قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قدَّم أمس الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، درساً للعالم في كيفية صناعة الإثارة الجيوسياسية ، بخصوص تعامله مع أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي
ونتيجة لأن الأسابيع التي تلت اختفاء جمال خاشقجي، الصحافي السعودي والمعارض للنظام والكاتب في صحيفة Washington Post الأميركية، امتلأت الصحف بتفاصيل تُذكِّرنا بفظائع العصور الوسطى حول القتل المزعوم لخاشقجي. فإن أردوغان عرف أن جمهوره تلقى تفاصيل مربكة عن الطبيعة الباردة والعنيفة لعملية قتل الصحافي السعودي وتقطيع أوصاله حسب افتتاحية صحيفة The Guardian البريطانية.
أردوغان خبير في التعامل مع الأحداث المرعبة
وقالت افتتاحية The Guardian البريطانية إن أردوغان أثبت أنه خبيرٌ في التعامل مع الأحداث المرعبة، إذ جعل جمهوره ينسى كيف كان العالم ينظر إلى تركيا. بدلاً من هذا، نجح أردوغان في إثارة العالم بالمفاجآت من خلال، أولاً: تأكيد قصة "القتل المُتَعَمَّد والوحشي"، الذي يحاكي أسلوب العصابات، لخاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول على يد مجموعة من القتلة أُرسِلوا من الرياض.
وثانياً، كان تأكيد أردوغان أنه لا ينوي التخلي عن القضية التي جعلت السعودية تواجه أسوأ أزماتها الدبلوماسية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ويتناقض هذا مع تفسير السعودية الذي يفيد بأن الكاتب الصحافي قد قُتل عن طريق الخطأ.
خاصة أنه وجَّه رسالة للملك سلمان وتجاهل ولي العهد محمد بن سلمان
بعث الرئيس التركي رسالةً بثنائه على الملك سلمان، الحاكم الشرعي للمملكة، وليس ابنه ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد. ولا يُعقل أن مثل هذا التصرف الجريء قد نُفِّذ دون موافقة محمد بن سلمان.
ويُحتمل أن تواصل الحكومة التركية تسريب الأدلة التي تشير إلى مثل هذا الاستنتاج للصحف المُقرَّبة منها.
منذ تولي والده العرش في 2015، أخذ ولي العهد يُعزِّز سُلطته السياسية بلا رحمة ويبرهن على أنه خصمٌ غير متسامح ومحبٌّ للانتقام، إذ ألقى القبض على العديد من النشطاء الذين يقولون إن المبادرات الاجتماعية التي جاءت متأخرة هي نتاج حملاتهم الحقوقية وليس رغبات الملك.
وشملت كوارث سياسته الخارجية قصف وتجويع المدنيين في دولة اليمن المجاورة له. تقف خطابات إصلاح وتحديث السعودية جوفاء أمام جرائم الحرب والاعتقالات التعسُّفية.
تحوّل ولي العهد السعودي من طائش إلى طاغية
تسبب مقتل خاشقجي في تحويل صورة محمد بن سلمان، مباشرةً، من مجرد أمير صعب المراس وطائش إلى طاغيةٍ مثل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والرئيس العراقي السابق صدام حسين، اللذين كانا يقتلان معارضيهما في الخارج ثم يصافحان أيدي أبنائهم، الذين حُرِموا من آبائهم، في الوطن.
مثل الحكام العرب المستبدين، اعتقد محمد بن سلمان أن ظهوره الموجز في مؤتمر الرياض أمرٌ عبقري، على ما يبدو، إذ إن أحداً لا يريد أن يكون أول المتوقفين عن التصفيق لولي العهد.
استمد محمد بن سلمان قوةً من إدارة ترمب التي تفتقر للقيادة الأخلاقية الأميركية على الساحة الدولية. وهو يعرف أيضاً أن ترمب يريد من السعوديين الوقوف بجواره عندما تدخل الجولة الثانية من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران حيز التنفيذ في بداية نوفمبر/تشرين الثاني.
الصحيفة البريطانية قالت، يبدو أن الرئيس الأميركي قد استفاق، على ما يبدو، وأدرك حقيقة أن فشل الرياض في التوصل إلى حجة دفاعٍ لوقف طوفان الاتهامات الموجهة ضدها والوقوف بجوار قصتها الخيالية الوقحة بشأن مقتل خاشقجي يُعد أمراً مكلفاً لسمعة قوة عظمى.
يجب أن يتخذ الملك سلمان ردة فعل ضد هؤلاء المسؤولين. لا يصدق أحد أن عملية القتل كانت فقط من تدبير المستشار الإعلامي لولي العهد وبعض ضباط الاستخبارات السعودية.
ربما ليس لدى الملك سلمان الإرادة أو القدرة على فعل هذا -خاصةً إذا كان هذا يعني الوقوف ضد ابنه القوي. فإذا كان المجتمع الدولي مقتنعاً أنها عملية قتل، يمكنه -وينبغي عليه- فرض عقوبات على السعودية ووقف مبيعات الأسلحة.
ينبغي على الأمم المتحدة توبيخ الرياض، على أقل تقدير، ما لم تبدأ تحقيقها الخاص في القضية إذا قاومت الرياض إجراء تحقيقٍ ملائم.
وأنهت صحيفة The Guardian البريطانية افتتاحيتها بالقول: ربما يحمي تصرف الأمم المتحدة، الشعب السعودي من ولي عهده عديم الرحمة، ويحقق في موت خاشقجي ما كان يهدف إلى تحقيقه وهو على قيد الحياة.