"اليوم أشعر بالعار لأني إسرائيلي"، عنوان مقال صادم للموسيقار الإسرائيلي العالمي دانيال بارنبويم، عقّب فيه على "قانون القومية" اليهودي العنصري، نشرته صحيفة "هآرتس"، وتناقلته صحف بريطانية وعالمية.
بارنبويم، الذي لطالما دعا إلى السلام وحل الدولتين وعمل من كثب مع المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، قال: "بعد 70 سنة من التوقيع على وثيقة الاستقلال، أقرت إسرائيل قانوناً جديداً، يُحوِّل مبدأ المساواة والمبادئ العالمية إلى الشعبوية والعنصرية".
وأَضاف: "بحزن عميق، أطرح الأسئلة ذاتها التي طرحتُها قبل 14 عاماً، عندما ألقيت خطاباً في الكنيست: هل يمكننا تجاهل الفجوة بين الوعود التي وُضعت في وثيقة الاستقلال، وما تحقَّق؟ هل الاحتلال والسيطرة على شعب آخر يتوافقان مع وثيقة الاستقلال؟ هل هناك أي منطق في استقلال شعب بسلب شعب آخر حقوقه الأساسية؟".
وتابع: "هل يمكن للعب اليهودي الذي عانى تاريخياً العذاب والاضطهاد المتواصلَين، أن يسمح لنفسه بأن يبقى غير مبالٍ لانتهاك حقوق الإنسان ومعاناة جيرانه؟ هل يمكن لدولة إسرائيل أن تسمح لنفسها بأن تحقق الحلم غير الواقعي، بنهايةٍ أيديولوجيةٍ للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بدلاً من البحث عن طرق براغماتية وإنسانية لإنهاء الصراع على مبدأ العدل الاجتماعي؟".
وكتب الموسيقار اليهودي العالمي: "عملياً، لم يتغير شيء منذ عام 2004، لكن الآن يوجد لدينا قانون، يجعل العرب في إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية، وهي صورة واضحة تماماً للتمييز العنصري".
وقال: "من الصعب عليَّ اعتقاد أن الشعب اليهودي، الذي عاش 20 قرناً يعاني الاضطهاد والقسوة، يتحول الآن إلى شعب يمارس القمع، ويتعامل بوحشية مع شعب آخر، لكن هذا ما يفعله القانون الجديد (قانون القومية)".
وختم بارنبويم مقالته بالقول: "لذلك، أنا أشعر بالعار اليوم؛ لكوني إسرائيلياً".
"قانون القومية" الإسرائيلي "يمهد لتطهير عرقي" ضد العرب
ويوم الخميس 19 يوليو/تموز 2018، أثار الكنيست موجة استهجان عالمية عندما أقرّ بصورة نهائية "قانون القومية"، الذي ينص على أن "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط".
كما ينص "قانون القومية" على أن "القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل"، وأن "العبرية هي لغة الدولة الرسمية"، وهو ما يعني أن اللغة العربية فقدت مكانتها كلغة رسمية.
ولاقى "قانون القومية" انتقادات واسعة من قِبل تركيا والاتحاد الأوروبي وشخصيات وهيئات عربية وفلسطينية، اعتبرته محاولة جديدة للقضاء على حقوق الفلسطينيين، و"قانوناً عنصرياً يمهد لتطهير عرقي ضد المواطنين العرب داخل إسرائيل"، ويعرقل جهود السلام.
ويجسد سياسات إسرائيل "البغيضة أخلاقياً والخاطئة استراتيجياً"
انتقاد بارنبويم القانون لا يصبُّ بعيداً عن مواقفه السياسية التي دعت لدعم حقوق الإنسان، وضمنها حقوق الفلسطينيين. انتقد كثيراً السياسات الإسرائيلية ووصفها بـ"البغيضة أخلاقياً والخاطئة استراتيجياً"، وبأنها تهدد وجود إسرائيل نفسه.
يدعم الموسيقيُّ حل الدولتين، وحذر أكثر من مرة من عدم تطبيقه على الأرض، وقال إن أمان إسرائيل يتحقق عند تحقيق أمان الشعب الفلسطيني ضمن سيادة دولته. وتنبأ باستمرار الحروب وتكرار التاريخ المؤلم إذا لم يتحقق حل الدولتين.
أسَّس مع إدوارد سعيد، عاشق الموسيقى وعازف البيانو، أوركسترا الديوان الغربي الشرقي، بمشاركة عازفين شبان من فلسطين وإسرائيل وبعض الدول العربية المجاورة. أسس مع سعيد مؤسسة "بارنبويم-سعيد" في إشبيلية، وضعت المؤسسة أهدافاً تتضمن "التعليم من خلال الموسيقى"، بالإضافة إلى إدارة فرقة أوركسترا الديوان الغربي الشرقي.
كما ساعدت المؤسسة في عدة مشاريع مثل أكاديمية دراسات الأوركسترا، والتربية الموسيقية في فلسطين، ومشروع التعليم الموسيقي المبكر للأطفال في إشبيلية.
وإلى جانب حفلاته في إسرائيل وحول العالم، أقام دانيال عدة حفلات داخل الأراضي الفلسطينية في جامعة بيرزيت ورام الله.
في يناير/كانون الثاني 2008، بعدما أدى حفلاً في رام الله، منحه الرئيس الفلسطيني الجنسية الفخرية الفلسطينية، ليصبح أول إسرائيلي يهودي يحصل عليها.
وبارنبويم يؤكد "القضية الفلسطينية قضية عادلة"
وفي يناير/كانون الثاني 2011، عزف بارنبويم حفلاً بعنوان "أوركسترا من أجل غزة" في قطاع غزة، بمشاركة موسيقيين متطوعين من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، بالتنسيق سراً مع الأمم المتحدة.
دخل القطاعَ من مطار العريش ثم عبَر معبر رفح، ليحيي حفلاً حضره المئات من طلاب المدارس وعناصر جمعيات الأمم المتحدة. واختار وقتها سيمفونيات لموزارت يألفها الجمهور العربي؛ نظراً إلى اقتباس بعض أغاني المطربة فيروز منها.
وقال وقتها: "يجب أن يفهم الجميع أن القضية الفلسطينية قضية عادلة؛ لذلك لا يمكن منحها العدالة إلا إذا تم تحقيقها من دون عنف".