناريو، إلى حدٍّ بعيد، الأقل احتمالاً. فأياً كان ما يحدث لمحمد بن سلمان، سيكون له تداعيات عارمة يُمكن أن تُشكِّل مستقبل المملكة الصحراوية عقوداً عديدة. وسوف تؤثر بدورها على منطقة الخليج المجاورة، وعلى الأخص حرب السعودية المفتوحة التي بدأت عام 2015 على اليمن الواقعة على حدودها الجنوبية وحصار المملكة لقطر الذي بدأ في عام 2017. كانت كل هذه القرارات من بنات أفكار ولي العهد، البالغ من العمر 33 عاماً فقط.
كذلك، سيؤثر مصيره في الشرق الأوسط الأوسع أيضاً، بالنظر إلى سياسة محمد بن سلمان الخارجية المتشددة في لبنان ومصر وسوريا. ومن ثم، سيكون لهذا السيناريو تأثير كبير في جميع أنحاء العالم؛ نظراً إلى أن المملكة السعودية هي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم وأكبر مستودع لإمدادات النفط بالمستقبل. وتعتمد عشرات الدول عليها في الحصول على إمدادات الطاقة والوقود. فإن تداعيات مقتل جمال خاشقجي قد بدأ للتو يُشعَر بها.