ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان خطاباً، أمس الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، بشأن مقتل جمال خاشقجي ، وكان إغفال اسم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و"الإشادة" بخطوات الملك سلمان سمةً واضحةً في الخطاب.
يقول تقرير لصحيفة Washington post الأميركية، يُنظر إلى محمد بن سلمان على نطاق العالم بصفته الحاكم الفعلي للسعودية، ومنذ اختفاء خاشقجي والأسئلة تحوم حول ما إذا كان من الممكن أن تصدر أوامر بالقبض عليه أو اغتياله دون موافقة محمد بن سلمان، لكنَّ أردوغان لم يوجه تعليقاته ومناشداته من أجل تحقيق العدالة ومطالبته بالحصول على إجابات إلى محمد، بل إلى والده الملك سلمان.
هل هو محاولة لإثارة الخلاف بين الملك سلمان وولي عهده؟
إذا كان ذلك يعد تعبيراً عن الاحترام البالغ للعاهل السعودي، فمن ناحية أخرى هو بمثابة محاولة لإثارة خلاف بين الملك وولي العهد، الذي يراه الرئيس رجب طيب أردوغان خصماً ومعارضاً أيديولوجياً، فضلاً عن تشكيله تهديداً لمصالح تركيا وطموحاتها في الشرق الأوسط، حسبما يرى المحللون.
وأضاف المحللون أنَّ هناك جدالاً حول ما إذا كان قصد أردوغان هو تهميش محمد بن سلمان في حديثه، أم كان يحاول دفع سلمان لاختيار خليفةٍ جديد، لكنَّه في كلتا الحالتين كان يحاول ألا يضر بالعلاقات بين تركيا والسعودية.
وكان ذلك هو الدليل الأحدث على عزم أردوغان على استغلال قضية خاشقجي، وإطالة أمدها ربما، من أجل خدمة أهدافه الاستراتيجية الأكبر.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع من مقتل جمال خاشقجي على يد السعوديين، فيما وصفه أردوغان بأنَّه عملية "مُدبرة"، لم تَبُح حكومته علناً بعد بكل ما تعرفه عن المؤامرة ومَن أصدر الأوامر بتنفيذها.
وأنكرت السعودية أي معرفة بمكان خاشقجي لأسابيع، لكنَّها أقرَّت في الأيام القليلة الماضية بأنَّه قُتل فيما وصفته بأنَّه عراك بالأيدي مع عملاء سعوديين "مارقين".
وقال المحققون الأتراك إنَّهم تمكنوا من كشف معظم أجزاء الخطة خلال أيامٍ من مقتل خاشقجي، لكنَّ استراتيجيتهم انطوت على تسريب التفاصيل شيئاً فشيئاً، والضغط على السعوديين للكشف عمَّا حدث وربما انتزاع تنازلاتٍ من الرياض وحلفائها.
الرئيس رجب طيب أردوغان وجَّه "رسالة مباشرة" للعاهل السعودي
استمرَّ خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي ألقاه الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، على هذا النمط، وكشف فيه تفاصيل جديدة مثيرة، لكنَّه فشل في تقديم "الحقيقة البشعة" التي وعد بها، والتي جذبت اهتماماً عالمياً.
ربما كان في عقله الباطن يلقي خطاباً على جمهورٍ أقل بكثير من الحاضرين، إذ تضمَّن الخطاب "رسالةً مباشرةً" للملك، حسبما قال هشام هيلر، وهو زميل غير مقيم بمركز المجلس الأطلسي للأبحاث، مشيراً إلى إشارات الاحترام التي وجَّهها أردوغان لسلمان في خطابه الذي تحدث فيه عن تفاصيل مقتل جمال خاشقجي .
وحتى الطلب الأصعب الذي قدَّمه أردوغان، المتمثل في تسليم السعودية المشتبهين الـ18 الذين ألقي القبض عليهم في المؤامرة إلى تركيا، صيغ في صورة "اقتراح" إلى الملك.
