وجَّه الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتقاداً شديداً لـ الرواية السعودية بخصوص مقتل جمال خاشقجي قائلاً: "من الواضح أنَّه كان هناك خداع، وكانت هناك أكاذيب".
في الوقت ذاته، دافع ترمب عن المملكة الغنية بالنفط، ووصفها بـ"الحليف المذهل"، وترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية ألا يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أَمَرَ العملاء السعوديين بقتل خاشقجي.
وقال ترمب في لقاء هاتفي مع صحيفة The Washington Post الأميركية: "لم يخبرني أي أحدٍ أنَّه مسؤول، ولم يخبرني أي أحدٍ أنَّه غير مسؤول، لم نصل إلى تلك المرحلة… أود لو كان ليس مسؤولاً".
قوبل ادِّعاء المملكة بأنَّ خاشقجي قُتِل نتيجة اشتباك بالأيدي وقع داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بموجةٍ من التشكيك الدولي، أمس السبت، 20 أكتوبر/تشرين الأول، حول الكيفية التي يمكن بها لفريقٍ من العملاء السعوديين السفر إلى إسطنبول لالتقاء خاشقجي وقتله في النهاية من دون علم أو موافقة ولي العهد، القائد الفعلي للمملكة.
ترمب منزعج من علاقة صهره بمحمد بن سلمان
أخبر ترمب الصحافيين، يوم الجمعة 19 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ التفسير السعودي كان معقولاً، لكنَّ المسؤولين الأميركيين قالوا إنَّه عبَّر سراً عن انزعاجه من أنَّ علاقة صهره جاريد كوشنر الوثيقة مع ولي العهد صارت عبئاً عليه، وجعلت البيت الأبيض بلا خيارات جيدة.
دافع ترمب في المقابلة عن كوشنر قائلاً إنَّه يقوم "بعملٍ جيد جداً"، لكنَّه اعترف أنَّ كلاً من كوشنر وولي العهد، وكلاهما في الثلاثينيات من عمرهما، صغيران نسبياً مقارنةً بقدر السلطة التي يتمتعان بها.
فقال: "إنَّهما رجلان صغيران، وجاريد لا يعرفه جيداً أو ما شابه. إنَّهما مجرد شخصين صغيرين، وهما في نفس العمر، أعتقد أنَّهما معجبان ببعضهما".
جعلت إدارة ترمب علاقتها مع محمد بن سلمان حجر زاوية في سياستها تجاه الشرق الأوسط، واعتمدت عليه للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتوحيد العالم العربي ضد إيران. والآن، أدت طريقة تعامل الحكومة السعودية مع مقتل خاشقجي، وهو كاتب رأي في صحيفة The Washington Post الأميركية، إلى تشويه صورة الأمير الشاب، فيما تُشكِّك إدارة ترمب في قيمة شراكتها البارزة معه.
كرَّر ترمب حديثه حول أنَّ الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تدع الحادثة تعطل مبيعات الأسلحة للسعودية، واستشهد بصفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، التي أعلن عنها العام الماضي مع السعودية، والتي قال عنها المحللون إنَّها مبالغٌ فيها.
أكبر طلبية أسلحة في التاريخ لن نتخلى عنها، لكن سيحدث شيء ما
وقال ترمب: "إنَّها أكبر طلبية في التاريخ، والتخلِّي عنها يمكن أن يضر بنا أكثر بكثير مما يضر بهم. وبعد ذلك، كل ما سيفعلونه هو اللجوء إلى روسيا أو إلى الصين، كل ما سيؤدي إليه ذلك هو الإضرار بنا نحن".
وأضاف: "رغم كل ما قيل، سيحدث شيءٌ ما".
يتعيَّن على المسؤولين الأميركيين أن يضعوا في الحسبان الآن التناقضات الصارخة بين رواية المحققين الأتراك والرواية التي أصدرتها الحكومة السعودية السبت.
يتمثَّل أحد الأدلة الرئيسية في التسجيل الصوتي الذي جعل المحققين الأتراك يستنتجون قبل أيام أنَّ خاشقجي قُتل وقُطِّعت جثته عن طريق فريقٍ سعوديٍ أُرسِل إلى إسطنبول. نفى ترمب السبت أن يكون أي مسؤولٍ أميركي استمع إلى التسجيل الصوتي، أو شاهد مقطع فيديو، أو قرأ أي نصوص مُفرَّغة من التسجيل من الجانب التركي.
