أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنّه يعتبر التفسيرات التي قدَّمتها الرياض، فجر السبت، لملابسات مقتل جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري "جديرة بالثقة"، و"خطوة أولى مهمّة".
وردّاً على صحافي سأله ما إذا كان يعتبر الرواية السعودية "جديرة بالثقة" قال ترمب "أجل، أجل".
وأضاف الرئيس الأميركي: "أقولها مجدَّداً، الوقت ما زال مبكراً، نحن لم ننته بعد من تقييمنا أو من التحقيق، ولكنني أعتقد أنّها خطوة أولى مهمّة"، في إشارة إلى ما أعلنته الرياض، السبت 20 أكتوبر/تشرين الأول، بأنّ خاشقجي قُتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول إثر وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" مع عدد من العناصر السعوديين داخلها.
وعن إمكانية فرض واشنطن عقوبات على الرياض بسبب هذه القضية قال ترمب: "الوقت ما زال مبكراً جداً للحديث عن هذا الأمر".
وأضاف: "نريد أن نرى. نحن نجري تحقيقاً في الوقت الراهن، لدينا الكثير من الناس الذين يعملون على هذه القضية، ولدينا دول أخرى تعمل عليها، كما تعرفون، هذه مشكلة جدية للغاية".
وفي مسألة العقوبات الأميركية المحتملة على الرياض قال ترمب خلال زيارة إلى أريزونا: "إذا كان سيتم فرض شكل من أشكال العقوبة، أو أمر قد نقرّر القيام به، إذا كان هناك ما سنقرّره (…) فإنني أفضّل ألَّا نقوم كإجراء عقابي بإلغاء أعمال بقيمة 110 مليارات دولار، ما يعني 600 ألف وظيفة"، في إشارة إلى صفقة تسليح ضخمة أبرمتها الولايات المتحدة مع المملكة.
الرياض تعلن وتُقيل وتشكّل
وأكّدت الرياض، فجر السبت، للمرة الأولى، أنّ خاشقجي قُتل في قنصليتها بإسطنبول إثر وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخل مبنى القنصلية، رغم أن مسؤولين سعودييين أعلنوا في السابق أنّه غادر المبنى.
وتزامناً، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري، ومسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، من مناصبهم، في وقت ذكرت فيه الرياض أنّها أوقفت 18 سعودياً على ذمة القضية.
وتعرَّضت الرياض لضغوط دولية إثر اختفاء الصحافي السعودي بعد زيارته قنصلية بلاده في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، في قضيّة دفعت بالعديد من المسؤولين ورجال الأعمال الغربيين إلى إلغاء مشاركتهم في مؤتمر اقتصادي مهمّ في الرياض الأسبوع المقبل.
وقال مسؤولون في الأجهزة الأمنية التركية، إنّ خاشقجي تعرَّض للتعذيب وقتل داخل القنصلية على أيدي فريق سعودي جاء خصيصاً إلى تركيا لاغتياله، بينما نفت الرياض أن تكون قد أصدرت أوامر بقتله.
وأتى تصريح ترمب بعيد إعلان البيت الأبيض أنّ الولايات المتحدة "حزينة" لتبلّغها بمقتل خاشقجي.
وقالت المتحدّثة باسم الرئاسة الأميركية، سارة ساندرز، في أول ردّ فعل أميركي على الإعلان السعودي: "نشعر بالحزن لتبليغنا أنّ وفاة خاشقجي قد تأكّدت، ونتقدّم بأحرّ التعازي لأسرته وخطيبته وأصدقائه".
وأضافت أنّ "الولايات المتحدة تأخذ علماً بإعلان المملكة العربية السعودية بأنّ التحقيق بشأن مصير جمال خاشقجي يتقدّم، وبأنها اتّخذت إجراءات ضدّ المشتبه بهم الذين تم تحديدهم حتى الآن".
وتابعت ساندرز: "سنواصل متابعة التحقيقات الدولية عن كثب في هذا الحادث المأسوي، والمطالبة بأن يتم إحقاق العدالة من دون تأخير، وبشفافية، وبما يتّفق مع كلّ الإجراءات القانونية الواجبة".