وقال هيلر: "إنَّه يأمل أنَّ يؤتي اتباع ذلك الأسلوب الحساس ثماره، وسيقرر الملك بنفسه أنَّ محمد بن سلمان لا يصلح أن يكون ولياً للعهد".
ويقول الراصدون السعوديون إنَّ احتمالات تحقق تلك النتيجة تبدو ضئيلة، لكنَّ سعي أردوغان لتحقيقها يوضح مدى الكراهية التي يُكنّها تجاه محمد وسياساته في الشرق الأوسط.
لكن لماذا "يكره" الرئيس التركي محمد بن سلمان ؟
تشمل القضايا التي تثير خلافاتٍ بين البلدين دعم تركيا لقطر، التي تخوض صراعاً مريراً مع المملكة السعودية وأقرب حلفائها مصر والإمارات العربية المتحدة. وكذلك تدعم تركيا الحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين التي قضت تلك الدول بعدم شرعيتها.
وقال أيدين سيلسين، وهو معلق سياسي تركي ودبلوماسي سابق، إنَّ الرئيس رجب طيب أردوغان مستاء من اعتماد إدارة ترمب بشكلٍ كبير على السعوديين وحلفائهم العرب وإسرائيل، باعتبارهم فاعلين رئيسيين يؤدون دوراً رئيسياً في الجهود الأميركية لمواجهة إيران.
وأردف: "تضع جميع تلك الدول إيران أولويةً أولى في قضاياها الأمنية. لكنَّ تركيا ليست كذلك لأنَّ لديها أولويات أخرى".
وقال هيلر إنَّ أنقرة ترى محمد بن سلمان وزعيمي مصر والإمارات أنَّهم "أهم ثلاثة أشخاص يعطلون زيادة النفوذ التركي ويعترضون طريق هيمنتها". وأضاف هيلر أنَّه إذا تمكن أردوغان من "إزاحة محمد بن سلمان عن السلطة أو تهميشه، فسيضعُف في إثره موقف الزعيمين الآخرين بالطبيعة".
تنطوي هذه الاستراتيجية على مخاطر كبيرة لأردوغان، نظراً لشباب محمد بن سلمان وإمكانية اعتلائه عرش السعودية لعقودٍ من الزمن، يحمل خلالها الضغينة تجاه تركيا.
وقال سولي أوزيل، وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في إسطنبول: "يرغب الرئيس رجب طيب أردوغان في إطاحة الابن، وهو يحاول تحقيق ذلك بحذرٍ شديد".
ربما تسعى تركيا للحصول على فوائد أخرى من قضية مقتل جمال خاشقجي !
بما في ذلك المساعدات المالية من الولايات المتحدة أو السعودية. وترغب أنقرة أيضاً في تخفيف العزلة الدولية التي تواجهها بسبب سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، إذ إنَّها تعد أكبر سجنٍ للصحافيين في العالم، حسب زعم الصحيفة.
ثم تأتي مسألة الكرامة الوطنية. إذ قال سيلسين إنَّ مقتل جمال خاشقجي في إسطنبول بمثابة "صفعة على وجه الحكومة التركية، وبالنسبة لي كمواطن تركي هي صفعة على وجهي أيضاً، يجب تسوية ذلك الأمر بين الملك سلمان و الرئيس رجب طيب أردوغان" .
وقال المحللون إنَّ تركيا تحظى بالإشادة حتى الآن لتسليطها الضوء على قضية مقتل جمال خاشقجي ، لكنَّها تعرض نفسها لخطر اتهامها بالسعي وراء مصالحها الخاصة على حساب تحقيق العدالة في قضية خاشقجي مع استمرار الأزمة.
وقال سيلسين: "ربما تُفرط تركيا في تبني استراتيجية تسريب المعلومات معلومةً معلومة، وقد تفقد بذلك الأفضلية الأخلاقية التي حازتها مؤخراً".