حاول الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد ستة أيام من مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي التهوين من الأزمة إذ قال "أتمنى أن تحل هذه المسألة من نفسها".
لكن ذلك لم يحدث. وفي خضم ضجة عالمية متزايدة يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، مارس جاريد كوشنر صهر ترمب ومستشار الأمن القومي جون بولتون ضغوطاً على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مكالمة هاتفية وصفها مسؤول أميركي بأنها "صارمة" للإفصاح عن هوية المسؤول عن اختفاء أو موت خاشقجي.
ثم بدا أن ترمب يمنح السعودية قرينة الشك من خلال تكهنه بأن "قتلة مارقين" ربما يتحملون المسؤولية ومن خلال انتقاد رأي أخذ في الانتشار يقول إن القضية هي قتل بأمر الدولة.
ثم غير الرئيس الأميركي نبرة التصريحات مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي وأثار احتمال فرض عقوبات على الرياض.
ترمب رأى أن رواية السعودية مقبولة رغم اعتراضات كثيرة داخل أميركا
لكن عندما اعترفت السعودية في نهاية المطاف اليوم السبت بأن خاشقجي توفي إثر شجار داخل قنصليتها في إسطنبول، سارع ترمب بوصف الرواية السعودية الرسمية بأنها "معقولة" على الرغم من الموقف الغاضب وغير المقتنع لأعضاء في الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، تحدث ترمب أحياناً عن معاقبة السعودية لكنه بدا متردداً وغير متحمس لتنفيذ ذلك بالفعل ضد حليف اقتصادي وأمني وثيق في الشرق الأوسط وطرف رئيسي في ضمان استقرار أسواق النفط العالمية ومشتر كبير للأسلحة الأميركية في صفقات وصفها ترمب بأنها "هائلة".
وقال آرون ديفيد ميلر وهو مستشار سابق في شؤون الشرق الأوسط لإدارات أميركية ديمقراطية وجمهورية "ترمب وضع نفسه في مأزق.. سيضطر لاتخاذ إجراء ما".
لكن خلف الكواليس تخبط مساعدون لترمب وهم يبحثون أمر الرد المناسب لا سيما مع تنامي الانتقادات من الحزبين في المؤسسة الأميركية.
وقال مسؤولان كبيران في البيت الأبيض إن مساعدين أوضحوا لكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي في بداية ورود أنباء اختفاء خاشقجي أن القضية لن تتلاشى أو تحل من تلقاء نفسها.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن كوشنر، الذي حرص على إقامة علاقة شخصية وثيقة مع ولي العهد السعودي، حث ترمب على توخي الحذر حتى لا يضر بعلاقة استراتيجية واقتصادية مهمة.
وكان كوشنر مشاركاً أساسياً في اختيار السعودية لتكون أول محطة لترمب في أولى جولاته الخارجية بعد تولي منصب الرئاسة العام الماضي.
وعندما وردت تصريحات من تركيا عن موت خاشقجي وتمسك السعوديون وقتها بنفيهم، شعر ترمب بتزايد الضغوط من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وبعض الجمهوريين من حزبه أيضاً.
واتهم السناتور لينزي غراهام، وهو جمهوري مقرب من ترمب، الأمير محمد بن سلمان بإصدار أمر لقتل خاشقجي ووصفه بأنه "أداة هدم" ويعرض العلاقات مع الولايات المتحدة للخطر.
وعندما أصدرت الرياض روايتها الرسمية عما حدث داخل القنصلية، سارع غراهام بالتعليق على تويتر قائلاً إنه "متشكك في الرواية السعودية الجديدة".
وقد سعى لتبرير رد فعله الهادئ بالقول إن الأمر حدث في تركيا وليس أميركا
سعى ترمب إلى تبرير رد فعله الهادئ من خلال الإشارة إلى أن الواقعة حدثت في تركيا وإلى أن خاشقجي، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة وكاتباً للرأي في صحيفة واشنطن بوست، "ليس مواطناً أميركياً".
واتهم منتقدون ترمب بأنه يحاول منح السعودية غطاءً دبلوماسياً ومزيداً من الوقت لحبك القصة وهو ما نفاه مساعدو ترمب.
وقال مسؤول آخر في الإدارة الأميركية لرويترز إن مستشار البيت الأبيض لشؤون التجارة بيتر نافارو كان يشدد على أهمية صفقات السلاح مع السعودية والتبعات المحتملة لذلك على الوظائف في الولايات المتحدة. ونافارو هو مهندس سياسة "اشتروا المنتج الأميركي" لتخفيف القيود على مبيعات الأسلحة لدول أجنبية.
وروج ترمب مراراً لصفقات سلاح تقدر قيمتها بنحو 110 مليارات دولار والتي أعلن عنها خلال زيارته للسعودية العام الماضي وأصر على أن نحو 500 ألف وظيفة في الولايات المتحدة على المحك. ووصف خبراء قيم مبيعات الأسلحة وأعداد الوظائف المذكورة بأنها مبالغ فيها جداً.
كما أثار مساعدون لترمب شكوكاً حول مصداقية تسريبات تركية بشأن ما حدث لخاشقجي.
لكن مسؤولين في البيت الأبيض قالوا إن رأي ترمب بدأ في التغير مع مرور الأيام على الأزمة ومع ظهور أدلة متزايدة على موت خاشقجي.
وأمر ترمب وزير الخارجية مايك بومبيو بترك كل مهامه والتوجه إلى الرياض لإجراء محادثات في منتصف الأسبوع ثم إطلاعه على مضمونها وهو ما حدث بالفعل في البيت الأبيض يوم الخميس.
وواجه بومبيو انتقادات حادة بسبب ظهوره محتفياً في أجواء ودية مع ولي العهد السعودي، مما قلل من صرامة الرسالة التي كانت الولايات المتحدة تحاول توصيلها للرياض.
لكن مسؤولاً بارزاً في البيت الأبيض أشار إلى عكس ذلك، وذكر أن بومبيو قال لأفراد من العائلة المالكة السعودية "عليكم أن تزودونا ببعض المعلومات المنطقية سريعاً.. الناس لن يتركوا الأمر يطول فحسب".
وقال ترمب للصحافيين خلال زيارة لولاية أريزونا أمس الجمعة "سأصغي جيداً لما سيقوله الكونغرس" بشأن الرد على قضية خاشقجي لكنه أوضح في ذات الوقت أنه يريد الاستمرار في حماية عقود الدفاع والوظائف الأميركية التي تعتمد عليها.
وقام الكونغرس بتفعيل آلية تمكن وزارة الخزانة من بحث فرض عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان على السعودية كما تعهد بعض أعضاء الكونغرس بمنع التصديق على أي مبيعات أسلحة للرياض وهي خطوة من المرجح أن يعارضها ترمب.