"تشكيك" ومطالبة باستدعاء القائم بالأعمال
وإذا كانت الإدارة الأميركية اكتفت في ردّ فعلها على الإقرار السعودي بالتعبير عن حزنها لمقتل الصحافي وبتمسّكها بإحقاق العدالة في هذه القضية، فإنّ مواقف برلمانيين أميركيين اتّسمت بالكثير من الحدّة إزاء الرياض.
وشكّك السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي يعتبر من أبرز حلفاء ترمب بالرواية التي قدّمتها السعودية، فجر السبت، بعد أسبوعين ونيّف من تمسّكها بمقولة إنّ الصحافي غادر قنصليتها بعيد دخوله إيّاها، وإنّها لا تعلم شيئاً عن مصيره.
وكتب غراهام في تغريدة على تويتر "القول إنّني مشكّك في الرواية السعودية الجديدة حول خاشقجي لا يفي شعوري حقّه".
من جهته قال بوب مينديز، أكبر عضو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنّه يتعيّن على الولايات المتحدة أن تفرض على السعوديين المتورّطين في مقتل خاشقجي عقوبات، بموجب قانون أميركي أطلق عليه اسم سيرجي ماغنيتسكي، المحاسب الروسي الذي كان ينشط في مكافحة الفساد وتوفي في الحجز.
وقال مينديز إنّ "قانون غلوبال ماغنيتسكي ليس لديه استثناءات للحوادث. حتى لو توفّي خاشقجي بسبب مشاجرة، فهذا ليس عذراً لقتله".
وأضاف أن ما أعلنته السعودية، فجر السبت، من سردٍ للوقائع وإجراءات اتّخذتها هو "أبعد ما يكون عن النهاية، ونحن بحاجة إلى مواصلة الضغط الدولي".
أما النائب مايك كوفمان الذي يواجه على غرار العديد من زملائه الجمهوريين انتخابات صعبة، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، فقال إنّه يجب على الولايات المتحدة أن "تقف إلى جانب قيمنا، وأن تطالب "حلفاءنا" باحترام حقوق الإنسان".
وأضاف النائب عن ولاية كولورادو وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أنّه يطالب ترمب بأن يستدعي على الفور القائم بأعمال السفير الأميركي لدى واشنطن، التي لم تعيّن حتى الآن سفيراً أصيلاً في المملكة.
دولياً، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "انزعاجه الشديد" إثر إبلاغه بمقتل خاشقجي.
وقال غوتيريش في بيان قدّم فيه تعازيه إلى أسرة خاشقجي وأصدقائه، إنّه "يشدّد على ضرورة إجراء تحقيق سريع ومعمّق وشفّاف في ظروف وفاة خاشقجي، وعلى المحاسبة التامّة للمسؤولين عنه".
وتتعارض السرعة الكبيرة التي أصدر فيها غوتيريش ردّ فعله على إقرار الرياض بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها، مع الحذر الشديد الذي توخَّته الأمم المتّحدة في التعامل مع هذه القضية منذ بدايتها.
وكان غوتيريش اكتفى حتى صدور هذا البيان بالمطالبة بجلاء "الحقيقة" حول مصير الصحافي السعودي، متجاهلاً التعليق على الكمّ الكبير من التقارير التي اتّهمت الرياض بالوقوف خلف اختفائه.
ويعود آخر موقف أممي من هذه القضية، إلى الخميس، حين ناشدت أربع منظمات حقوقية هي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" و"لجنة حماية الصحافيين" و"مراسلون بلا حدود"، الأمم المتّحدة فتح تحقيق دولي في اختفاء خاشقجي، في طلب ردَّ عليه الناطق باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك بالقول إنّ هناك تحقيقات تُجريها بالفعل كلّ من تركيا والسعودية.
وأوضح دوجاريك أنّ الأمين العام يُمكن أن يبدأ تحقيقاً دولياً "إذا وافق جميع الأطراف" على ذلك، مشدّداً على أنّه لكي يكون هذا التحقيق فعالاً فهو "يحتاج إلى تعاون الأطراف" المعنية.