لكن حسبما أفاد أشخاص مطلعون على المسألة، فإنَّ مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) استمعوا إلى تسجيل صوتي يقول المسؤولون الأتراك إنَّه يثبت أنَّ الصحافي قُتل وقُطِّعت جثته عن طريق فريق سعودي. إذا ثَبُت هذا، فسيجعل التسجيل من الصعب على الولايات المتحدة قبول النسخة السعودية، التي تشير إلى أنَّ وفاة خاشقجي كانت حادثاً بالفعل. وقد وافق المسؤولون على الحديث في هذا المقال بشرط عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الموضوع.
سلَّط هذا التوتر ضوءاً ساطعاً بصورة خاصة على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي أرسله ترمب إلى أنقرة والرياض الأسبوع الماضي للتعامل مع الجدل المتصاعد. بذل بومبيو ومسؤولو وزارة الخارجية جهداً كبيراً لنفي أن يكون كبار المسؤولين الأميركيين استمعوا إلى تسجيلٍ صوتي قدَّمه الأتراك. وقال بومبيو للصحافيين في أواخر الأسبوع الماضي: "لم أسمع أي تسجيل، ولم أشاهد أي نص مُفرَّغ".
هل عرض التسجيل على وزير الخارجية الأميركية؟
وفقاً لمسؤولين مطلعين على الوضع، في ظل عدم الاطلاع على هذه المواد، لا يُوجد وزير الخارجية الأميركي في موضعٍ واضح يمكنه من دحض الرواية السعودية أو التأكيد عليها.
قال سونار كاغابتاي، مدير برنامج أبحاث تركيا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "إذا كان عُرِض على الوزير بومبيو الاستماع إلى التسجيل، فإنَّه كان ذكياً بأن يرفض ذلك. فبعد أن تستمع إليه لا يمكنك التظاهر كأنَّك لم تستمع، وبمجرد أن تسمعه لن يمكنك قول أشياء بعينها".
قال أحد الدبلوماسيين الذين يتعاملون مع القضية، إنَّه إذا سمع بومبيو التسجيل سيكون ذلك "عاملاً مُغيِّراً كلياً للعبة"، وسيتطلب رداً أقوى بكثير من الولايات المتحدة.
أظهر ترمب اهتماماً بالحصول على التسجيلات، لكنَّه قال إنَّه لم يحصل عليها حتى الآن. وأوضح: "سمعتُ كل شيء عن الفيديوهات والتسجيلات، لن يكون هناك أي شخص بإمكانه الحصول عليها أسرع مني، لكن لم يتمكن أي شخص من إطلاعي عليها".
قالت السعودية في بيانها، السبت 20 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّها أقالت 5 من كبار المسؤولين، وألقت القبض على 18 سعودياً آخرين نتيجة التحقيقات الأولية. وجدت التحقيقات الأولية التي أجراها النائب العام أنَّ خاشقجي، وهو أحد منتقدي الحكومة السعودية، خُنِق بعد شجارٍ بالأيدي مع مجموعة من السعوديين "المشتبه بهم".
يرتبط 12 شخصاً على الأقل من الفريق السعودي بأجهزة الأمن السعودية، وكثيرٌ منهم له علاقة بمحمد بن سلمان، وذلك بحسب معاينةٍ لسجلات جوازات السفر، وحسابات التواصل الاجتماعي، والتقارير الإعلامية المحلية، ومواد أخرى.
عزز الملك سلمان، يوم السبت، دعمه ولي العهد، فجعله مسؤولاً عن المراجعة الرسمية التي سيخضع لها جهاز الاستخبارات السعودي.
وأثار هذا القرار تساؤلات حول جودة استعراض السعودية وخضوع أفعالها للتحقيقات، وهو ما اعتبره بومبيو إنجازاً رئيسياً لرحلته.
