شكَّل الأمير تركي الفيصل حالة فريدة من بين الأشخاص الذين أعربوا عن أسفهم لمقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، خاصة أن الأخير ظل لفترة طويلة أحد مقربيه.
قال الأمير تركي إنه يشعر بالصدمة لفقدان خاشقجي، لكنه يساند الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد في هذه الأزمة، وأضاف: "الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ تسلسل توريث الحكم سيشهد أي تغيير مُخطئون".
واستطرد قائلاً: إنَّ السعوديين أصبحوا أكثر تأييداً لولي العهد نتيجة الهجوم الذي يتعرض له.
ترى صحيفة The Washington Post الأميركية، أن تصريح الأمير تركي يدحض بذلك التكهنات بأنَّ محمد بن سلمان قد يُنحَّى عن ولاية العهد بسبب الادعاءات التي تفيد بأنَّه صرَّح بالعملية التي أسفرت عن وفاة خاشقجي، كاتب الأعمدة المساهم في صحيفة The Washington Post الأميركية.
وأضاف الأمير تركي: "كلما زاد الانتقاد ضد ولي العهد، اكتسب شعبية أكبر في المملكة. وإذا أجريت استطلاع رأي بين السعوديين اليوم، فستجد أنه أصبح أكثر شعبية مما كان عليه قبل أسبوعين".
هكذا ينظر أفراد العائلة المالكة لتعامل المجتمع الدولي مع أزمة مقتل خاشقجي
برر الأمير تركي ما قاله بأنَّ "السعوديين يشعرون أنَّ قائدهم يتعرض لهجوم غير عادل في وسائل الإعلام الأجنبية. وهذا ينطبق على العائلة الملكية أيضاً. إذ يشعرون أنَّ هذا هجوم على المملكة العربية السعودية والعائلة الملكية، وليس محمد بن سلمان وحده".
وقالت الصحيفة الأميركية إنه لا توجد وسيلة للتحقق من صحة هذه المزاعم حول التأييد الشعبي الذي يحظى به محمد بن سلمان، غير أنه من اللافت أن يصدر ذلك الرأي المؤيد للقصر السعودي عن الأمير تركي الذي يتكلم -بصفته رئيساً سابقاً للاستخبارات السعودية وسفير المملكة إلى لندن وواشنطن- نيابةً عن فرع من العائلة الملكية معروف بآرائه المعتدلة.
لكن في المقابل قال مسؤول أميركي إنَّ أفراد الأسرة الملكية السعودية، الذين عملوا في الولايات المتحدة، يدركون مدى جدية القضية، لكنَّ المقرَّبين من ولي العهد "لديهم يقين أشد بأنَّ الأمر سيمُر"، وهو ما قد يؤكده كلام الأمير تركي.
كما أن تصريحات الفيصل قد تتناقض مع ما شهدته الأسرة المالكة العام الماضي، عندما أقدم الأمير محمد بن سلمان على الصعود لولاية العهد خلفاً لابن عمه الأمير محمد بن نايف، وما تبعها من حملة شنها محمد بن سلمان طالت أفراد من العائلة المالكة ورجال أعمال.
وجاءت تصريحات تركي عشية خطاب ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتهم فيه السعوديين بارتكاب "جريمة مروعة" لكن دون أن يكشف عن أية أدلة جديدة من شأنها التأكيد على أنَّ الرياض خططت سلفاً لقتل خاشقجي.
تحدثت إلى الأمير تركي، مساء الإثنين الماضي 22 أكتوبر/تشرين الأول مدة 90 دقيقة في مقر إقامته في بلدة ماكلين بولاية فرجينيا الأميركية. ووصف تركي لقاءه هناك في الليلة السابقة بإحدى زوجات خاشقجي السابقة وثلاثة من أطفالهما "لينقل تعازي" الملك وولي العهد. وقال تركي: "تحدثنا عن أوقاتٍ سابقة حين كنا في واشنطن ولندن".