قال بومبيو للصحافيين على مدرج المطار قبل أن يغادر البلاد: "تحدثنا عن أهمية التحقيق، وإتمامه في الوقت المناسب، والتأكُّد من أنَّ يكون شفافاً بصورة كافية بدرجة تسمح لنا بتقييم العمل الذي جرى من أجل التوصل للحقيقة. إذاً كان هذا هو هدف الزيارة، وفي هذا الصدد كانت الزيارة ناجحة للغاية".
ورفضت الخارجية الأميركية التعليق على مسألة رضا بومبيو عن إجراءات الرياض، أمس السبت.
وعبَّر مسؤولٌ أميركي عن استيائه من أنَّ علاقة كوشنر الوثيقة مع ولي العهد لم تكن كافية لتوفير حاجز حماية ضد القيام بعملية القتل، وأنَّها تترك الإدارة الآن عُرضة للانتقاد بأنَّ الولايات المتحدة مدينة للسعوديين.
وقال المسؤول إنَّ ترمب منزعجٌ من الشعور بأنَّه تمت مفاجأته، وأيضاً مما يرى أنَّه سوء تقدير كوشنر. وجرى في الأيام الأخيرة تهميش كوشنر في قضية خاشقجي، وهو الأمر الذي يرى الكثيرون داخل الإدارة أنَّه مفيد.
ورفض ترمب الشائعات التي تفيد بأنَّ الحالة الصحية للملك سيئة
فقال: "تحدثتُ معه قبل يومين، إنَّه حاد الذهن، ورجلٌ حكيم، إنَّه شخصٌ حكيم".
وقال مسؤولٌ آخر إنَّ الرئيس حساسٌ للغاية تجاه الموضوعات غير السارة بشأن الوضع، نظراً لقرب انتخابات التجديد النصفي، لكن لا يزال غير واضح ما إن كان سيقدم على اتخاذ أي إجراء.
ترمب يشيد بمحمد بن سلمان
أشار ترمب، السبت، إلى أنَّ ولي العهد قوة استقرار في السعودية، على الرغم من وجهة نظر المنتقدين الذين يشيرون إلى قتل حكومته للمدنيين في اليمن، وقمعه للمعارضة، وسجنه للمعارضين السياسيين.
قال ترمب: "إنَّه شخصٌ قوي، ولديه سيطرة جيدة جداً، ويُنظَر إليه باعتباره شخصاً يمكنه إبقاء الأمور تحت السيطرة، أقصد هذا بطريقة جيدة".
قابل ترمب خلال تحديده لكيفية التعامل مع المسألة السعودية نصائح متضاربة من مستشاريه، إذ قال مستشارون إنَّ مستشار ترمب المتشدد للأمن القومي جون بولتون أكَّد على رؤيته بأنَّ العلاقات الأميركية-السعودية مهمة من أجل احتواء إيران. فيما أكَّد كوشنر أيضاً على أهمية الإبقاء على علاقةٍ قوية مع السعوديين.
لكنَّ ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، أخبر ترمب بأنَّه إن لم يعاقب السعوديين، فإنَّهم لن يحترموه.
ووفقاً لبوب كوركر، السيناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي، فإنَّ أحد الاعتبارات المهمة في ذهن الإدارة هو الاعتقاد بأنَّ ولي العهد يمكنه إنقاذ خطة كوشنر المتعثرة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقال كوركر: "الكثير في خطة سلام الشرق الأوسط قائمٌ على دعمه (محمد بن سلمان). تشعر الإدارة أنَّ لديها مصلحة كبيرة هنا".
اعترف حلفاء ترمب بأنَّ مراوغة البيت الأبيض ربما تؤدي إلى دعوات متزايدة من الكونغرس، من أجل رواية أكثر مصداقية للأحداث من السعودية، لكنَّهم شكَّكوا في أنَّ ذلك قد يضر بالرئيس سياسياً.
فقال مارك شورت، مدير الشؤون التشريعية السابق بالبيت الأبيض: "لا أعتقد أنَّ الأمر سيضر بترمب سياسياً، بالقدر الذي تشير إليه بعض وسائل الإعلام". لكنَّه أشار إلى أنَّه "إذا تردَّدت الإدارة في الخروج وإصدار إدانة سريعاً، فإنَّك قد تخلق فراغاً، وسيرغب الكونغرس في ملء هذا الفراغ".