ووقع مشهد تعزية مماثل في العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء، 23 أكتوبر/تشرين الأول، الابن الأكبر لخاشقجي، ويُدعى صلاح، الذي مُنِع من مغادرة المملكة منذ شهور في إطار حملة ضغط واضحة ضد خاشقجي. وظهر صلاح في فيديو وهو يصافح الرجل الذي يتهمه البعض بالتسبب في وفاة والده.
كيف تعرَّف الأمير تركي على خاشقجي؟
وقال تركي إنَّ خاشقجي لفت انتباهه لأول مرة في عام 1988، بعد أن سافر الصحافي إلى أفغانستان مراسلاً لصحيفة Arab News التي يقع مقرها في الرياض.
وأضاف الأمير السعودي أنَّ خاشقجي في ذلك الوقت "لم يكن لديه أية علاقة مع المخابرات السعودية، ولا حتى على مستوى أدنى". ولكن عندما أصبح خاشقجي محرراً لصحيفة Arab News في تسعينيات القرن الماضي، التقيا معاً.
وفي السنوات التالية، تكفَّل تركي بخاشقجي إذ وظَّفه مرتين؛ الأولى محرراً لصحيفة الوطن المملوكة للعائلة، والثانية حين استجلبه إلى لندن وواشنطن بوصفه مستشاراً إعلامياً عندما أصبح الأمير سفيراً.
وقال تركي: "كان إنساناً محبوباً بروح مرحة رائعة، وكان صحافياً دقيقاً، ويؤدي عمله بجدية شديدة".
وعلى غرار الكثير من أصدقاء خاشقجي الآخرين، وصف تركي الصحافي الراحل بأنه كانت لديه روح إيجابية افتقرت إلى الواقعية في بعض الأحيان.
وأضاف الأمير: "دائماً ما كنت أقول له: هيا يا جمال توقف عن المزاح… لا أصدق أنك بهذه السذاجة.. توقف عن هذا".
وأضاف تركي أنَّ الحياة باعدت بين الرجلين منذ 4 سنوات، ويرجع ذلك جزئياً إلى اختلاف وجهات النظر بينهما حول جماعة الإخوان المسلمين.
وقال تركي إنه كان يحذر خاشقجي من "أنها جماعة لجأت لأعمال إرهابية للترويج لآرائها تحت قناع الليبرالية. وكان (خاشقجي) دائماً ما يجيب: نعم، انتقدتهم لهذا ودعوتهم إلى التجديد. إذ إنَّ (أفكارهم) بالية وبحاجةٍ إلى تغيير".
أفراد العائلة الملكية يوحِّدون صفوفهم
جديرٌ بالذكر أنَّ أفراد العائلة الملكية يوحِّدون صفوفهم في أوقات الأزمات، وأشار حديث مراسل الصحيفة الأميركية مع الأمير تركي إلى أنَّ الفترة الحالية ليست مختلفة؛ إذ أصر تركي قائلاً: "تشويه سمعة السعودية ظالم جائر".
وراوغ في الإجابة على أسئلةٍ عمَّا إذا كان يتعين على الأمير محمد بن سلمان توسيع قاعدته الشعبية لتحقيق استقرار المملكة واستئناف برنامجه الإصلاحي المعروف باسم "رؤية 2030".
إذ قال: "الناس في السعودية راضون عن القيادة؛ لأنها خرجت برؤية حول المستقبل وتعمل على تنفيذها. فإذا كان عليهم مراجعة هذه الرؤية أو تعديلها أو إدخال إضافات إليها، فهذا أفضل. رؤية 2030 ليست وحياً إلهياً".
وأضاف أنَّه حين سمع تأكيد خبر وفاة خاشقجي الأسبوع الماضي، "كان الأمر صادماً. فحتى آخر دقيقة، كنت آمل أن يكون على قيد الحياة".
ويختم صحافي "واشنطن بوست" الذي قابل الأمير تركي قوله: "أحياناً في الموت، يحقق الناس أهدافاً بدت خلال حياتهم مستحيلة بل وحتى ساذجة. وأياً كان ما سيحدث مع الأمير محمد بن سلمان، لن تظل السعودية كما كانت، وذلك بسبب مقتل خاشقجي".